أعــداء النجــاح

mainThumb

21-07-2009 12:00 AM

منـال عبد الســلام القطاونـه

الإنســان الناجح يناله دائما سهام الشائعات والأقاويل باعتباره موجوداً داخل دائرة الضوء.... فأصبح النجاح في هذه الأيام بمثابة الخطيئة أو الجناية التي يرتكبها الإنسـان بصفاء نية... في ظل هذا الوضع أصبح النجاح بمثابة الضريبة التي يتعين على الناجح دفعها وتحمل وتبعاتها جراء جناية نجاحه بسبب تسمم أفكار من يحيط بنا... فهذا شــيء ينذر بالــشر المستطير.
هكذا الدنيا فلولا الفشل ما شعر احد بنكهة النجاح... لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أكثر ما يُخاف منه النجاح في هذه الأيام ؟ لماذا نٌشن هجوماً مباشراً ومستتراً على الإنسان الناجح ؟؟ وتلفق له التهم والأقاويل ؟ لماذا لا يُحتفى بالناجح ويصفق له ؟؟
الذي نجح هو الذي فشل في لحظة ما ... والذي يفشل هو الذي سينجح... فمقياس النجاح عند البعض منا خاطئ تماما لأنهم يقيسون بما حققوه من النجاح لا بما تعلموه من الفشل والإخفاق.
أيها الناجـح: لا تعتـقد أن جميع المقربين منك سيكونون سعداء بنجاحك... فبعضـهم يعتقد انه أحق منك... وبعضهم من الحـاقدين يتمنون فشلك في كل لحظة ... والبعض الآخر منهم يترقب انهـيارك... وقلة منهم يكونون عوناً لك وهناك ذو النفـوس المتعبـة يجدون متعة البحث عن هفواتك والعبث بمحاولاتك... فيعتبرون نجاحك الم أصاب مشـوار حياتهم ... وحزن خيُم عليهم .. .. فينتظرون بفارغ الصبر فرصة التلذذ في إخفاقك ... وهناك فئة عابثة يوجهُون إليك نقداً لاذعاً في غير مكانه.. لأنك تفوقهم ثقافـة ومقدرة ... وتصرفهـم هذا يشفيـهم من حقـدهم عليك.

علينا أن نعطي لنجاحاتنا فرصة الظهور على مسـرح الحياة .. وان نقدم نجاحنا هدية للآخرين... من هنا اطرح السؤال الأتي :: ما فائدة النجاح إذا لم نشارك به الآخرين ؟ وإذا لم يُسـهم به الآخريـن ؟؟ حيال هذا الوضع لا بد طمس الحدود الفاصلة بين الناجح وغير الناجح ... اذ باستطاعة كل واحد منا أن يكون ناجحاً حقيقياً إذا كان أنساناً حقيقيا قبل كل شــيء .

فالناجـح إنسان عادي يبذل جهداً غير عادي تحت وطأة ظروف عصيبة غير عادية.. من اجل نفسـه ومن اجل الآخرين... معتمداً على نفسه ومن اجل الآخرين بالدرجة الأولى.

ومما لا شك فيه أن الإنـسان الناجح لا يبالغ في قدراتـه... ولا يتواضع في تقديرها ... بل يبتهج بنجاحه... ولا يكون قد سمح لأي تجربة ان تدفن إنسانيتـه ... وتطمس نبله الإنســاني ... فكل نجاح في الحياة سيضيف لبنة في بناء مستقبلـنا.

فالنجاح هو ان تؤدي المطلوب منك ولو فيه صعوبـة ... بحيث يجد فيه ما يتحدى قدراتنا.... ويثير فينا دافعـية للعمل ولا ان يكون صعبا نعجز عنه فنقع في براثن الـيأس والإحـباط .

في المحصلة نجاحنا يتحقق في إنسـانيتنا ... وإنسـانيتنا تتحقق في نجاحنا
ألـستم معي بذلك ؟؟ من هذا المنظور نهتدي الى مكامن النجاح وأســراره .
نعم قد نفشـل مرة .. ومرات ... فهذا الفـشل كفيل بدفعنا إلى التطلع للإمام لا إلى الخلـف ... وسـتلوح في رأسنا عندئذ الأفكار البناءة بدلا من الأفكار السلبية اله?Zدامة ... وتولد فينا طاقة من النشاط تدفعنا على العمل فلا يبقى أمامنا متسع من الوقت للتفكير بالماضي المفعم بالإخفاق... قال العالم النفساني الفرد ادلر " من أسمى خصائص الإنسان قدرته على تصيير القوى السـلبية إلى قوى ايجابيـة "
دائما الإنــسان الناجح قلما يتحدث عن نجاحه بل نجاحه وانجازه هو الذي يتحدث عنـه ... ولا ينتظر الهتافات البراقة او الألقاب الرنانة " بل يعيش طربا وفخراً على نتائج انجـازاته وسـمو مشاعره إلى الأعالي... ويظل محتفلا بخروجه من دياجير الجهل والظلم الى فضاءات المـعرفة والعلم والنور .
الإنســان هو المسؤول الأول والأخير عن فشله في هذا الصدد يقول نابليون بونابرت عندما كان في منفاه في جزيرة هيلانه " لا يوجد احد غيري مسؤول عن فشلي الأخير ، لقد كانت نفسي اكبر عدوة لي ".
ما أنبل أن تجعل النـاس يرون فيك أنسانا شهما بجهودك وثباتك .. فاضلاً بمنجزاتك ، لا أنانيا متكالباً على مصالحه وحده .
وجـدير بنا أن نبحث عن أخطـائنا ونكتشـفها ونتداركها قبل ان يستفحل خطـرها وضررها ... وقبل ان يفتح أعداؤنا أفواهـهم بكلمة خبث غير لائقة او عبارة نقد جارحة ... أذكركم بمقولة كونفوشيوس عندما قال :" لا يسيئك الشتم والذم والقدح وإنما يسيئك أن تشغل تفكيرك بهما".

يظل النجاح حالة لا تعرف الراحة فشعورنا بأننا قادرون على القيام بعمل ما مهما كان ضئيلا يبعث في نفوسنا الشعور بالأمل ، مما يرفع من حالتنا المعنوية فلولا هذا الأمل لكادت النفـس تقدم اسـتقالتها المبكرة من هذه الحيــاة ...

والاهم من ذلك ان نقتلع من فكرنا شـعار " لا حول لنا ولا قوة " فمن يرافقه هذا الشعار يكون قد سلم نفسه لحبال اليأس والقنوط وتوقف عن المحاولة .
فما رأيكم أن نقدم نجاحنا هدية لأصدقائنا وأعدائنا على حد سـواء ... وبحكم تجارب البعض منا وجد أن أرقى نصر سـاحق نحرزه في حياتنا هو ان نتـسامح مع أعدائنا من منطلق قوتنا لا من مكامـن ضعـفنا ... فهذه المبادرة تسـتثير غيظهم فيتقوقعون حول ذواتهم ... وينتـابهم القلق الأليم ... ويعيشون في توتر عاطـفي مزمـن .
بالمـقابل نكون نحن أسـياد الصـلح.. وأنصار التسامح في أحسـن حالنا ... فننـتقل من نجاح إلى نجاح ... فيخرج أعداؤنا من هذا السباق الماراثوني يجرون أذيال الخيبة فيدركون عندئذ أنهم كانوا في سباق مع أنفسـهم داخل دائرة ضيقـة ... فنعود نحن محاولين تهدئة روعهم ... فنقدم لهم دروع التـسامـح والصفـح ... ونقدم لأنفسـنا جائزة الفوز والنجاح الساحق تكريمًا
لنقاء قلوبنا... وسمو مـشاعرنا .. ونستحق في نهاية الشوط ان نخلد ذكرى نجاحنا في أرشـيف الحياة ... وندرك حينها بأن نجاحنا لا يأتي بمحض الصدفة ولا من قبيل الحظ بل بجهودنا... ونزاهـة تفكيـرنا.
كل واحدا منا لديه استـعداد فطـري للنجاح كما يقول العلماء... ولديه القدرة أن يجعل النجاح عادة... ولكن العادة تنمو لدى كل شخص بشكل مختلف وبنسب متفاوتة... فإمكانياتنا ليست محدودة ولا نغش أنفسنا ... فما علينا ألا أن نرتقي بطموحاتنا قناعاتنا حول قدراتنا لنجد الطريق نحو القمة سالكا خالياً من لصوص آمالنا.
لنتأمل التاريخ ونختار شخصية ناجحة تبهرنا انجازاتها ونقتدي بها ... فالناجح من قدر قيمة الوقت .. واتخذ قراراً مصحوبا بالالتزام والتحرك وجعل لقناعاته قوة تجعله قادرا على الإبداع ... فما أكثر مواهبنا التي تضيع هباء... فكل تجربة جديدة تؤدي بنا إلى إحداث التغيير لأنها تجعلنا نشك فيما درجنا على اعتقاده ... فاذا حاولنا كثيرا سننجح كثيراً .
فلنحاول دوما أن نرنو إلى أشياء كبيرة تستحق منا جهودا كبيرة ... وان نتطلع إلى ما هو مختلف لتنمو مشاعرنا إلى الأعالي ... شريطة ان نعيد نبض الحياة في قلوبنا وعقولنا ... ونضع العقبات والعوائق وذكريات الأمس المؤلمة في مقبرة الماضي .
لكن ما يجب التذكير به في هذا السياق ان الانجازات التي نحققها لم تلغ القلق الذي يعتري الإنسان المعاصر .. وقد عبر عن هذا الفيلسوف الألماني " هيدغر " بقوله: " اللامأوى أصبح مصير العالم .، والإنسان أصبح بلا جذور ، والمتحول هو التجسيد الخاص الغريب الذي لم يفقده مأواه وحسب بل وضعه في الزمان ايضاً."

manal_qatawneh@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد