الـزرقـاء .. مدينة تبحث عن نفسها

mainThumb

23-07-2009 12:00 AM

موسى إبراهيم أبورياش
 
ليس للزرقاء من صفات المدينة شيء ذو بال، وما هي إلا قرية كبيرة ممتدة على مد البصر، مكتظة بسكانها بشكل مرعب، الذين يتوقون للهرب منها لو تسمح لهم الظروف، ولكن العين بصيرة واليد قصيرة!!

تبحث في الزرقاء شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، عن شيء يسر الخاطر، ويشرح الفؤاد، ويريح الأعصاب، فيرتد إليك البصر خاسئاً وهو حسير، فتشعر بخيبة الأبد، وحسرة وحرقة وحزن يخيم عليك يكتم الأنفاس!!

إذا زار أحد من الزرقاء أي مدينة أخرى مثل عمان وإربد عاد إلى الزرقاء وهو يتساءل : هل عمان وإربد مدينة والزرقاء مدينة؟؟ وماذا في الزرقاء يستحق أن يمنحها لقب مدينة!!

هل أحدثكم عن شوارع الزرقاء التي تزدان بحفر تتزايد كأنفلونزا الخنازير، أم عن المطبات كأسنمة البخت ... أما سمعتم قول أهل الزرقاء المأثور: (كل شيء في الزرقاء زفت إلا الشوارع) وقولهم الآخر: (مطب لكل مواطن) ... أما الحفريات فحدث ولا حرج فما أن تنتهي من شارع حتى تبدأ في شارع آخر كمتوالية لا تنتهي على مر الأيام والفصول والسنين ... وإذا مرّ?Z يوم دون أن يعاني مواطن من حفر أو مطبات أو حفريات ظنّ?Z نفسه في حلم، وحسد نفسه، ويتساءل المواطن بيأس: إلى متى؟؟ وهل يأتي يوم نرى فيه شوارعنا سوداء مستوية جميلة ككل الشوارع في بلاد الله الواسعة؟؟

أم أحدثكم سادتي عن مستوى النظافة في الأسواق والمجمعات والأحياء والشوارع، نظافة يحسدنا عليها بالتأكيد سكان المدن الصومالية مع الاعتذار للأحبة في الصومال جميعاً، قلوبنا معكم! ... زيارة لأي مسؤول في أي ساعة من نهار أو ليل تؤكد أن مستوى النظافة منخفض جداً، ومن يتابع بعض سيارات جمع النفايات وبعض عمال الوطن لن يصدق عينيه أنهم يوسخون أكثر مما ينظفون!

مداخل الزرقاء جميلة وأشهد على ذلك، ولكن ماذا يجدي أن تكون المداخل جميلة وباهرة على حساب الداخل البائس؟ وأيهما أولى بالرعاية والعناية والمتابعة؟ إن كلفة كل مدخل تكفي لتطوير حي كامل من حيث الشوارع والأرصفة!

أما أنفاق الزرقاء وهما بالمناسبة نفقين فقط؛ نفق شارع الجيش ونفق العودة، تم نفقهما لتسهيل حركة المشاة وتوفير الأمان والراحة لهم بعيداً عن خطر السيارات، ولكن المتأمل في النفقين يترحم على أيام زمان حيث لا أنفاق، إذ أصبحت الأنفاق أسواقاً مكتظة تعيق حركة المشاة مع ما يتبع ذلك من إساءات وتحرشات ومضايقات واكتظاظ، ناهيك عن بعض المتاجر التي تشكل خطورة كبيرة مثل محلات تركيب العطور التي تشكل قنبلة موقوتة، وكم من مريض تجنب الأنفاق حفاظاً على سلامة صدره من الروائح النفاثة الخطرة، وأصبحت مخارج الأنفاق معارض للباعة على حساب المشاة وحقهم في عبور آمن ومريح!

التلوث في الزرقاء يجثم على صدور الناس دون فكاك، ففي الزرقاء وحولها أكبر مصادر التلوث في الأردن، ولا أظنها تجتمع في مدينة في العالم كما تجتمع في الزرقاء، فهناك مصفاة البترول، ومحطة الحسين الحرارية، ومحطة التنقية في الخربة السمرا، ونقاط التجميع التابعة لها، وسيل الزرقاء، والمصانع ذات اليمين وذات الشمال، والحرفيين في كل زاوية وركن، ناهيك عن حركة السيارات التي لا تهدأ من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب!! .... وأظن أن دراسة علمية محايدة ستؤكد أن الزرقاء لا تصلح لسكنى البشر بحال!!

ويحدثونك عن مدينة الشرق ومدينة الملك عبدالله بن عبدالعزيز!! ولن أجانب الحقيقة إن قلت إن مدينة ناجازاكي اليابانية وكازبلانكا المغربية أقرب إلينا من مدينة الشرق ومدينة الملك عبدالله!! وأستغرب ويستغرب كل أهل الزرقاء المذهولين ويتساءلون بحيرة: لم تكون شقة في الزرقاء الجديدة بنصف سعر مثيلتها في مدينة الشرق؟؟ وأين الدعم؟؟ وأين حق المواطن في أرض الدولة؟؟ ويتساءلون بسذاجة: هل باعتهم الدولة إلى شركات الإقطاع يتحكمون بهم ويتلاعبون بمشاعرهم ويدمرون أحلامهم؟؟

وعلى ذكر الزرقاء الجديدة، لا تظنوها جديدة فهو اسم وكفى للتمييز وليس للوصف، فهو حي عادي على بعد كيلو متر واحد فقط من مصفاة البترول والمحطة الحرارية، وتحده من الشرق والغرب مجمعات الحرفيين، مما يحيله إلى حي بائس مضروب بألف حجر!!

وتشكل المجمعات مشهداً مؤلماً للاكتظاظ وعدم النظافة وعدم الانتظام والتفلتات والزعرنات ومضايقة الناس، وتكمل الأكشاك على جوانب المجمعات المهمة والاعتداء على حق المشاة والمارة والحافلات، وتساهم البلدية في المشكلة باستغلالها لكل مساحة فارغة في المجمعات لبناء المحلات التجارية على حساب ترك متنفسات للمواطنين ومساحات خالية تخفف عنهم، فالمواطن في المجمع لا يشاهد إلا الحافلات أو الطوابير التي سرعان ما تتداعى عندما تلوح أية حافلة، ويشعر المواطن بحصار محكم من كل اتجاه يخنق أنفاسه ويضاعف معاناته!!

ولا أريد أن أتحدث عن قطاع الصحة والتعليم والألعاب النارية وراليات الحافلات وانتقائية سائقي التاكسي والتوقف المزمن لعداداتهم، ولا مقاهي الإنترنت المنتشرة سرطانياً في كل الأحياء دون رقابة حقيقية، ولا إغلاق الشوارع بداعي الأفراح والأتراح، ولا الزعرنات في المجمعات والأسواق والأحياء، ولا انقطاع المياه والكهرباء، ولا التسول والتسول المقنع، ففي الفم ماء، واللبيب من الإشارة يفهم، وفيما ذكر كفاية لأهل الفهم والدراية، وفي الإطالة إملال لأولى النهى الأفضال!!

وبعد ... فالزرقاء بلاء مزمن استحكم في قلب كل زرقاوي لا يطيق منه فكاكاً، ولا يجد له شفاءً، وما كتبت ما أسلفت إلا حباً للزرقاء وغيرة عليها، وأمل وحلم أن تكون كغيرها من المدن التي يسعد بها أهلها ولا يشقون، وما أزاود على أحد، فكلنا في الهم شرق، وما أريد للزرقاء إلا أن تكون درة في جبين هذا الوطن الذي نحب، وأن تبقى كعهدها دائماً مصنعاً للرجال الرجال الذين يصنعون الحلم لغيرهم ويبقى الكابوس من نصيبهم!!

mosa2x@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد