دوحة المتحاربين

mainThumb

20-05-2008 12:00 AM

أقصى ما يستطيع المسؤولون القطريون الوصول اليه بالتعاون المعنوي مع الجامعة والدول العربية، هو التوصل الى "اعلان نيات" أو هدنة تكون بديلا هزيلا من اعلان صريح للفشل الذي سيعني تأكيد انهيار لبنان وتلاشيه.

اذ لم يعد هناك ما يمكن ان يفرمل الصراع بعدما وصل الى اهراق الدم والاجتياحات العسكرية وهو ما يفتح الابواب على صراع مذهبي وطائفي قد يأكل الاخضر واليابس.حتى كتابة هذه السطور مساء امس، كانت انباء الدوحة توحي بعد صدور بيان المعارضة، ان هذه قلبت الطاولة رأسا على عقب عندما أصرّت على فرض رأيها في مسألتي الحكومة وقانون الانتخاب قبل القبول بانتخاب رئيس الجمهورية. كما أصرت على عدم البحث في علاقة الدولة مع التنظيمات المسلحة، قبل الاتفاق على الحكومة والامور الاخرى، وهذا يعني عمليا رفض البحث في العلاقة بين الدولة وسلاح التنظيمات، وفي مقدمها "حزب الله"، بما يشكل املاء صريحا للشروط. ولكأن المفاوضات في الدوحة تدور انطلاقا من النتائج الميدانية التي عرفتها بيروت وبعض المناطق، اي ان الكلمة النهائية المرجحة يفترض ان تكون للسلاح!
واذا صح ان هذا الامر قد شكل كما تقول مصادر الاكثرية انقلابا على مسار يومين من الوساطة والمفاوضات واعاد الامور الى نقطة الصفر، فان من الضروري طرح سؤال بسيط:

لماذا وافق الافرقاء اذاً على بيان الفينيسيا ونقاطه السبع ولماذا بالتالي ذهبوا الى الدوحة؟

حصل هذا ربما لان الجميع كانوا في حاجة الى التقاط الانفاس:

اولا: "حزب الله" كما المنظمات التي ساعدته في الاجتياحات العسكرية كان يحتاج الى فترة من الهدوء يحاول في خلالها اعادة تظهير صورته امام العرب والعالم. اي انه يقبل الحوار وليس متمسكا باستعمال السلاح في الداخل، وهو الامر الذي ارتد عليه سياسيا.

فقد بدا حتى الآن انه بدخوله المسلح العنيف الى بيروت قد خرج من العالم العربي وهو ما يشكل خسارة معنوية اكبر من انتصاره الميداني.

ثانيا – اما الاكثرية التي كانت شرعيتها الحكومية وزعاماتها البيروتية تحت الحصار والتهديد بالاجتياح العنيف، فقد كانت بدورها تحتاج الى التقاط الانفاس، وكسب الوقت، الذي يسمح لـ"حزب الله" بادراك خطورة ما حصل وللعالم العربي بان يتحسس ما يمكن ان يسببه الحريق المندلع في لبنان.

ثالثا: كانت الدول العربية تحتاج بدورها الى فترة من الهدوء والتعقل بحيث تحاول استثمار ما جرى للتوصل الى حل للازمة اللبنانية المتمادية، التي يعرف الجميع انها قد تتحول شرارة تشعل المنطقة كلها وتغرقها في حروب مذهبية بين السنة والشيعة. وما زرعته مآسي "العرقنة" قد يؤججه جنون "اللبننة" في طبعتها الجديدة.

على هذا الاساس طار الجميع الى قطر وحلقوا فوق لافتات المقعدين وتمنيات اللبنانيين الصريحة والواضحة القائلة: "اذا لم تتفقوا فلا تعودوا" واكثر من هذا ثمة من دعا الى اقفال الحدود والمطار ليبقى المتصارعون خارج هذا البلد البائس والمدمر.

بعد 48 ساعة من الحوارات تبين ان المخارج الحقيقية مقفلة تماما وان الحلول ليست متوافرة وبان روح المبادرة العربية حول حكومة خالية من الثلث المعطل ومن الثلثين المستأثرين، تبقى مرفوضة من المعارضة، مع ان من الواضح تماما ان التعطيل بالسياسة عبر الامساك بعنق السلطة التنفيذية، هو تماما مثل التعطيل بقوة السلاح، لا بل ان القدرة على شل السلطة عبر الثلث المعطل تبقى افضل بكثير من انكشاف استعمال القوة المسلحة لفرض الارادة على اللبنانيين.

ولهذا يمكن الافتراض ان الاصرار على "الثلث المعطل" لم يعطل حكم الاكثرية منذ عامين، بل استطاع الآن ان يعطل وساطة الدول العربية المتكررة وآخرها ما يجري في قطر!

فاذا اضفنا الى هذا، الخلاف المتأجج على قانون الانتخاب، وهو خلاف ينطلق من الحرص على ضمان الحصول على اكثريات نيابية قادرة على تعطيل بعض الاتجاهات التي سلكتها هذه الحكومة من المحكمة الدولية الى مواقع لبنان في الصراعات الكبرى، يصبح في الامكان القول:

لقد انتهى زمن لبنان الواحد لا لبنانين. ودخلنا مرحلة لبنانات متصارعة لا لبنان واحدا.
وعلى هذا الاساس وتكرارا حتى ساعة كتابة هذه السطور، لم تكن اجواء الدوحة توحي بحصول معجزة الاتفاق، ولان هناك حاجة الى حفظ بقية من ماء الوجوه الكريمة على الاقل لدى الوسطاء والمضيفين، فان الحديث عن "اعلان نيات" ليس اكثر من قناع لاخفاء الفشل الذريع.

وفي كلام عمرو موسى بعد ظهر امس نفض لقميص عثمان، بمعنى انه آن الاوان ليقلع اللبنانيون شوكهم بأيديهم.

ولكن لن يبقى ما يكفي من الايدي للاشواك، او حتى للاكل ندما ايتها القبائل المجنونة!

*نقلاً عن صحيفة "النهار" اللبنانية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد