عندما يتسوّل الموظف

mainThumb

17-05-2009 12:00 AM

هشام عبد الفتاح الخريسات

على درج إحدى الدوائر الحكومية في قلب الحبيبة عمّان ، مشيت أغالب آلام قدمي الممزقة عضلاتها و أصعد الدرج رويدا رويدا إلى الطابق الثاني و الثالث ، و حال هذه الدائرة كحال معظم دوائرنا الحكومية المستأجرة مقراتها تقبع مكاتبها في الطوابق العليا دون مصعد و إن وجد فمعطل أو ممنوع استخدامه إلا لعطوفة المدير و كبار الزوار ، رغم أن هذه الدائرة تختلف عن شقيقاتها بأنها الأكثر رفدا لخزينة الدولة بمئات الملايين من الدنانير و هذا حالها .

و لو وقف الأمر عند هذا الحد لهان و لكن القذارة السوداء التي تغطي زوايا الدرج و مصطباته و حوافه و قيعانه تصيب الكبد بالوباء و القلب بالقتامة و الروح بالشؤم و النفس بالغثيان و العين بالعميان ، رغم أن الموظف المعني بالنظافة يقف في منتصف الدرج يحمل المكنسة باليد اليسرى و الكريك باليد اليمنى و يمده مثل متسولي أوروبا عندما يمدون إليك قبعاتهم ، و يلقي تحية الصباح على كل صاعد و هابط مع رفع الكريك أكثر نحوه و كأنه يهددك بالدفع أو الرفع .

نظرت إليه شزرا و نظرت إلى بحيرة القذارة السوداء خلفه و تحت رجليه و لم أتمالك نفسي و صرخت في وجهه : نظف هذه المزبلة التي تقف عليها ... قم بواجبك أولا ثم تسوّل كيفما شئت .

و يبدو أنه دعا علي ، إذ بعدما انتقلت إلى دائرة أخرى تبعد عن هذه الدائرة عشرين كيلومترا اقتضت المعاملة في دوائر حكومتنا الإلكترونية أن أعود إليه مرة أخرى عشرين كيلومترا أيضا ، و هنا كانت المفاجأة !

الدرج مشطوف و نظيف و الموظف يقف في نفس المكان و بنفس الهيئة و لكن الكريك مرفوع أكثر هذه المرة ، فبحلقت في عينيه الخضراوين المتقدتين و قلت له و أنا أرمي له بربع دينار : الآن تستحقها عن جدارة .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد