حكومة أبو عنتر إذ تترجّل!

mainThumb

22-05-2009 12:00 AM

مهدي جرادات

قبل أيام أقسم رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور سلام فياض اليمين الدستورية وحكومته المكونة من أربعة وعشرين وزيراً اليمين الدستورية أمام رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس ، معلنة أنها الحكومة الثالثة عشرة من سلسلة الحكومات الفلسطينية المتعاقبة ، وذلك على الرغم من وجود إنتقادات عنيفة من بعض الفصائل وبالأخص حركة حماس بالإضافة إلى كتلة فتح في المجلس التشريعي الفلسطيني،حيث وصفت بغير الدّستورية لعدم مصادقتها من المجلس التشريعي الفلسطيني والمعطّل منذ ثلاث سنوات ومعظم نوّابه في أقبية السجون والمعتقلات الصّهيونية.

والنظر إلى هذه الحكومة من ناحية وزرائها حيث يجد أهل الإختصاص بأن وقت إعلانها جاء في الوقت المناسب وفي غاية من الحنكة والذكاء ، ولهذا إعلامياً حكومة إنتقالية لحين تشكيل حكومة وحدة وطنية ،وهذا بالإشارة إلى إستخلاص النتائج عبر بوابة الحوار الوطني الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس في القاهرة ، ولكن الأصح هو لغاية في نفس يعقوب، فأراد كاتب سيناريو هذه الحكومة الذي يعمل من وراء الستار ، أن ينتهز فرصة تأجيل الحوار الوطني الشهر القادم بتشكيل هذه الحكومة لكسب مزيد من الوقت لترتيب أوراق بعض القضايا وخاصةً تلك المستجدات التي تطرأ على الساحة الفلسطينية.

جاءت الحكومة حسب الإعتقاد كعملية تطييب للخواطر بين أبو مازن وسلام فياض الّذي قدم إستقالة حكومته في شهر آذار الماضي أمام أبو مازن ، حيث تم ترويج معلومات لرئيس الوزراء فياض آنذاك بأن المتحاورين من حركة فتح في حوار القاهرة لا يقدمون النتائج بكل وضوح له ويخرجون عن تعليماته ، وعندها إستقال فياض حيث طلب بعدها أبو مازن من فياض بالإستمرار بحكومته لحين تشكيل حكومة أخرى وهذا يقصده عن هذه الحكومة التي وصفها بالإنتقالية كما أسلفنا، فجاءت أولاً لتشكل ضربة قاسية لرئيس كتلة فتح في المجلس التشريعي الفلسطيني عزام الأحمد ،وهو أحد الرجال المعترضين على مؤتمر فتح المزمع إنعقاده في الأول من تموز القادم وأحد المشاركين في حوار القاهرة،ولهذا خرج عزام الأحمد يرد على هذه الحكومة ويقول أنّها غير دستورية على الإطلاق وأنّ سلام فياض لم يستشيرنا بهذا الأمر.

ثمة حقيقة تراودني وهي أن رئيس الوزراء سلام فياض دائما بجعبته ملف المالية دون دمج المالية مع الإقتصاد،وهذا الأمر بطبيعة الحال بحاجة إلى دراسة تجعلنا نعرف لماذا دائماً يستولي سلام فياض على حقيبة المالية ،والسبب حسب الإعتقاد بأنّ فياض أحد المشاركين في حصار غزة بدعم عربي ودولي ومرضي عنه عربياً وأوروبياً ،وهو بارع في حصار المقاومة في الضفة الغربية وبالأخص حركة حماس،ومن البديهي وللوهلة الأولى عندما نقول حصار المقاومة يعني هذا عدم مرور التبرعات من الجمعيات الخيرية عبر المصارف والبنوك إلى قطاع غزة مخافة أن تصل إلى حكومة حماس وهذا يشكل خطرا عميقا على حكومة تسيير الأعمال التي يرأسها سلام فيّاض.

وهناك أمر آخر يعلل سبب إستلام ملف المالية هو حصار خصوم أبو مازن مالياً وذلك لإجبارهم على القبول بما يفكّر به أبو مازن ، فتارة يقوم بتأخير الرواتب الشهرية لخصومه التي تأتي من العم دايتون وذلك بغية تمرير ورقة مؤتمر فتح القادم والقبول بنتائجه مهما كلّف ذلك الغالي والنفيس .

وعلى هذا الأساس يتطلّع أبو مازن بإختبار حكومة فياض الإنتهازية (كما يصفها كاتب هذا المقال) ،وذلك حتّى يقوم فيّاض بعنترية غير مسبوقة من أجل تكميم أفواه الخصوم وفصائل المقاومة ، لأنّ أبو مازن يتعرّض لضغوط عربية ودولية تمارس عليه لإنجاح ما تريده حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة بالإشتراك مع الثعلب أوباما الّذي يروّج لخطته الذّليلة والتي تنص على إقامة دولة فلسطينية بعد أربعة سنوات مع إسقاط حق العودة عن ملايين الفلسطينيين والّذين يعيشون في مخيمات الشتات الفلسطيني ، وهذا المطبخ السياسي المسموم ستتفق عليه أطراف عربية والأطراف المشاركين بما يسمّى باللّجنة الرباعية الدّولية ،حيث ستكون في النهاية لعبة مراوغة من الثعلب نتنياهو وتضييع الوقت مثل ما يحدث كلّ مرّة من مشاريع السّلام الإستسلامية ، وأيضاً هي ضربة موجعة لكل جهود السلام العربية وبالأخص مبادرة السّلام العربية حيث ستضرب بعرض الحائط ، ولهذا السبب أحسن فيّاض إختيار رياض المالكي البرجوازي لإدارة تلك المسرحية القذرة.

وحتّى نسيطر على هذا الأمر ونحفظ الهدوء على عدّة جبهات يجب حفظ الأمن والسيطرة على الأرض ، فقد جاء فيّاض ليأتي بجنرال صلد كان يشغل منصب محافظ رام الله والبيرة يدعى "سعيد أبو علي" لينفّذ هذه المهمة،وخصوصاً أنّ سلام فيّاض يثق بهذا الجنرال كثيراً ،ومعروف عنه بأنّه عدو لحركة حماس بالإضافة إلى محاصرته لأنشطة المقاومة الخيرية والدّعوية،ووقف وراء إقناع العشرات من المقاومة بتسليم أسلحتهم والضّغط عليهم لطلب العفو من الصّهاينة ، ولهذا فهو بارع بعملية التنسيق الأمني مع الضباط الصّهاينة ومراوغ حقيقي في مسائل الأمن جيداً ،وهنا يجب أن نضع علامة إستفهام حول عدم جلب أي محافظ يستلم حقيبة وزارية إلاّ محافظ رام اللّه والسبب في ذلك كون رام الله ليست عاصمة السلطة الفلسطينية كما يحلو للبعض،بل لأنّ رام الله تسيطر عليها حركة فتح وهناك مضايقات كبيرة تجري لأنصار حماس والفصائل الأخرى،أمّا بقية المحافظات الفلسطينية فيخشى أن تكون سند لبقية فصائل المقاومة وهذا ما يرفضه فيّاض حيث سيؤثر على حكومته مستقبلاّ.

ما يضحكنا يا سادة يا كرام في أنّ هذه الحكومة شخصيات توصف بالمستقلة ولكن هذا فقط من الناحية التنظيمية ، ولكن هناك علاقات وثيقة تربط فتح بمعظم المستقلين بوظائف إقتصادية وتجارية ,أهواء شخصية ،فلذلك ترتاح مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية أن تستقطبهم إلى أروقة مؤسساتها العلمية والأكاديمية والقانونية والخيرية والإقتصادية فلهذا السّبب إعلامياً يقولون أنّهم مستقلين أي غير منتمين إلى أي حزب سياسي،ولكن الحقيقة تصب ولاءاتهم لحركة فتح وهذا الأسلوب يهدف إلى أن يقتنع الرأي العام الفلسطيني أنّ الجميع مشارك في صنع القرار وليست فقط حركة فتح هي محتكرة ذلك الموقف.

حيث في النهاية أنّ مثل هكذا حكومات سيتم تقصير أعمارها وذلك لأن الشعب الفلسطيني بغالبيته العظمى لن يكون مرتاحاً لأداء هذه الحكومة ، وذلك لأنّها من إخراج الأسياد، ولن تلبّي طموحات الشعب الفلسطيني نهائياً ، حيث المشاركون في تلك الحكومة في نفس الوقت هم مشاركون في حصار غزّة حيث وضعت بعض الوزارات على سبيل التمويه ، فلن تحل مشاكل الفقر ولا البطالة ولن تلتفت إلى قضية العودة ولكن سوى أنّها ستمطرنا إعلامياً بتصريحات زلزالية عن ما يجري في القدس ، وتستمر تلك الحكومة إلى أن يتم إعلان وفاتها ودفنها في مقبرة المتخاذلين والمساومين على القضية وسينامون نوماً عميقاً في مزابل التاريخ.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد