كعكة عيد .. لم تكتمل

mainThumb

28-09-2008 12:00 AM

لم يخطر ببال أم عمار، أن عيد الفطر بعامها هذا ، تكرار لما يسمى بأعياد ، يوم كبقية الأيام ، شاحب مكفهر حزين ، يوم لاجترار هزائمها وانكساراتها ، وبؤسها الذي ما زايلها يوما .

منذ اليوم الذي أجبرت زوجها للاستثمار في البورصة ، استيقظ بداخلها طفل متمرد جسور، مقبل على الدنيا ، متحد واقعه ، وراح يطارد أشباح جوع وعري وهامشية حياة ، يطاردها كلما سمعت المسكينة أن المائة ليرة ، تلد مع آخر ( شهر حكومة ) عشرين ليرة . حلقت المسكينة في سماء أوهامها ، وتماهت مع خيالاتها الوردية ، فاستعدت لليلة طالما تمنتها ، ليلة آخر شهر الصوم ، ليلة ممزوجة برائحة (القطر) والكعك ، تخالطها ابتسامات عمار وإخوانه . ...... هاهي أم عمار تستعد لتحضير أدوات الكعك بخيالها ، الطحين والسميد ، وكأسا مترعة بالسمن البلدي ، ها هي تخلط وتعجن ، وترقق عجنها ، وتوزعه قطعا متساوية ، كل قطعة قدرتها لتملأ فم عمار أو أحد أخوانه ، أكملت أم عمار بخيالها قطع عجينها ، وحرصت أن تضعه بترتيب ، ثم أمسكت كل قطعة ، وخلـّقت لها بطنا ، أو صنـّعت لها فما فاغرا ، كبطون وأفواه أبنائها ، وبسرعة ، بدأت تحشو البطون والأفواه بحشوة الجوز والتمر؛ التي حرصت أن تختارها من أجود الأصناف ، كانت تحشوها بعنف واستعجال تارة ، وبلطف وخفة يد تارة أخرى ، تراءت لها هذه البطون والأفواه الفارغة ، بطون وأفواه جياع الأرض .

وفي الصباح ، استيقظت أم عمار، على صوت التكبير ( الله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد ) . استيقظت المسكينة ، بعد موت ما داخلها من أحلام وهواجس ، ونظرت لأطفال كزغب القطا ، حواصلهم فارغة كفراغ يد أبيهم من متاع الدنيا ، ومن بعيد ، تسللت رائحة الكعك من عند الجيران ، رائحة طيبة زكية ، بالسمن البلدي والقرفة ، معلنة بدء العيد لأهله ، وما زادت أم عمار عن دمعة رقراقة ، سالت على خد أضناه الجوع ، لتعبر عن مأساة جياع الوطن ومنكوبي البورصة .

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد