دولة على مفترق مصيري

mainThumb

07-05-2008 12:00 AM

اسرائيل هي احدى قصص النجاح الكبرى في العصر الحديث ، أمة ولدت من جديد من ناجين من الكارثة ومن طوائف مقتلعة ، نهضت من الرماد. اليهود الذين أصبحوا اسرائيليين بنوا اقتصادا مزدهرا ، يتحرك في معظمه ان لم يكن بكامله بنوعية رأس المال البشري ، فقد أقاموا زراعة حديثة ومن الاكثر تقدما في العالم ، واحيوا من جديد اللغة العبرية ونجحوا في الحفاظ على الديمقراطية - وان كانت غير كاملة.

ومع ذلك ، ففي يوم ميلادها الستين تقف اسرائيل في مفترق طرق هام : مصير الدولة ، فبعد كل شيء ، كان رئيس الوزراء بشخصه هو الذي حذر من أن اسرائيل اذا واصلت التورط في المناطق المحتلة ، و لم تقم دولة فلسطينية ، فستكون "نهاية الدولة اليهودية".

مشاكل اسرائيل الداخلية تشكل تحديا جديا بقدر لا يقل عن ذلك ، فالاباء المؤسسون حلموا بمجتمع منسجم من مواليد البلاد - "الانسان الجديد" للثورة الصهيونية ، ولكن هذا الحلم تحطم الى شظايا لمجتمع يعاني من جملة توترات طائفة ، اقتصاده ، مهما كان ابداعيا ، يختنق تحت عبء ميزانية الامن ، وهو يهدد بالمس بالاستثمار في التعليم والبحوث العلمية.

النفس الاسرائيلية تتأرجح ، اذا ما استخدمنا المجاز ، بين دولة تل أبيب ودولة القدس ، تل أبيب هي الصورة الحديثة لاسرائيل ، التي تتبنى الثقافة العلمانية ، والنمو الاقتصادي ، تل أبيب استبدلت فكرة الطليعيين باغراءات الحداثة ، الليبرالية و"الطبيعية" وتتطلع لان تكون جزءا لا يتجزأ من القرية العالمية.

التطلع الى الطبيعية بكل ثمن يستقبل في نظر اسرائيل الاخرى ، المقدسية ، كشيء ضحل ، يتعاطى بعدم اكتراث شبه اجرامي مع عمق الذاكرة ودروس التاريخ اليهودي ، فاسرائيل القدس هي تطلع الى الجذور ، خوف طبيعي من العرب وعدم ثقة لا هوادة فيه بالاغيار.

اسرائيل ولدت في الحرب - وتعيش على الحراب ، وفقط في اوقات نادرة في التاريخ سارت الحركة الوطنية نحو التجسد في ظل اظهار فاخر جدا للخبرة الدبلوماسية والقدرة العسكرية ، ولكن النصر الذي يقبض الانفاس ضد ثلاثة جيوش عربية في العام 67 جلب لاسرائيل ليس فقط العظم والفخار ، بل وايضا التعفن السياسي والاخلاقي ، فبعد 41 سنة من الحرب اياها ، اسرائيل لم تنجح في انقاذ نفسها من الاحتلال المفسد لمناطق فلسطينية من التوسع الاستيطاني.

كان يفترض بهذا ان يكون المفارق الوجودية لاسرائيل: احساس بالعظمة متداخل بخوف اخروي من الابادة ، والتاريخ القصير لدولة اسرائيل يتميز برد فعل صدمة على كل مبادرة تلمس في شيء ما الامن والوجود الجسدي لها ، وفي التأويل الفتاك للتهديدات التي تفرضها المنطقة ، والتحدي الاكبر الذي امامها اليوم هو التغيير الراديكالي للاستراتيجية وايجاد بديل للميل التاريخي لقياداتها لعدم اتخاذ القرارات الا على اساس السيناريو الاسوأ.

لشدة الاسف ، تاريخ النزاع الاسرائيلي - العربي يثبت أن أي حرب انتهت بطرف عربي مهان لم تؤد الى تسوية سلمية تماما مثلما لم يؤد أي نصر ساحق لاسرائيل بزعمائها للعمل بسخاء المنتصرين ، اختراقات في المسيرة السلمية بدأت بمبادرة عربية وليس اسرائيلية.

هكذا كان في حرب 73 ، التي اعلنها السادات بهدف ان يفرض على الولايات المتحدة التوسط في تسوية سلمية مصرية - اسرائيلية ، وهكذا كان ايضا في 1987 عندما الزمت الانتفاضة اسرائيل بهجر عدم الاكتراث والدخول في مسيرة انتهت باتفاقات اوسلو.

كان هذا خليطاً مميزاً من الاعتبار الديمقراطي والطوباوية ، بواسطته سمحت الحركة الصهيونية لليهود بان يستعيدوا لانفسهم حق الاباء والاجداد واعطاهم المفتاح لمستقبلهم ، ذات الادوات اياها يجب أن تستخدم في المهمة المعقدة والحيوية التي تقف امامها الدولة اليهودية اليوم: وضع حد للمواجهة مع العالم العربي ، ولا سيما مع الفلسطينيين.

لم ينج اليهود من كل فظائع الابادة فقط كي يتمترسوا خلف اسوار معتقداتهم ، لقد نجوا بتصميم رد لمشكلة لا حل لها: تحويل الدولة اليهودية الى شرعية بنظر اولئك الذين يشعرون بانهم ضحاياها.«يديعوت احرونوت»



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد