لبنان: نهاية مرحلة الرئيس التّوافقي؟

mainThumb

07-05-2008 12:00 AM

دخل لبنان، اعتباراً من فجر أمس، في مرحلة جديدة. لقد فجّر مجلس الوزراء في جلسته الماراتونية المسألتين المترابطتين الأكثر إثارة للخلاف، وهما مسؤولية الأمن فوق الاراضي اللبنانية والبنية التحتية لـ«حزب الله» التي تقضم هذه المسؤولية. أي أن حكومة فؤاد السنيورة أقدمت، وللمرة الأولى منذ شغور منصب رئيس الجمهورية، على قرار استراتيجي، وهي المفترض فيها أن تسيّر أعمال الدولة في انتظار انتخاب رئيس.

وهذا يعني ان القناعة بعدم التمكن من انتخاب رئيس توافقي باتت راسخة، وان ذلك يتطلب الانتقال بالوضع الحكومي الحالي من تسيير الأعمال إلى التصدي للقضايا الأساسية التي تواجهها الدولة. ومن هذه القضايا تمدد البنية التحتية لـ «حزب الله» في المناطق اللبنانية كافة، بما ينهي مرحلة التعايش بين الدولة والحزب، كما رسا عليه منذ اتفاق الطائف. وعندما تحوّل الحكومة الى القضاء الجزائي جميع المتورطين، افرادا او هيئات، بشبكة الاتصالات التي انشأها «حزب الله»، فهذا لا يعني تنفيذ هذا القرار بالقوة، غير المتوافرة على أي حال. لكنها تسجل حصرية حق الدولة اللبنانية في السيادة على الاراضي اللبنانية وتحفظه. وهو أمر لم يعد «حزب الله» يسلّم به، بعدما بات يربط علنا بين تمدّده داخل مناطق سكن الشيعة ومناطق سكن أنصار حلفائه بأمن مقاومة اسرائيل. بما يجعل هذا الأمن يغطي عملياً كل الاراضي اللبنانية، ما دامت المقاومة حالياً تستند على القوة الصارخية المتعددة المدى.
من جهة أخرى، ومع استحالة الحوار السياسي في ظل الظروف الراهنة، عجّلت الحكومة في طرح مسؤولية الدولة عن تنفيذ القرار الدولي الرقم 1559، خصوصا قضية سلاح الميليشيات والسلاح غير الشرعي. لقد كان مناهضو «حزب الله» وسلاحه وامتدادات هذا السلاح، يقولون إن هذه المسألة تخضع للتفاهم اللبناني الداخلي وتُحل ضمن اطار استراتيجية الدولة. لكن هذا التوجه لم يعد مطروحا، بفعل صعوبة هذا الحوار من جهة، ومن جهة أخرى بوضع «حزب الله» ترسانته وسلاحه في اطار النزاع الاقليمي. بما يعلن رفضه المسبق، ومن موقع القوة، للبحث في أية استراتيجية لا يكون فيها هو صاحب القرار الوحيد في موضوع السلاح. اي انه ينفي سلطة الدولة ومسؤوليتها عن الأمن في البلد.

لا بل ذهبت التعليقات الأولى، لأركان في الحزب، على قرارات الحكومة بأن أي استهداف لبنية الاتصالات الهاتفية التي انشأها يعني خدمة لإسرائيل وتسهيلاً لانكشاف المقاومة امام استخباراتها. أي ان محاولة استعادة الدولة لسلطتها ستصب في خدمة اسرائيل. وهدّد هؤلاء الأركان بأنهم سيتعاملون مع من يستهدف هذه الشبكة على هذا الأساس.

وهنا لم تعد المسألة تتعلق بتصريحات فجّة للدعاية والتعبئة والتحريض، وانما تتعلق بمنطق متكامل في النظرة الى الدولة اللبنانية ووظيفتها. لقد باتت في تعارض فاقع مع ما كان يأمل «حزب الله» ان يأخذه منها. وهذا لا يصعب الحوار، إن لم يجعله مستحيلا، لكنه يدق اسفينا اضافيا في التعايش. وهذا ما ظهر من خلال إقالة الضابط المسؤول عن أمن المطار. وبغض النظر عن تقصير هذا الضابط او الافتراء عليه، تعامل «حزب الله» وحركة «أمل» مع الاجراء بوصفه استهدافاً لموقع أمني للمقاومة وللشيعة في لبنان، وليس كموقع أمني لبناني.

لقد انتقل الوضع اللبناني من مرحلة السعي الى سدّ الفراغ الرئاسي، وما سبق خلو السدّة الرئاسية من مطالب المشاركة وتقاسم السلطة ووساطات ومبادرات، الى وضع التعارض المباشر بين الدولة والبنية التحتية لـ «حزب الله». ومع هذا التعارض تضاءلت فرص التوصل الى رئيس توافقي، وهي ضئيلة اصلاً. إذ أن القرار الحكومي سيكون أساس البحث في شخصية الرئيس الذي سيكون مضطراً الى التعامل، سلباً أو ايجاباً، مع هذا القرار. ومهما كان موقفه سيتحوّ?Zل طرفاً في هذا النزاع.

*نقلا عن جريدة "الحياة" اللندنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد