ثمانون

mainThumb

06-05-2008 12:00 AM

فشلت الثورة الالكترونية، ثورة المعلومات الاولى من نوعها في العالم، وعادت مصر الى واقعها الافتراضي الذي يعيش فيه شعبها وحكومتها، والرئيس حسني مبارك، في عامه الثمانين، المحفوف بمخاطر الزمان والمكان.
لم تكن ثورة بالمعنى الحرفي للكلمة، كانت محاولة انقلاب بائسة، نظمتها مجموعة من شبان الانترنت، وافترضت انها تستطيع ان تغير احوالا وتقاليد موروثة منذ آلاف السنين بوسائل عصرية فائقة التطور، لكنها سرعان ما اصطدمت بارض الواقع الذي لا يمكن ان يستقيم مع الصور المتخيلة على اجهزة الكومبيوتر والهواتف المحمولة، مهما بدت تلك الصور واقعية.

ومع ان تلك المجموعة كانت تتحرك في مجال يمثل ثمانية بالمئة من سكان مصر الذين يقترب عددهم من الثمانين مليونا، فان الجمهور اعرض عن الاستجابة لتلك الدعوة الى الاضراب والحداد من اجل التغيير، وابدى استياء ملحوظا من هذه المغامرة الخطرة في بلد اعتاد على خلود النهر، وابدية الفرعون، ومركزية السلطة التي لا تتسامح مع أي شكل من اشكال الفراغ.

لكن هذه المراهقة السياسية التي حاولت ان تسد فجوة في الواقع الافتراضي، دقت جرس انذار جديد: السلطة ليست فقط جهازا امنيا، والرئيس لم يعد فرعونا، ومياه النهر لا تصل الى المنازل والمزارع، وكذا الخبز وبقية متطلبات الحياة اليومية. لا بد من طلب التغيير، ولو من خلال كبسة زر او رنين هاتف... طالما ان الادوات الاخرى غير متوافرة حاليا، وطالما ان انتظار قوانين الطبيعة وحدها لا يليق بالمصريين.

استاء الجمهور من ذلك الطلب الملح بالتغيير، ربما لانه يمس تلك القوانين ويسيء الى صورة الرجل الذي بلغ الثمانين من دون ان يطمح في سنوات حكمه الـ27 الى اكتساب أي من ميزات الفراعنة، وينظم له وداعا مبكرا من دون ان يقدم البديل الذي يحفظ استقرارا صعبا وسط زلازل مدمرة تضرب المحيط، وتهز بين الحين والاخر علامات الحدود الشرقية الحساسة.

لكنه الحاح مشروع، برغم انه يجيء من مراهقين سياسيين، ولا بد ان يكون صداه مدويا في مقر القيادة، التي تأخرت حتى الان في عرض البدائل المقبولة، واكتفت بين الحين والاخر بذلك المزاح الثقيل حول التوريث، الذي يشكل اهانة لمصر وشعبها، واستفزازا لذلك الجيل المغامر الذي يقــود ثورتـــه الخاصة على اجهزة الكومبيوتر والهاتف المحمول، ويفتتح عصرا يكـون فيه التغيير الكترونيا او لا يكون ابدا... وهو نفسه الجيل الذي ينتمي اليه الوريث الافتراضي المعروف. وفي ذلك مفارقة واقعية جدا.

لا بد من تغيير وفق التقاليد المصرية، التي لا تقبل الثورات الفجائية، وتميل الى عمليات الانتقال الهادئ للسلطة، تماما كما في ثورة 23 يوليو 1952: آن الاوان لكي يحدد الكهل الثمانيني الذي أبى دوما ان يعين خليفته بنفسه، سياقا دستوريا سلميا واضحا لذلك الانتقال، قبل ان تدب الفوضى في ارض الفراعنة للمرة الاولى في التاريخ.

*نقلاً عن صحيفة "السفير" اللبنانية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد