العبوا بعيداً عنا .. ! 2-

mainThumb

27-05-2008 12:00 AM

فلسطين اليوم أصبحت رقماً في لعبة قمار عالمية، نضع كل أموالنا على هذا الرقم، منتظرين أن يصيب، وفي كل مرة لا يأتي. يصبروننا بأن الكرة أصابت الرقم الذي بجواره وقد يأتي في اللفة القادمة ساعتها نكون قد خسرنا غزة. وتدور الكرة ولا يأتي الرقم، ونكون قد خسرنا سيناء، ثم تدور الكرة مرة أخرى ولا يأتي الرقم، ونكون قد خسرنا الجولان، وتدور ونخسر وتدور ونخسر.

خمسون عاما ولم يأت الرقم، صرفنا كل طاقتنا ومعظم أموالنا في لعبة الروليت الدولية، ونحن في انتظار رقم فلسطين، عندما جاءت الكرة وكسبنا سيناء مرة أخرى ظننا أننا كسبنا، ولكنه مكسب لا يساوي الخسارة الماضية، أو الخسارات السابقة. ضربة الحظ هذه لن تأتي إلا إذا خرجنا من عقلية المغلوب على أمره في ساحة اللعب إلى عقلية اللاعب، أو على الأقل، أن نرفض اللعب ونطالب الآخرين بأن يلعبوا بعيدا عنا.

لم يعد مقبولا أبدا أن يتحدث العرب بلغتهم القديمة وينقسمون في ما بينهم بين مقاوم وممانع، ويتهم بعضهم بعضا بين العمالة للإيرانيين والعمالة للأميركيين، ليس في الوقت متسع لهذه السذاجة والرعونة، ولا يكفي أيضا أن يروح عمرو موسى ويجيء لنحس بأننا نفعل شيئا، المطلوب هي تلك الوقفة الصارمة، من كل العرب «المعتدلين» و«الممانعين»، بأن يقولوا لكل من أميركا وإيران: العبوا بعيدا.

لكن السؤال هو كيف عرف الأميركيون في السابق، ويعرفون اليوم، بأن الشارع العربي، والجامعة العربية، والقادة العرب، غير راضين عن مشروعهم للمنطقة المسمى بالفوضى الخلاقة؟ تكلم العرب، كتاباً وساسة ومفكرين، بوضوح ضد المشروع الأميركي، وبالطبع يتكلمون بشكل دائم وواضح لا مراء فيه في ما يخص إسرائيل. المطلوب اليوم هو أن يتكلم العرب، كتابا وساسة ومفكرين، بالوضوح نفسه عن المشروع الإيراني في اللعب المدمر على الوتر الطائفي في دولهم. التلميح لن يجدي بعد أن تحولت بيروت إلى غزة أخرى، أي (غزة 2). فهل ننتظر أن تصبح مدينة عربية أخرى (غزة 3)، قد تكون في البحرين أو الأردن أو في مصر؟ تفخيخ إيران للجسد العربي في دولة عربية أخرى هو بداية انفراط النظام العربي بأكمله. (غزة 3) هي النقطة التي ستنقلب فيها الموازين، وندخل في حرب أهلية إقليمية لا محلية، حرب سنة وشيعة كان بعضهم يستبعدها ويصورها على أنها من صنع خيالات مريضة، لكنها اليوم واقع في لبنان، دعك عن الجانب المسيحي في الموضوع، الصراع اليوم في لبنان أخذ شكله الواضح الذي لا لبس فيه، شيعة ضد السنة أو العكس.

سألت مرة مسؤولا غربيا عن استراتيجية دولته تجاه العرب، فقال: «سندعهم يهزمون أنفسهم أولا ثم نتدخل في ما بعد»، وأضاف: «سندع الإيرانيين يلينونهم أولا soften them up». العرب اليوم بين مطرقة إيران وسندان الأميركيين... ولكن على الأقل في ما يخص السندان الأميركي، فإن العرب واعون له، ويتكلمون بوضوح وإسهاب، قد يصل أحيانا حد المبالغة، عن خطورة المشروع الأميركي في المنطقة. أما المطرقة الإيرانية فكثير منا مازال يصر على أنها لن تهوي على رؤوسنا، وأنها صنعت لتهوي على رؤوس «الكفار» فقط، فإيران نجحت فعلا في كسب قلب العالم العربي تحت غطاء مقاومة إسرائيل و«الشيطان» الأميركي... ولكن مرة أخرى سأسأل: أين الدم الإيراني الذي سال في المعركة مع الأميركيين أو الإسرائيليين؟ كم من الإيرانيين قتلوا بسلاحهم؟ ما الثمن الذي دفعته أو تدفعه إيران في حربها معهم؟ كل ما تقوله الحقائق عن سلوك إيران الثورية وغير الثورية هو أن إيران دولة براغماتية تحاور وتلف وتدور حول الولايات المتحدة، بل تعقد الصفقات السرية، إذا ما اقتضت الضرورة الإيرانية، مع إسرائيل.

يجب فك الالتباس في الذهنية العربية من موقفها تجاه إيران، فحديث العرب عن إيران، يختلف كثيرا عن حديثهم عن الأميركيين... حديث فيه تردد وتشويش كبير، لكون إيران تشاركنا الدين نفسه، لكن ما تقوم به إيران اليوم يحتاج إلى وعي عال على مستوى الأفراد والحكومات، فإن لم يتخذ العرب موقفا واضحا من إيران في هذه الأوقات الصعبة التي تشهدها المنطقة، كما هو موقفهم الواضح من الأميركان، سيصبح ما يعرف بالعالم العربي اليوم مجرد مناطق نفوذ تتنازعها أميركا وإيران.(الجريدة)

* رئيس برنامج الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية-



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد