الأمر كله متعلق بالنفوذ

mainThumb

03-06-2008 12:00 AM

يبدو أن باراك أوباما يصّعب الأمور على نفسه بحديثه عن الشروط التي يجب توافرها لإجراء مباحثات غير مشروطة مع أعداء أميركا مثل إيران.
وقد كان إيضاحه الأخير حول أن هناك فارقا بين «الإعدادات» و«الشروط المسبقة» لإجراء المباحثات مع الأعداء. لكن مثل هذا اللعب الدقيق بالكلمات لا يوحي بالثقة، كما أنه يعطي الفرصة لمنتقديه لينالوا منه. فالمجال الأخير الذي يحتاج أوباما إلى أن يظهر بمظهر غير الواثق فيه هو مجال الأمن القومي.

والحقيقة أن أوباما كان محقاً عندما تحدث عن عزمه إجراء مباحثات مع أي عدو من أعداء أميركا إذا كان ذلك في صالح الوطن. فإدارة بوش أجرت مباحثات مع ليبيا للتخلي عن برنامجها النووي، بل إن المباحثات استمرت بعد أن قبلت ليبيا مسؤولية تفجير الطائرة الأميركية. ونجحت تلك المباحثات على الرغم من أن السبب في ذلك لا يرجع إلى «إعداد» أميركا الجيد، ولكن لأنه في الفترة القصيرة التي تلت غزو العراق، كان بوش يتمتع بالنفوذ. فلم يكن العراق قد انهار بعد. وأرى أنه من الأفضل لأوباما أن ينأى بنفسه عن تحويل دفة حديثه من القائمة التي تضم أسماء القادة أعداء أميركا إلى الحديث عن قائمة الأشياء التي يمكنه فعلها كرئيس لزيادة نفوذ أميركا، بحيث لا يهم مع من نجري المحادثات طالما أن النفوذ سوف يكون على الجانب الذي نجلس عليه أمام طاولة المفاوضات. فهذا هو ما يهم. وكان بوش على صواب أيضا: فالحديث مع إيران اليوم سوف يعتبر استرضاء لها ـ لكن ذلك يرجع إلى أن فريق بوش شتت قوة أميركا وأضاع مصداقيتها في الشرق الأوسط، كما فشل في تطبيق أي سياسة طاقة فعالة، حتى إن أيّ?Z محادثات مع إيران يمكن أن تنتهي للا شيء. فليس لدينا النفوذ ـ وليس لدينا الحلفاء، وليس لدينا الطاقة البديلة، وليست لدينا وحدة الرأي العام، وليست لدينا مصداقية التهديد باستخدام القوة ـ من أجل تحقيق مصالحنا بطريقة دبلوماسية في الوقت الحالي. وكما أوضحت من قبل: فعندما يكون لديك النفوذ، يمكن أن تجري المباحثات. وعندما لا يكون لديك النفوذ، فعليك الحصول على بعض منه. ثم قم بإجراء المباحثات. وفي الوقت الحالي، تتمتع إيران وأصدقاؤها ـ حزب الله وحماس وسورية ـ باستراتيجية وفرت لهم النفوذ. وسوف يكون لزاما على الرئيس المقبل للولايات المتحدة البحث في كيفية مجابهة هذا النفوذ. واستراتيجية «إيران وأصدقائها» مبنية على مبادئ خمسة:

المبدأ الأول: البحث دائما عن «السيطرة دون مسؤولية»، ففي لبنان وغزة والعراق، نجد أن إيران وأصدقاءها يتمتعون بالقوة بقدر يزيد على التأييد الشعبي، دون أن يظهر أنهم مسؤولون عن ذلك. لكن حلفاء أميركا يبدو أنهم «مسؤولون دون سيطرة».

المبدأ الثاني: الإصرار دائما على المزج بين العمل السياسي وحمل السلاح. ففي لبنان وغزة والعراق، نجد أن معارضي أميركا يدخلون الحكومة، ولديهم الميليشيات الخاصة بهم.

المبدأ الثالث: استخدام التفجيرات الانتحارية وتنفيذ عمليات الاغتيالات لأي معارض يقف في طريقهم. ففي لبنان، نجد سورية متهمة بالوقوف خلف قتل العديد من الصحافيين والبرلمانيين المعارضين لها.

المبدأ الرابع: استخدام الإنترنت كنظام سيطرة وتحكم مجاني لجمع المال وتجنيد العناصر وتنفيذ العمليات.

المبدأ الخامس: الدعاية وتسويق القوة من خلال «مقاومة» إسرائيل وأميركا، حتى تكون المعارضة لهم معادلة لدعم إسرائيل وأميركا، ولا يهم بعد ذلك مقدار ما خسرته، إذ أن «المقاومة» تعني أنك لم تخسر في حقيقة الأمر.

فهل لدى العرب المعتدلين وحلفاء أميركا استراتيجية مقابلة للنفوذ؟ لقد حصلت على كتاب جديد باسم «مركز العرب» كتبه مروان المعشر وهو وزير الخارجية الأردني السابق. والمسؤولون العرب المتقاعدون لا يكتبون عادة عن فترة توليهم عملهم، لكن المعشر فعل ذلك، وحجته واضحة في هذا الكتاب: إن العرب المعتدلين يقفون موقف الدفاع، لأن اعتدالهم يأخذ شكلا واحدا، وهو الوصول إلى السلام مع إسرائيل، مع تجاهل المشكلات المهمة الأخرى التي يعاني منها المواطن العربي: الحكومة الجيدة، الإصلاح السياسي، التنمية الاقتصادية، حقوق النساء، والتنوع الديني والثقافي.

ويقول المعشر: «لكي يحظى العرب المعتدلون بالمصداقية، فعليهم تحمل المزيد من المسؤولية». ويمكن لأميركا تقديم المساعدة عن طريق تقديم حل للمشكلات الكبرى مثل توقيع اتفاقية سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. ولكن في نهاية الأمر، إذا كان المركز العربي سيشكل المستقبل «ويخلص نفسه من الصورة التي يرسمها له معارضوه وهي صورة العميل للغرب أو صورة المتنازل عن الحقوق العربي»، فإنه سوف ينجح في تحدي بناء «مجتمع عربي متقدم ومتعدد الثقافات ويتسم بتقبل الآخر والديمقراطية والازدهار الاقتصادي». وهناك بعض التقدم في مكافحة المتشددين في العراق ولبنان والضفة الغربية. ولا شك أن الأمر يستحق الإشادة، لكن الوضع ما زال هشاً. فنفوذ أميركا سوف يظل محدودا طالما أن حلفاءنا ليست لديهم استراتيجية تجابه بها المتشددين. وهناك أمل في أنه بمجرد انتهاء هذا الموسم السخيف للانتخابات التمهيدية، فإن معسكري ماكين وأوباما سوف يتوقفان عن الحديث عما إذا كانا سيجريان مباحثات مع الأعداء ـ وهو ما يجب علينا فعله ـ وسوف يركزان على كيفية تحقيق أصدقائنا للاستراتيجية التي نفتقدها.

*نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد