ماكين .. والتحرُّش بالدُّب!

mainThumb

11-07-2008 12:00 AM

أثارت قمة مجموعة الدول الثماني الكبرى التي عقدت خلال هذا الأسبوع في اليابان العديد من التساؤلات المهمة حول مقاربة السيناتور "جون ماكين" لفن الدبلوماسية، والطريقة التي قد ينتهجها مستقبلاً، إذا ما أصبح رئيساً، في التعامل مع بعض القضايا الحساسة، لاسيما علاقة الولايات المتحدة مع الدب الروسي.
فقد كان لافتاً اقتراح المرشح الجمهوري "ماكين" طرد روسيا من مجموعة الدول الثماني بسبب تراجع موسكو عن الديمقراطية في الأعوام الأخيرة، وتخلِّيها عن بعض المكتسبات التي تحققت خلال السنوات الأولى من عقد التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق. وعلى رغم أن هذا الاقتراح قد يكون مفهوماً من مرشح يسعى قدر جهده للنأي بنفسه عن السياسات غير الشعبية لسلفه، إلا أنه ابتعد كثيراً عن الصواب وجافى المنطق، ذلك أنه لا يمكن أبداً اعتبار المقترح فكرة جيدة قابلة للتبني كجزء من السياسة الخارجية الأميركية. والمشكلة مع "ماكين" ليست في تحليله للوضع الروسي، ولا في تشخيصه لمصاعب الديمقراطية هناك، بل في الحل الذي يقترحه للتعامل معها.

لا شك أن موسكو انحرفت بشكل واضح عن مبادئ الديمقراطية التي كانت وراء انضمامها أصلاً إلى مجموعة الدول السبع خلال تسعينيات القرن الماضي، والتي صارت فيما بعد ثماني دول صناعية. فقد تركزت السلطة في روسيا بين يدي قيادة الرئيس الروسي السابق ورئيس الوزراء الحالي "فلاديمير بوتين"، على حساب البرلمان والحكومات المحلية والمحاكم ووسائل الإعلام، وحتى المجتمع المدني. ومع أن روسيا خاضت غمار الديمقراطية بآلامها وتعثراتها العديدة، إلا أن الأهداف النهائية والغايات الأساسية من العملية الديمقراطية ضلّت طريقها، ولم تحقق النتائج المرجوّة. والسؤال الذي يُطرح الآن هو: كيف يمكن للولايات المتحدة، والغرب عموماً، التعامل مع روسيا والرد على تراجعاتها؟ وفي هذا السياق يبرز اقتراح المرشح "ماكين" الداعي إلى صدِّ روسيا، وإغلاق أبواب منتدى الدول الديمقراطية الثريّة دونها، لكنه لا يخبرنا ما الذي ستحققه هذه السياسة عدا إضفاء طابع المأساوية على خيبة أملنا في الغرب تجاه السياسات الروسية الداخلية.

وفي جميع الأحوال يفتقد مقترح السيناتور "ماكين" إلى الواقعية، كما أنه ينذر بنتائج عكسية لا تخدم المصالح الأميركية، أو الغربية على المدى المنظور، لاسيما وأن الولايات المتحدة لا تملك أية سلطة فيما يتعلق بعضوية مجموعة الدول الثماني الكبرى. ومن غير المرجح أن تُقدم إيطاليا التي ستتولى رئاسة المجموعة في العام المقبل على إقصاء روسيا من المجموعة، كما لن تفكر في ذلك كندا التي ستتولى الرئاسة في العام التالي. ولو ضغطنا في اتجاه إخراج روسيا من مجموعة الدول الثماني كنوع من العقاب على نكوصها عن النهج الديمقراطي فإننا سنتسبب فقط في زرع بذور الانقسام والشقاق بين حلفائنا الديمقراطيين داخل المجموعة، كما سيثير ذلك العديد من الحساسيات على ضفتي الأطلسي بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة. ولعل الأهم من ذلك أن إقصاء روسيا، أو إحراجها على الساحة الدولية بإخراجها من مجموعة الدول الثماني لن يؤثرا عليها كثيراً، لأنها ستظل عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، ولا يمكن تغيير ذلك، كما أن عضوية موسكو في مجلس الأمن أكثر أهمية بكثير من عضويتها في مجموعة الدول الثماني الكبرى.

والحقيقة أن في انتظارنا جهداً كبيراً من العمل الدبلوماسي مع روسيا، حيث نقتسم الهواجس نفسها ضد الإرهاب، وتقتضي مصلحتنا المشتركة تكثيف الجهود لمحاربته سويّاً. ولا ننسى التعاون المشترك بين البلدين لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، وتأمين المواد النووية في العالم، وتقليص ترسانة الأسلحة النووية، فضلاً عن جلب الاستقرار إلى أفغانستان وآسيا الوسطى، وبلورة ترتيبات أمنية جديدة في شرق آسيا، وإنعاش آفاق السلام في الشرق الأوسط. ولابد أيضاً من إدماج روسيا وإشراكها في أي نقاش عالمي يسعى إلى معالجة قضايا الطاقة والبيئة. ولن يكون أمام الرئيس الأميركي المقبل سوى ترسيخ علاقات التعاون مع روسيا في الوقت الذي يسعى فيه إلى تدبير استجابات فعالة للخلافات المحتمل بروزها. ولاشك أن فرص النجاح في العمل المشترك ستتضاعف، لاسيما في القضايا الجوهرية التي تهم الطرفين مثل توسيع حلف شمال الأطلسي، لكن العلاقات ستتدهور في حال التركيز على مواضيع ذات قيمة رمزية، أو بروتوكولية مثل انضمام روسيا إلى مجموعة الدول الثماني الكبرى.

وبالطبع لا نستطيع توقع مساعدة روسيا في القضايا ذات الاهتمام المشترك، ونحن نسعى إلى عزلها وإخراجها من مجموعة دول الثماني، كما لن يكون في مصلحة أميركا لو اتجهت روسيا، بسبب ضغوطنا، إلى إقامة تحالف مع الصين وإيران. وكما أثبت مؤخراً الاختراق الذي تحقق على مسار كوريا الشمالية، التي وافقت أخيراً على تفكيك برنامجها النووي والاستفادة من الحوافز الأميركية والغربية، تستدعي الدبلوماسية الفعالة الجلوس إلى الطاولة الحوار حتى مع الحكومات ذات الميول العدائية. وقد رأينا أيضاً كيف تفاوض الرؤساء الأميركيون من كلا الحزبين، في عنفوان الحرب الباردة، مع الاتحاد السوفييتي السابق، فما بالنا اليوم بروسيا بعدما تراجع تأثيرها المدمر على العالم قياساً إلى الفترة السوفييتية. ومع أن مسيرة الديمقراطية في روسيا تتعرض لبعض العراقيل، إلا أنها لم تتوقف نهائياً، ومن الصعب توقع أي تطور في تلك المسيرة إذا مُنعت الحكومة الروسية من الاحتكاك بالدول الديمقراطية الرائدة في العالم، وأبعدت عن أحد أهم المنابر في العالم المتمثل في مجموعة الدول الثماني الكبرى.

ولئن كان "ماكين" مُحقّاً في إبداء انزعاجه إزاء القيادة الروسية في هذه المرحلة، إلا أنه مخطئ تماماً باقتراحه إخراج موسكو من مجموعة الدول الثماني الكبرى. فنحن اليوم في حاجة أكثر إلى المزيد من العمل الدبلوماسي مع روسيا، وإلى التحلي بالمزيد من الصبر لتطوير علاقات بنّ?Zاءة ودائمة مع الشعب الروسي، بدل الاستسلام لردود أفعال متسرعة على الواقع الديمقراطي الحالي في روسيا، قد ينظر إليها الروس على أنها إهانة لبلدهم الكبير.

*نقلاً عن صحيفة "الاتحاد" الإماراتية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد