عيد الاستقلال .. مراجعة المنجزات وتطلّع للأفضل / بقلم : د. نصير شاهر الحمود

mainThumb

23-05-2009 12:00 AM

تحتفل المملكة اليوم بالذكرى الثانية والستين للاستقلال، وهي الذكرى التي رسّخت لقيام دولة باتت نموذجاً اقتصاديّاً وسياسيّاً وثقافياً عصرياً يشار إليه بالبنان، من دون أن ينفك عن جذور أمته العربية وثقافته الإسلامية.

في مثل هذا اليوم من عام 1946، دخلت المملكة الأردنيّة الهاشميّة عهداً جديداً يقوم على البناء والتطور ومحاكاة الحاضر، مُراهنة على منجزات سواعد أبنائها المنتمين والمنتجين والمثابرين، والذين كانوا عند حسن ظن قيادتهم في الولاء والعطاء، لتُضحي عمّان اليوم مركزا طبيّا ومنتدى ثقافياً ونموذجاً عمرانياً ومقصداً سياحياً.

وعلى الرغم من قِصر أمد العقود الست التي تبعت إعلان الاستقلال، إلا أنها كانت حافلة بالمنجزات والعطاء، كان الأردن فيها وفيا لأشقائه مخلصا لقضاياهم، كما بقي دوما عند حسن ظنهم، يساندهم ويحتضنهم في الضراء، ويشاركهم في بناء المنجزات، فظل الأردني عزيزاً كريماً حيثما حل وارتحل، ممتطياً صهوة العز والفخار، متشبثا بقيمه الرفيعة، ومفتخرا بقيادة منحته الثقة والتوجيه الكافيين لحفظ تميزه بعلمه وبراعته وثقافته ودرايته.

لا يبدو غريباً أن تُمثّل هذه المناسبة تحوّلاً في تاريخ أمة، حوّلت مُقدّرات قليلة مُتاحة لمنجزات حضريّة وعلميّة، إذ تمحورت عناوين تلك السنوات حول بناء الإنسان وقدراته، فهو من يمتلك ناصية تحقيق التنمية، وتحدي نقص الموارد الطبيعيّة.

بدأت ترجمة ذلك، عبر ترسيخ أسس تسبق بناء ثقافة الإنتاجيّة والفاعليّة والإنجاز، خ?Zطها فكر هاشميين يُعلون شأن الإنسان وقدره، فهو مصدر النجاح والابتكار، فقد علّمتهم تجارب التاريخ، حين أضاعت كثير من الأمم منجزاتها المادية من جراء ضعف اهتمامها ببناء قدرات أبنائها، فيما أفلحت أخرى في مواجهة تحدي نقص تلك الإمكانيات، مفضلة المراهنة على سواعد أبنائها لبناء قاعدة علميّة وصناعيّة إنتاجيّة متميزة، حتى كان لها ما أرادت.

رحم الله الحسين الباني وطيب ثراه، فقد كان ثاقب الرؤيا، عالماً بمصادر قوة أبنائه، درسها، وظّفها، مراهناً على أن الإنسان هو رأس المال الحقيقي، مُدركا أهمية التعليم، وإشاعة ثقافته في مدن المملكة وبواديها، أصبح الأردن غنيّاً بعقول شابة فتيّة، تتطلّع بإخلاص لرد الدين لقيادة طالما كانت صاحبة الفضل فيما وصلت إليه كأحد أكثر البلدان في العالم من حيث نسب التعليم العالي.

قبل أن يفتتح سيدي الحسين بن طلال الجامعة الأردنية مطلع الستينات، كانت الأقليّة النخبويّة تهجُر عمّان والزرقاء وإربد والكرك، بحثاً عن مكان أو مقعد في إحدى جامعات الأشقاء والأصدقاء، لكنهم لم يتوقعوا أن سنوات تالية ستكون حُبلى بالتطورات، فقد أمست أرياف المملكة وبواديها تعج بأكاديميين ومثقفين، كما بات الأشقاء والأصدقاء يبادرون للبحث عن مقعد في جامعات تمتد ظلالها من شمال المملكة لأقصى جنوبها، منبهرين بنموذج عربي ناجح، حثّ الخطى ليتخلص من أعباء ضعف إمكانياته الماليّة، ليُضحي غنياًّ بمعرفته وقدرته.

تسلم فارس جديد من فرسان بني هاشم زمام قيادة المملكة، شاب متحمس لأخوته، واثق بقدراتهم، عاصر انطلاقة نهضتهم، عالماً بمكامن قوتهم، سخّرها وأحسن توظيفها بما يتفق مع متغيرات يشهدها عالم حديث شائك التعقيدات.

منذ تولي سيديّ الملك عبد الله الثاني زمام سلطاته، كابراً عن كابر، حمل آمالا عريضة ومبادرات عديدة، مميزاً في فكره الاقتصادي، متقدماً في طرحه السياسي، صاحب قدرة طرح أخّاذة تسلب الألباب والقلوب، التقط الكثير من خطاباته إشارات توجيه لبذل المزيد من العطاء والانجاز، فظهر جيلا جديدا مبدعاً قادراً على فهم تطورات تكنولوجية وفنية متقدمة.

استضافة المنتدى الاقتصادي العالمي، مبادرة "ريتش"، كمبيوتر لكل طالب جامعي، الإنترنت في جميع مدارس المدن والأرياف، سكن كريم، المدن الاقتصادية، مدينة العقبة الخاصة، وضع البتراء على خارطة عجائب الدنيا السبع، مجموعة خطط لترجمتها جلالته، كان البعض يراها بعيدة، بيد أنه كان يرى تحقيق حلمه قريبة المنال، كان يأمل أن يكون الجميع على قدر طموحاته وآماله، فكانوا الغالبية عند حسن ظنه.

يريد أن يكون الأردنيون في الصف الأول دوما، كما جلالته دائما، فقد اختاره زعماء عرب لتمثيلهم في أول لقاء لقائد عربيّ مع الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، كما أنه تحدث بلسان الأشقاء أمام كونغرس تمثل موافقته على قرارات وقوانين أكبر مؤثر مجرى العلاقات الدولية وتفاعلاتها في سنوات السلم والحرب.

مضت عشر سنوات على تسلّم جلالته مقاليد الحكم، حفلت بمنجزات، غطّت بظلالها لتشمل الرياضة الأردنية، التي تُلخص جيل نشأ في عهده مليك يفهم قضاياهم، آمن بتوجيهات سيده، وهو ما أدى لبلوغ منتخب الشباب لكرة القدم نهائيات كأس العالم في كندا، كما حظيت فرق ببطولات آسيويّة وعربيّة في لعبتيّ كرة القدم والسلة، فضلا عن منجزات طبية وصحية وصناعية لا يتسع المقام لذكرها، دفعت بعض أشقائنا لإطلاق لقب "ألمانيا العرب" على الأردن، كناية عن النجاح الألماني المتحقق في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، والتي جعلت من برلين نموذجاً صناعياً فريداً.

لكن سيدنا لا زال يطلب منا الكثير، فهو يريد أن يكون الإنجاز على قدر تطلعاته وتوجيهاته، فالطريق طويلة وفيها بعض الورود وكثير من الأشواك، فقد كان كثيرون على قدر المسؤولية في فهم تصوراته وإرشاده، وهم من يستحقون الثناء والتقدير، أما المتخاذلين والمتاجرين بقضايا العامة فلا موقع لهم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد