تصالحات يوميّة!! .

mainThumb

15-09-2007 12:00 AM

لا ينشغلُ المواطن ُعندنا في همّ أو قلق أكثر من انشغاله في توضيب علاقاته مع أطراف يتعامل معها بشكل يوميّ, ويسعى إلى توقيع اتفاقات "هدنة" أو تصالحات معها .. هكذا نبدّد أوقاتنا في محاولات استمالة الآخر وربّما "تصبيره", خشية أن يودي بما تبقى لنا من مقدرة على "عيش وحسب".

انعدمت, أو تكاد, فرص وأوقات تخلو من القهر والارتباك, وغاب ما كنّا نملكه من مقدرة على ردع الفوضى والصخب الاجتماعيين, وبتنا, كما يبدو, مجرّد أدوات وماكينات لا وظيفة لها سوى التذمّر ومحاولات الاعتذار وإطلاق المواعيد عند هذا الموقع أو تلك الزاوية .. واختلف الأمر إلى أن صرنا نسابق العجلات ونذرع الشوارع بحثاً عن "لقمة" صالحة ليوم واحد, أو غدونا " مبدعي حوار اجتماعي " من نوع آخر، بتنا نتفنن في صنع المبرّرات وتسويقها, بفعل ما صنعته ظروف أو بفعل ما أوجبته " معادلات الترف وربما التغوّل الاجتماعيين".

لسنا نهرب إلى "كلام فاقع" أو نطحن في هواء .. فالمرأة تسعى إلى "تصالح" مع زوجها وأبنائها حين يشحّ " قوت يوميّ", بعدما يكون الاتهام بالتبذير قد طالها, وهنا ربما تفوز الأمّ بهدنة, لكنّ ذلك لن يتأتى من دون " حفلة صراخ " 00 والرجل (ربّ الأسرة وغيره) ينتقل من هذا المحلّ التجاري إلى آخر, سعياً إلى " هدنة مؤقتة", ريثما تنفرج الأزمة وتنعدل الحال, يفوز بتصالح مع البقال من دون استدانة جديدة, وتنهار محادثات الصلح مع بائع الخضار فيعلو صراخهما المتبادل ويحتكمون إلى المارّة (عابري الطريق), فينال الرجل توبيخاً, لكن النتيجة قد تفضي إلى " همس " وترطيب أجواء, فيكتفي التاجر بمنع الرجل (رب الأسرة) من المرور من أمام محلّه طالما هو لم يسدد ما عليه, غالباً ما تنتهي قصة مثل تلك بمنع " تجوال " وفرض عقوبة مشابهة على أشخاص أرهقتهم حياة يصنعها آخرون .. فيعودون إلى بيوتهم, جدرانهم الإسمنتية ، قليلي الحيلة لا يلوون على "خبز أو قوت أو خضار من الصنف العاشر". • تتعدّد أشكال التصالحات اليومية والهدنات المؤقتة, في الشوارع والمدارس والدوائر الرسمية والمصانع والشركات, والمشكلة أنّ أحدا منّا لم يصل بعد إلى وسيلة تقربه من ذاته, فنظلّ هكذا على افتراق مع أنفسنا, نحاول أن نصنع مواءمة وشروطاً للتصالح مع قيود واشتراطات صنعها آخرون, لكننا لا نجد إلى التصالح مع ذواتنا سبيلاً. • لن نتحدّث عن الحكومات, فبرغم سعي الناس إلى التصالح معها وبرغم فرق الإمكانات بيننا وبينها, نحن المواطنين ،والتي تميل دائماً لجهتها, إلا أنها تضرب برغباتنا عرض الحائط .. فالحكومات لا تنزل إلى الأسواق لشراء الخبز والسكر والخضار واللحوم, وبذلك لن تقترب من محاولات سعينا للتصالح معها, فالحكومة ، أيّ حكومة ، لاعب وحيد في معادلة الشرط الحياتي المرتبط بيوميات الناس, واللاعب الوحيد, وكما نعلم, لا يفاوض, فهو غالباً ما يفوز بغياب الخصم وبالضربة القاضية. * يسعى الناس إلى حياة, ولتكن بتفاهمات وهدنات مؤقتة, لكنهم يريدونها خالية من الضربات القاضية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد