الحكومة في الأسواق

mainThumb

23-09-2007 12:00 AM

الانتفاضة التي تعيشها الحكومة والأوساط الرسمية، بكل مستوياتها، في محاولة حماية المواطن من الاستغلال وارتفاع الأسعار والصور التي يشاهدها الأردنيون لاجتماعات رفيعة جدا تناقش ارتفاعات الاسعار، وصور رئيس الوزراء وهو يتفقد الاسواق الشعبية وبسطات البندورة والزهرة والبطاطا، هذه الانتفاضة لها وجهان؛ الاول ايجابي وهو الحرص على المواطن والسعي لتخفيف معاناته، والآخر يستحق التوقف وهو ان دوائر صنع القرار في الدولة تدفع ثمنا من جهدها وانشغالها ليس لتقلبات سوق الخضار او اسعار الحليب عالميا، بل لسياسة اقتصادية غابت عنها الابعاد الاجتماعية.

عندما تفرض البطاطا وعلبة اللبن و"ضمة الفجل" نفسها على طاولة اجتماعات رفيعة، فهذا يعني ان الامر ليس مرتبطا بسوق خضار، بل بمعادلة سياسية اجتماعية، وانتشار الحكومة في السوق اعتراف بأن امراً يمكن ان تصنعه لحماية الناس، ليس من جشع تاجر، بل من سياسة جعلت الجشع امرا محميا بالقانون واستحقاق لمسار اقتصادي تبنته الدولة.

لهذا فبعد ان تنتهي الحكومة، وكل دوائر صنع القرار من التجول في الاسواق، فالأولوية لمراجعة بعض السياسات الاقتصادية، ولا ندري كم هي قدرة الحكومة وجرأتها، بل جرأة الدولة على ان تعود بشكل فاعل للتدخل وأداء دور اكبر في بعض المجالات الحيوية التي انسحبت منها، وكأننا دولة مثل الولايات المتحدة او فرنسا لديها سياسة الاقتصاد الحر وقطاع خاص قوي وقائمة رواتب مرتبطة بنسب التضخم, وارتفاعات مستوى المعيشة السياسية الاقتصادية التي تتبناها الدولة، افقدتها دورا وصلاحيات وحضوراً.

لهذا فإن انتشار الحكومة في الأسواق هو محاولة للبحث عن بديل للدور المفقود، والمشهد الذي شاهده الناس على التلفزيون للرئيس مع احد باعة الخضار -الذي لم يكتب سعرا على ما يبيع- وأمر الرئيس بأخذ هوية البائع لمعاقبته، هذا المشهد هو اختصار لواقع سلطات الحكومات، ولعل على الحكومة ان تعيد لهذا البائع بطاقته الشخصية، وتبحث عمن يستحق العقاب، وهي السياسة التي جعلت سلطة الحكومة فقط هي السؤال عن لوحة السعر وليس عن مضمونه.

تركيبة الدولة والمجتمع تجعل المواطن بحاجة دائمة الى حماية الدولة، وما فعلته الحكومات انها حاولت تعويض الآثار السلبية للسياسة الاقتصادية بالاكثار من اشكال العمل الخيري الحكومية، لهذا تزايدت موازنة صندوق المعونة، وأصبحت المساعدات جزءاً من الفعل السياسي وبندا على جدول اعمال اصحاب القرار في تواصلهم مع الناس، وتم إنفاق مئات الملايين خلال الأعوام السابقة، لكنه إنفاق لم يصنع حالة اقتصادية، بل كرّس ثقافة سلبية، وأظهر فئات من المجتمع وكأنها تستجدي، مع ان حقها على الدولة تنمية وحماية وليس (بقج) غذائية.

حتى ان السلوك العام للعديد من المؤسسات الاعلامية الخاصة والحكومية تقدم الكثير من عملها الرمضاني على قاعدة المساعدات وجمع التبرعات وصور او اصوات اشخاص يشكون الفقر والحاجة وعدم توفر الخبز حتى دون ان تخضع هذه الحكايات لكثير من التمحيص.

الرئيس يبدي حرصا جادا وصادقا على مساعدة الناس وتخفيف الاسعار، لكن ضمن الصلاحيات التي بقيت في ايدي الحكومة، ومهما كان احساس الرئيس بالمواطنين قويا فإن العبرة بالادوات والسلطات، فالحكومات لا تناشد التجار تخفيض الاسعار، ولا يقبل ان تكون الحكومات تعمل تحت عنوان "العين بصيرة واليد قصيرة"، بل وفق العين البصيرة واليد الطويلة.

ما نتمناه، كمواطنين، ان تفكر الحكومات ودوائر صنع القرار بمراجعة لبعض مفاصل الادارة والاقتصاد التي تستعيد من خلالها الدولة سلطتها وهيبتها الادارية التي تستطيع من خلالها حماية الناس، فقد اثبتت السنوات الطويلة ان محاولة حماية المواطن المتضرر من السياسات الاقتصادية عبر الصدقات والمساعدات وتكريس ثقافة مد اليد، اثبتت السنوات انها محاولة غير ناجحة، بل وساهمت في تشويه جزء من بنية المجتمع. لا نتحدث عن عودة الحكومة لاستيراد الرز والسكر والحليب، بل عن نهج استراتيجي.

سنبقى نطالب بتعزيز خيار مغادرة خندق ومعسكر السياسات الاقتصادية واتباعها ممن يعتقدون ان المواطن هو الخيار الاول والاخير في تحمل كل شيء.

sameeh.almaitah@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد