تحسس أردني من نشاط تركي في القدس الشرقية

mainThumb

03-09-2022 10:40 PM

السوسنةـ كان من المقرّر أن يؤدّي الرئيس التركي، أردوغان، زيارة رسمية، يوم 10 إبريل/ نيسان الماضي، إلى عمّان، تلبية لدعوة الملك عبد الله الثاني. وقد نشرت مواقع إخبارية رسمية تركية نبأ الزيارة قبل موعدها المقرّر بصورة موسعة، غير أن العاهل الأردني غادر في ذلك التاريخ عاصمة بلاده إلى ألمانيا لمتابعة العلاج من آلام في الظهر، وبهذا لم تتم زيارة أردوغان. ومنذ ذلك التاريخ قبل أقل من خمسة أشهر، توقّفت الزيارات الوزارية المتبادلة بين الجانبين، وبدا أن جموداً قد اعترى فجأة علاقات عمّان وأنقرة السياسية والدبلوماسية، غير أن العلاقات الاقتصادية ظلّت على درجةٍ ملحوظةٍ من النشاط، وتضاعف عدد السياح الأردنيين بمرّات نحو تركيا، مع بقاء أعداد السياح الأتراك إلى الأردن متواضعة. وقد لوحظ أن وزارة الطاقة الأردنية وقّعت، في إبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران الماضيين، اتفاقاً مع شركة فولسيفت التركية للتنقيب عن النحاس والذهب في جنوبي البلاد، فيما بقيت الاستثمارات التركية على مستوى مقبول، وأبرزها في مدينة العقبة. وهكذا، ظلّ كل شيء يبدو طبيعياً، باستثناء الجمود الذي أصاب العلاقات على المستوى السياسي. وهو أمرٌ يثير الفضول، إذ يلتزم الأردن بسياسة الانفتاح في جميع الاتجاهات، ويتجنّب قدر الإمكان الانخراط في محاور إقليمية، ويحرص على حرية الحركة، حتى إن الأردن أبدى مؤشّرات إيجابية تجاه إيران في غمرة الحديث عن مشروع ناتو شرق أوسطي، برغم أن إيران تحشد مليشيات موالية على الجانب السوري من الحدود الأردنية. ويحافظ الأردن على وتيرة تواصله مع الجانب الإسرائيلي، وعلى مستوى رفيع، سعياً إلى وقف التعدّيات الإسرائيلية المنهجية على المسجد الأقصى، رغم تشغيل مطار تمناع (رامون) منذ عام 2019 الذي يستهدف دفع أبناء الضفة الغربية للسفر من خلاله بديلاً عن التوجّه إلى الأردن عبر جسر الملك حسين ثم مطار الملكة علياء الدولي. وقد أعلن الأردن، أخيراً، اعتراضه الرسمي والثابت على إنشاء المطار الإسرائيلي، وذلك على لسان وزير النقل وجيه العزايزة. وفي وقتٍ ما انفكّ فيه الأردن يشدّد على حلّ الدولتين، وعلى الحق في إقامة دولة فلسطينية مستقلّة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 أساساً لحل الصراع وإحلال السلام.

وبخصوص تركيا، يجيء هذا الجمود الطارئ في علاقاتها بعمّان في مرحلة انفتاح تركي ملحوظ ومتزايد على دول المنطقة من مصر والإمارات إلى السعودية، وحتى مع الدولة العبرية، ثم مع حكومة دمشق، وذلك في إطار العودة إلى سياسة تصفير المشكلات مع دول الإقليم وتعظيم المنافع المتبادلة. وفي وقت أعلنت أنقرة تمسّكها بالخطوط العامة لسياستها في دعم الحقوق الفلسطينية وإنجاز تسوية داخلية تلبّي تطلعات الشعب السوري، ما يجعل من جمود علاقاتها مع عمّان، وبخاصة في هذه المرحلة، مثيراً للاستغراب، ويتعاكس مع ما اتّسمت به هذه العلاقة في العقد الأخير من دفء ومن تواصل دوري بين الجانبين على أرفع المستويات، فضلاً عن أن هذا الجمود في العلاقات بين دولتين مهمتين في الإقليم يثير الانطباع بأن ثمّة حلقة مفقودة في الحركة السياسية النشطة لكل من الأردن وتركيا.
وفي تفسير ما جرى، يدور همس بأن الأردن يتحسّس من نشاط تركي في القدس الشرقية المحتلة، بما في ذلك تجاه دائرة الأوقاف، في وقت يعتبر الأردن أن الوصاية الهاشمية على المقدّسات الإسلامية والمسيحية من ثوابت سياسته وركائزها الأساسية، وذلك في مواجهة الأمر الواقع الاحتلالي لبيت المقدس، وأن أنقرة، رغم مواقف إيجابية تجاه هذه الوصاية، إلا أنها لا تقرّها بالوضوح الكافي والمطلوب، وأن هذا التحسّس الأردني قد يكون سبباً رئيساً في ما اعترى علاقات البلدين من جمود طارئ في الأشهر الأخيرة. وهي مسألةٌ تستحق أن تجرى بشأنها مباحثات صريحة بين الجانبين، وذلك لكون الأردن الطرف الذي تولّى الإشراف على المقدّسات حتى وقوع الاحتلال الإسرائيلي، علاوة على الصلات التاريخية الهاشمية بالقدس. ولعل بلورة الموقف إزاء هذه المسألة إذا صحّت التقديرات أنها وراء الجمود في العلاقات تسهم في تنشيط العلاقات مجدّداً، وتقدّم، في الوقت ذاته، عوناً فعلياً وموصولاً ومتعدّد الأوجه للقدس وأبنائها، في معركتهم الشرسة وغير المتكافئة ضد حملات التهويد القسري للمدينة ومعالمها وهويتها. ويسهم كذلك في تنسيق الحركة الدبلوماسية لدول المنطقة أمام ارتدادات الحرب الروسية على أوكرانيا، والتعامل مع مستجدّات الاتفاق النووي الإيراني - الغربي وتداعياته حاضراً ومستقبلاً، ومع الوضع المتأزّم في سورية والعراق، ومع الهدنة الهشّة في حرب اليمن، ومع محاذير الوضع في ليبيا ولبنان، إضافة إلى الأوضاع في البلقان.
لأشهر قليلة خلت، كانت العلاقات الأردنية - التركية تنبض بالحيوية، وتبشّر بمزيد من أوجه التعاون، فقد حقّق البلدان نقلة في مجال التعاون الدفاعي بينهما، وذلك بعد توقيع شركة "صناعة الآلات والكيماويات" التركية، و"المركز الأردني للتصميم والتطوير"، في 5 يوليو/ تموز 2021، على اتفاقية مشتركة في مجال الصناعات الدفاعية، وفي مجال تصنيع الأعيرة النارية تحديداً، وقضت الاتفاقية بالتزام الشركة التركية بتوفير كل الإمكانات اللوجستية المتعلّقة بعملية الإنتاج،، وتبادل التكنولوجيا، والتدريب الفني، والمساعدة الفنية. ويسعى الأردن، رغم شحّ وارداته المالية، إلى تنويع مصادر تسليح قواته المسلحة، جنباً إلى جنب مع تطوير القدرات الذاتية في بعض مجالات التصنيع. ومن الطبيعي أن يلتمس أوجه التعاون الممكنة مع دول شقيقة وصديقة، ومنها تركيا التي سبق أن شاركت في مناورات عسكرية أجراها الأردن في السنوات الأخيرة.

وتعتبر علاقات الأردن بتركيا من أولى العلاقات الدبلوماسية لهذا البلد وأقدمها، فقد أدّى الملك عبد الله الأول المؤسّس زيارة إلى أنقرة في عام 1937، واستقبله خلالها الرئيس التركي مصطفى أتاتورك في القصر الرئاسي، وجرى افتتاح سفارة تركيا في عمّان في عام 1947 بعد عام على استقلال المملكة. ولم تشهد علاقات البلدين هزّات أو انتكاسات تُذكر أزيد من سبعة عقود، رغم اضطراب الأحوال في الإقليم وفي العالم (نشوب حربين عالميتين)، ورغم التحدّيات الداخلية والخارجية التي شهدها كل من البلدين، ما يجعل التساؤل عن موعد تجدّد العلاقات الثنائية واستعادة زخمها المعهود مشروعاً.
محمود الريماوي

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد