الـ«خرائط» وتاريخ الأخطاء

mainThumb
كاركاتير (متداول)

03-09-2024 10:32 PM


في «خطبةٍ» استبقت الضّغط الأميركيّ والمقترح الجديد، خرجَ رئيس وزراء الاحتلال ليشرحَ لحلفائه وأعدائِه وجمهوره تصوّره الجديد حولَ محور فيلادلفيا، «حجز العثرة» الجديد الذي اهتدى إليه ليهدم كلّ مساعي التفاوض، ويعيد الأمور إلى نقطة الصّفر، ليكسب مزيدًا من الوقت إلى ما لا نهاية.
وبعيدًا عن رسائله وعتاباته لحلفائه ومجانينه، وعن نوستالجيا رفضه انسحاب «شارون» من فيلادلفيا في عام 2005، وفي فقرة تحليل الخرائط، التي دائمًا ما تخلقُ الجدل، ظهرت الضفّة الغربيّة (دولة الفلسطينيين الموعودة) بنفس لون الأراضي التي احتلت عام 1948 وشكّلت ما يعرف الآن بـ«دولة إسرائيل». الأمر ليسَ جديدًا، وليست أول مرة تظهر فيها هذه الخريطة، وللحقِّ فإنّ لدولة الاحتلال عجيب القصص مع الخرائط، فمن خرائط «النيل إلى الفرات»، ومن خرائط «الإخلاء والمناطق الآمنة»، و«خارطة الطريق»، وخرائط «ما بعد الحرب» التي تفاوض فيها نتنياهو مع نفسه ووافق عليها هو والأميركيين، إلى أخطاء الخرائط الدولية كـ«الخطأ» في خريطة المغرب المعلّقة في مكتبه، والذي تكرّر مرتين، إلى حديثٍ قديم قاله (سياسيّ فلسطينيّ) في لحظة صفاء واصفًا حال وفود التفاوض الفلسطينيّة وهي ذاهبة إلى مدريد وأوسلو وكامب ديفيد وأنابوليس، بالقول.. «لقد جاء الإسرائيليون بخرائط تفصيليّة لكلّ شيء، حتى لكلّ الينابيع في كامل الجغرافيا الفلسطينيّة، وكنّا نذهب بأيدينا فارغة».
قريبًا من الأخطاء وبعيدًا عن الخرائط، ثمّة (تاريخ) طويل لـ الأخطاء الإسرائيليّة؛ في الفيلم المصري «سيّد العاطفي، 2005»، تقول الفنانة المصريّة القديرة «عبلة كامل»، وهي تقود سيّارة الأجرة التي تعملُ عليها: "دَانا كنتِ نايمة وقالولي إصْحِي إنتِ بْقيتي مرات شَهيد، قلت لهم: اللهَ!، شهيد إزّاي؟ هوا إحنا مش بالسّلام... قالولي معلش أصْل إسرائيل غلطِتْ وامسَحيها فينا المَرّادِيْ... مسحتها...".
في الانتفاضة الثانية (2000-2005)، قال جيش الاحتلال الإسرائيليّ إنّ جنوده لا يتعمّدونَ قتل الفلسطينيين، وإنّ عمليات القتل تحدثُ خطأً، وأكّد أنّ جنوده يطلقونَ النّار على الأرجل فقط. إحدى الصّحفيات (وأظنّها بريطانيّة)، كانت تغطّي أحداث الانتفاضة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، بدأت مقالها الصّحفي قائلةً: "يبدو أنّ الفلسطينيين يسيرونَ على رؤوسهم"، في استهزاء بالتّصريح الإسرائيليّ الذي يقول إنّ جنوده يطلقونَ النّار على الأرجل، مقابل ما رأته من أنّ أغلب الشّهداء قتلوا برصاصةٍ في الرأس. ومنذُ أنْ مَسَحتْها «عبلة كامل»، ومنذُ أنْ لمْ يسِر الفلسطينيون على رؤوسهم، وقبلَ ذلك وبعده، والأخطاءُ الإسرائيليّة تتوالى، في اغتيال شرين أبو عاقلة، وفي قتل آلاف الفلسطينيين المدنيين، وفي قصف المستشفيات، وفي عرض «خرائط من النّيل إلى الفُرات»، وفي استحضار دمويّة «التّوراة» كنصٍّ مؤسّس لاستحلالِ دم «الأغيار»، وفي دخولِ «شمشون» الجديد معبَدَ غزّة، و(...)، وما بين الخرائط والأخطاء، يقعُ «حل الدّولتين»، الذي تحدّه «الحدود الهلاميّة» التوسعية، وتغلّفه قرارات «الأمم المتّحدة»، والمدفون من طرفٍ واحدٍ على الأقل.
وعودة لخطاب «نتنياهو» الإثنين، فإنّني أظنّ أنّها تتعقّد جدًا فرص إنهاء الحرب في غزّة، وتحتاجُ إلى أشياء أشبه بالمعجزات لإنجاز اتّفاق قريب، وإلّا فإنّ الحرب مستمرّة وتمتدُّ وتطول، وإنّ تأثير «الشارع» على القرارات السّياسيّة الإسرائيليّة محدود، هذا ما أثبتته التّجربة التاريخيّة (على قصرها). وإنّ تهويل إمكانيّة أنْ يؤدّي ضغط سكّان الاحتلال لإنجاز صفقةٍ ما هو إلّا إيهام غير منطقيّ، وإنّ تجاهل لغة الأرقام إيهام أكبر.. فعدد المتظاهرين خلال اليومين في أحسنِ إحصاء بلغ نحو 300 ألف شخص، أيْ 300 ألف من 10 ملايين!
الفلسطينيون لـ«المراهنة» بأوراقهم الأخيرة، ماذا يتوقّع العالم المتفرِّج ونحنُ نقترب من عامٍ كامل لإبادة الاحتلال (ومَن معه) لشعب محاصر أصبح 90 بالمئة منه نازحين في الخيام.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد