قناة فرعونية أدومية بين النيل والأحمر

mainThumb

26-03-2019 06:57 PM

الحلقة الحادية عشرة

وأصبحت الدلائل واضحة على صحة الرأي القائل بأن رمسيس الثاني هو فرعون التسخير ومرنبتاح هو فرعون الخروج ً، وان حدد بن بدد أدركهما كليهما وعاش بعدهما ملكا بسنوات طويلة. 

 اما وادي الطميلات فيرجع الى عصر الدولة الفرعونية الحديثة والعصر الفرعوني المتأخر واليوناني والروماني. وقد قامت هيئة الآثار المصرية بعمل حفائر علمية بتل حسن داوود ونتج عنها ظهور مقابر ترجع إلى عصر ما قبل وبداية عصر الأسرات أي قبل 5000 عام. حين كان وادي الطميلات المدخل الطبيعي لمصر، وبوابتها الشرقية (مع الأردن) التي شهدت دخول الهكسوس والفرس، ثم الغزو التركي، وسارت على أرضه من قبل خطى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من سيدنا إبراهيم، ومن بعده يوسف وإخوته وأبوهم يعقوب، كما وشهد الوادي خروج سيدنا موسى من مصر، ودخول الفاتح العربي عمرو بن العاص بشعاع الهدي ونور الحق. 

فقد عاشت بنو إسرائيل فى مصر فى وأدى الطميلات المعروف في ذلك الوقت بأرض جاسان وهو الوادي الزراعي الممتد من شرق الزقازيق إلى غرب سيناء وتوالد منهم نبي الله موسى عليه السلام من نسل لآوى أحد أخوة نبي الله يوسف " موسى بن عمرام بن قاهات بن لآوى بن يعقوب " وهو عبراني الأصل مصري الاسم "مو" وتعنى ماء "أوسى" وتعنى وليد فى صحة جيدة.

وفى عهد سنوسرت الثالث أحد فراعنة الاسرة الثانية عشر (1887 – 1849) ق. م تم شق قناة مائية تربط البحر المتوسط والبحر الأحمر، وهي قناة سيزوستريس، في عهد سنوسرت الثالث".  حيث تم حفرها في عام 1850 ق. م وحيث أنشأ سنوسرت الثالث أول قناة مائية تربط ما بين البحر الأحمر بعد البحيرة المرة من جهة والبحر المتوسط من جهة أخر، ولكن عن طريق النيل. وقد سميت هذه القناة قناة سيزوستريس وهي التسمية الإغريقية لسنوسرت الذي امر بها وبرسم خط مسارها وامتدادها، واسماها قناة (كبريت) أدى ذلك إلى ازدياد حركة التجارة مع مصر وبلاد ادوم وبلاد بونت وبين مصر وجزر البحر المتوسط (كريت وقبرص).) وذلك فى سنة 1887 ق. م.

وكانت السفن القادمة من البحر الابيض تسير فى الفرع البيلوزى وهو اول فرع من فروع النيل شرقا، وتم توسيع وتعميق وصيانة القناة زمن الملك حدد بن بدد وفرعون مصر في حينه، وبقيت الى زمن الفتح الإسلامي حيث تم توسيعها وفتح قناة اخرى زمن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقد كانت القناة الأخرى هي قناة وادي العربة أي قناة المك حدد بن بدد عبر وادي العربة، التي تربط بين خليج العقبة والبحر الميت. ومن الواضح ان الاهتمام بقناة سنوسرت المصرية من جهة وقناة البحرين الأدومية من جهة أخرى أقول الاهتمام كان مشتركا بين ملوك الأدوميين والفراعنة لانهما متممتان لبعضهما البعض حيث تبادل البضائع وحمل الركاب بين البلدين وتسويق منتجاتهما. وبلغ التعاون أوجه زمن الملك حدد بن بدد مدار بحثنا هذا.

  ومن المعلوم أن الخليفة عمر بن الخطاب وافق لعمرو بن العاص على إعادة حفر قناة تراجان المصرية هذه لتربط النيل بالبحر الأحمر منطلقاً إلى الشمال من حصن بابليون بقليل حتى يمر بعين شمس ثم وادي الطميلات إلى موضع القنطرة حتى يتصل بالبحر الأحمر عند مدينة القلزم، وساهمت تلك القناة التي سميت بخليج أمير المؤمنين في نقل المؤن من مصر إلى القلزم ومنه إلى الجار ميناء المدينة المنورة في الحجاز.

   ، وفي عام (18هـ) اي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان عام الرمادة، وقد اشتد الجوع بالناس في الجزيرة العربية،‍ فكتب الفاروق رضي الله عنه إلى أمراء الأمصار يستغيثهم لأهل المدينة ومن حولها، وتم حمل الطعام وشحنه من مصر ارض الخير والبركة الي جزيرة العرب، وقد جاء أنه كتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه في مصر أن يبعث إليهم الطعام على الإبل، وفي البحر حتى يصل به إلى ساحل الجار، فحمل الطعام إلى القلزم في عشرين مركباً ثلاثة آلاف إردب حتى وافى الجار، ولما علم عمر رضي الله عنه قدم إلى الجار ومعه عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنظر السفن ثم وكل من قبض ذلك الطعام، وبني قصرين / أي مخزنين , وجعل ذلك الطعام فيهما، ثم أمر زيد بن ثابت أن يكتب الناس على منازلهم وأمره أن يكتب لهم صكاكاً/ مفردها صك ) من قراطيس ثم يختم أسافلها. وفي كل صك مقدار الاعطية واسم من اخذها.

وفي زمن الملك حدد بن بدد فان السفن الأدومية كانت تحمل البضائع والاطعمة والاعشاب العطرية والطبية والاخشاب والقار والملح والمعادن من الأردن عبر قناة حدد بن بدد التي تربط البحر الميت بأعالي وادي عربة بخليج ايلة أي خليج العقبة ثم تبحر الى ذراع السويس ومنه الى قناة وادي الطميلات التي أشرنا اليها توا أعلاه ثم الى النيل والى سائر المدن التي تربطها بالنيل شبكة من القنوات الواسعة التي كانت تستخدم للري والشرب والملاحة والصيد.

 وبذلك استخدم الادوميون والفراعنة النقل البحري لأنه أيسر وأسرع واقل كلفة وأسهل حماية وأكثر امانا وأكثر حمولة وأسرع شحنا ووصولا، وامانا من أي تعدي ومن خطر قطاع الطرق، وأكثر تنوعا في البضاعة من المواد والانتاج الى المواشي والإنتاج الحيواني الى استخدامها للمواصلات والنقل والتصدير للمنتجات الصناعية اليدوية وغير اليدوية. 

 من هنا نجد سببا اخر لماذا كان اسطول حدد بن بدد يجوب البحر لحمايته وحماية امن البلاد واقتصادها وهيبتها. وبهذا فانه كان يتعذر على قطاع الطرق واللصوص والقراصنة وضع كمائن او ان ينهبوا محتويات السفن الأدومية او الفرعونية الا إذا كان القراصة على متون سفن أكثر صلاحية وقوة من سفن الملك حدد بن بدد.

 وهذا سبب اخر يضاف الى اهتمام الملك حدد بالهيمنة على البحر والملاحة فيه ومصادرته كل سفينة صالحة او قوية او لا ترفع علمه او تحوي جماعات ذات نوايا عدوانية، او تصرفات قد تؤدي الى تنغيص الامن البحري او ترويع التجارة والركاب، لان انعدام الامن فيه سيعني قطع مورد هام وحيوي من موارد الدولة الأدومية الأردنية، والنيل من كيانها السيادي والسياسي وأيضا إرهاب وتخويف المواطنين، وفقدانهم الثقة بدولتهم وملكهم.

  كان امن بحر سوف أي البحر الأدومي (الأحمر فيما بعد) يقع على رأس الأولويات عند الملك حدد بن بدد فهو يقود مملكة بحرية وبرية في الان نفسه، وقد ازدهرت المدن المحاذية للساحل الأدومي، واستطاع ومن خلال تحالفه مع الفرعون ان يبني دولة قوية برية وبحرية اسطولها يهيمن على البحر الأحمر والبحر المحيط بقارة افريقيا وبحر العرب وبحر القطب الجنوبي , والمساحة البرية الممتدة على ذراعي البحر الأحمر وساحل البحر الأبيض المتوسط من جهة سيناء والنقب وجنوب بلاد كنعان (بعد غرق الفرعون مرنبتاح) كما شرحنا في هذا البحث، واسطوله يجوب البحار بعد مضيق باب المندب شرقا وغربا.

  كان وادي العربة مليء بالمدن الزراعية والصناعية والتجمعات السكانية فيما يشبه مراكز توطين البدو في القرن العشرين الميلادي، وكنه كان توطينا منتجا ومنظما ومشروعا وطنيا لزيادة الإنتاج والاستقرار، حيث انها تجمعات دائمة وشبه دائمة وموسمية او عمالية او لغايات مواسم الزراعة والتجارة وتخزين الإنتاج والبذور وإنتاج الاشتال والتقاوي، وكانت مدينة فينان / فينون اهم مدن وادي العربة وأكثرها ازدهارا وتقدما وسكانا زراعيا وصناعيا ومركز تعدين. كما كانت الأشجار والاعشاب الطبية والعطرية تنمو بشكل كثيف في الوادي والجبال المحيطة وهي جبال ادوم / جبال سعير / جبال الطفيلة وبصيرا وجبال مؤاب المجاورة.

  وكانت الجبال مليئة بأشجار التوت ومنها كان يتم استخراج الحرير بألوانه للاستخدام الوطني، ويتم تصديره الى بلاد سومر / العرق والى مصر وفينيقيا وشرقي افريقيا. وقد طور الملك حدد بن بدد الصناعات المختلفة والإنتاج الزراعي والحيواني وطور الصناعات الزراعية أيضا ومنها صناعة الحرير، فضلا عن تطويره للجيش والاسطول البحري. ووسع الاكتشافات في أعالي البحار وفي القارتين وراء الأطلسي والقارة القطبية.

وبناء عليه كانت القوافل البرية غير كافية لتسهيل وسرعة التصدير فقام بتوسيع وتعميق قناة الملك حدد التي تجاوزت فينان باتجاه البحر الميت وكانت القوارب الشراعية تجوبها تصديرا واستيرادا، وكانت محاطة بالمنتجعات ولأسواق ومراكز التصدير والاستيراد، وبذلك ازدهرت المملكة الأدومية الأردنية زمن حدد بن بدد الى مستوى عال جدا بما يفوق تقدم الدول الحديثة، وبخاصة بعد غرق الفرعون وانتهاء دولة الهكسوس الفراعنة من مصر وانضمام بقايا جيشه ومملكته الى الملك حدد بن بدد.

وبذلك تطورت وسيلة المواصلات المائية في كل من ادوم الأردنية ومصر الفرعونية زمن حدد والفرعونين رمسيس ومرنبتاح بين استخدام البحار من جهة، واستخدام القنوات المائية التي فتحوها من جهة أخرى، وقد أدى ذلك الى أستتاب الامن في المملكتين وتسببت القنوات أيضا بمزيد من هذا الاستتباب. وان ما قاله فرعون ان الأنهار تجري من تحته لا يقتصر فهمها بالنسبة لي على الجنات والعيون والمقام الكريم فحسب، وانما يتعداه الى القوارب والسفن وشبكة المواصلات المائية التي يستخدمها للنقل والشحن والتنزه باستخدام القنوات أي الأنهار. فهو يقول الأنهار ولم يقل الينابيع (وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) سورة الزخرف

قال تعالى: (ونادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهذه الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) سورة الزخرف، وقد تعددت اراء المفسرين بمعانيه ونحن لا نخالفهم اراءهم ولكن نضيف اليها أيضا رايا اخر وهو الذي قلناه توا. فلو ان الفرعون او قادته وجنوده ركبوا السفن وتحركوا فوق الأنهار فان ذلك ينطبق على ما قاله بكل وضوح أي انهم تجري من تحتهم الانهار.

  ونحن نرى ان هذه الآية الكريمة تعزز رأينا ان السفن كانت وسيلة لنقل الشحن والركاب أيضا زمن حدد ولا بد انها تؤدي الغرض عينه في مملكة فرعون وكانت هذه السفن والقوارب تجري في الأنهار وكانت من وسائل ركوب الفرعون وقومه، أي ان فرعون وقومه كانت تجري من تحتهم الأنهار أي انهم يركبون الفلك التي تجري فوق الماء وتجري الأنهار من تحتها، فضلا عن هندسة البناء وطريقة بناء الجنات المعروشات وغير المعروشات وتجري المياه من تحتها. (وللحديث بقية بإذن الله تعالى ) .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد