قبيلة العماليق الجبارين الأردنية ودورهم في دحر بني إسرائيل

mainThumb

28-04-2019 10:23 PM

 الحلقة الرابعة عشرة 

 
  وكانت أول قوة مسلحة قاومت اسرائيل بعد نجاتهم من فرعون وتخييمهم في برية شبه جزيرة سيناء الأدومية, التي  كانت تابعة لقبيلة أدومية تحتل منطقة واسعة،‏ وهم قبيلة العماليقيين ( العماليق او الجبارين ) الذين كانوا مصدر ازعاج لإسرائيل طوال تاريخهم غبر عدة قرون.‏ ( قارن سفر الخروج ‏ ١٧:‏٨-‏١٦‏؛‏ وأيضا  قارن سفر التكوين / تك ٣٦:‏١٢،‏ ١٦‏؛‏ انظر «عَمالِيق،‏ العَمالِيقيّون».‏)‏ وفي نهاية فترة الهيمان( التيه الاولي بعد الخروج من مصر الى ارض ادوم  ) ،‏ رُفض طلب موسى المتسم بالاحترام ان يمر بنو اسرائيل بأمان في طريق الملك/ الطريق السلطاني  عبر ادوم،‏ حتى ان الملك الأدومي حدد بن بدد  حشد جيشا قويا ليحول دون اقتحامهم اراضيه.‏ قارن (‏سفر العدد  ٢٠:‏١٤-‏٢١‏)‏ .
  وبقي امر الملك حدد سائدا ومتبعا الى ان تحقق موت الملك حدد بعد طول فترة من الحكم قاربت نصف قرن , حيث انتهى بعد موته بسنوات معدودة تيه بني إسرائيل الذي مات فيه موسى وهارون عليهما السلام وانتهى جيل العبودية موتا وهلاكا في مدة التيه التي كانت أربعين سنة كما نص القران الكريم (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)) المائدة , أيضا قارن  (‏ سفر العدد ٢٠:‏٢٢-‏٢٩‏)‏،‏ حيث دار الاسرائيليون بعد التيه لأربعين سنة حول ارض ادوم وخيموا في وادي زارد/ الحسا ،‏ ثم ارتحلوا شمالا عبر حدود موآب الشرقية.‏ قارن ( سفر العدد ٢١:‏٤،‏ ١٠-‏١٣؛‏ وسفر القضاة ١١:‏١٨) . 
وكانت تحدث حروب وصراعات بين الكيانات السياسية الأردنية كما حدث بين الأموريين والحشبوسيين من جهة والمؤابيين والعمونيين من جهة اخرة، وكما حدث بين كل من  الأدوميين والمديانيين (مدين او مديان) حينما قاد الملك حدد (موضوع بحثنا) جيشه لضرب مملكة مديان الثمودية المارقة لتطويعها  وابتلاع أراضيها لتصبح وشعبها ضمن الدولة الأدومية حسبما نص عليه سفر التكوين، وقد وقعت المعارك في سهول مؤاب.ولا يعني ان سهول مؤاب كانت خاضعة لمملكة مؤاب وانما هي تسمية جغرافية لا تعني انها جزءا من الميان السياسي , واغلب الظن انها كانت خاضعة لمديان او ادوم , او انها كانت خاصرة رخوة تخضع لمن لصاحب القوة من الممالك الأردنية المجاورة او التي يمكن لها التحرك اليها بسهولة وبدون عوائق طبيعية وهي كل من : مؤاب ومدين وادوم .  
 وهذا مدون في النص التوراتي بالإنجليزي كما هو مبين تاليا، الذي يوضح أيضا ان الملك حدد اتخذ من مدينته الاصلية التي ربى بها وجاء منها المسماة: عافت او عافث او عفيت/ عفيث مقرا/ مركزا او عاصمة له، او مركز عمليات حربية في ظروف الطوارئ، وهو ما يبين ان العاصمة الرئيسة للدولة كانت دائما مدينة بصيرا التي تم بناؤها وتحصينها على هذا الأساس ولهذا الغرض. كما كانت هناك عواصم فرعية موسمية او مركز عمليات أي للعمليات الحربية، يتخذ كل ملك واحدة منها مقرا لحكمه او لإجازته او للإقامة بسبب المناخ، وليس عاصمة للدولة، وتكون مقره الصيفي او الشتوي او الحربي حسب مكانها ومناخها، او عاصمته الثانية كنوع من إرضاء القبيلة او العرفان للمكان والسكان. 
Chronicles سجلات 1:46 Husham died, and Hadad the son of Bedad, who struck Medians in the field of Moab, reigned in his place; and the name of his city was Avith.
ومن هذا النص يتبين لنا ان مقر الملك لا يعني عاصمة الدولة، لان الدولة مستقرة ومستمرة في عاصمتها ومؤسساتها ، وان الملوك يتغيرون ويتم تجريدهم من العرش إذا أصبحوا غير مؤهلين او حادوا عن العهد الذي بموجبه كان العقد بين الملك ومجمع الدولة وهم الملأ.( وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ (34) سورة المؤمنون 
    لقد كان استلام العرش الأدومي يتم ضمن إجراءات وشروط الهدف الأول منها الحفاظ على الدولة وهويتها وشرعيتها والشعب وتحقيق الامن والازدهار وحماية الحدود. وكان الملك لا يتخذ قرار السلم والحرب الا بموافقة مجلسه من الملأ كما رأينا في حالة الملكة بلقيس (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)). سورة النمل، وان العودة للملأ أي لمجلس الدولة كان من الثوابت الاسا في الدولة الأدومية على مدى الاف السنين. 
 وكما يظهر من النص أعلاه بالإنجليزية فقد جاء الملك حدد او هدد بعد موت الملك هشام او هوشام/ حوشام او حسام (من السيف) او حشام (من الحشمة) حسب الكلمة التي يمكن لنا ان نعتمدها أي منهما وكلاهما جائز، ونحن نرجح ان اسمه كان (حسام) أي السيف لان السيف أداة الدفاع عن الشخص والشعب والوطن، وكان للملك دور عسكري وحربي وهو يقود الجيوش ويكون في مقدمتها. 
كما ان حدد تعني الحدة والقوة وان هدد تعني الهجوم والشجاعة التي تهد من قوة الخصم وتهدم بيته على راسه , وكلاهما جائز ومناسب للملك حدد بن بدد دورا وسلوكا وممارسة , وبالتالي فهي مواصفات الملك القائد المحارب الذي يبني مشروعا لبلده استمرارا للمشروع السابق ويطور برامجه ومخططاته حسبما هي مقتضيات المرحلة وما يمكن ان يلحقها من مراحل ، والذي كان لديه برنامج لجعل الدولة قوية ومستقرة ومزدهرة وذات شوكة , وكان صاحب طموحات سابقة لعصره , حيث وطد اركان الدولة في الداخل وفي العلاقات البينية وبخاصة مع الفراعنة , وأيضا مع دول ما بين النهرين التي كانت سوقا رائجا لمصنوعات الحرير الأدومي الاردني والذي كان ملبوس الملوك والامراء والكهنة وعلية القوم في البلدين , ثم انتشر لدى بقية أبناء العشب الأدومي 
اما حول نظام اختيار / انتخاب الملك عند الأدوميين فهو وعلاوة على ما ورد في التوراة فان ذلك يظهر أيضا من خلال أسماء قائمة عدد من الملوك المتعاقبين حيث لا يوجد تطابق او تكرار بين الأسماء ولا تسلسل النسب لديهم او بينهم ولا الاقتصار على اسرة او قرية او مكان محدد. 
King son of from city
Bela    Beor Dinhabah
Jobab Zerah            Bozrah
Husham Land of Teman
Hadad        Bedad   Avith
Samlah Masrekah
Shaul Rehoboth on the river
Baal-hanan        Achbor  
Hadad Pau (P"ai)
واما الترجمة لهذه القائمة فهي: الملك بلى او بلي (وربما يتطابق مع اسم قبيلة بلي القضاعية الأردنية القديمة الراسخة الجذور في أراضي الأردن التاريخي (وليس أردن سايكس بيكو) وكانت بلي/ قضاعة من القبائل الأردنية الثمودية آنذاك، وهو ابن بوير (ربما اسمه باير وربما يكون من موقع باير جنوب شرقي معان الحالية في جنوب الأردن او ان اسم باير منسوب اليه وهو ما نرجحه، ولا زال الموقع يحمل اسم باير الى يومنا هذا. .
 ولمزيد من القول فان باير الأردنية وهي ثمودية حورية أدومية، هي قرية ومنطقة أثرية في محافظة معان الحالية في جنوب الأردن الحالي، وكانت ضمن أراضي الدولة الأدومية. وتعود الآثار المكتشفة فيها إلى خمسة آلاف عام قبل الميلاد، بل ويزيد الى عشرات الاف السنين من قبل، مما يضع تاريخ الاستيطان فيها إلى العصر الحجري الحديث ونهاياته في بلاد الشام وبداية العصر الحجري النحاسي وذلك في مناطق قيعان السيق ورجلة سالم والفكوك. وكانت منطقة مطيرة (أي كثيرة المطر) خضراء تكسوها غابات البطم الأطلسي والطلح والسدر والتين والزيتون والرمان، فضلا عن توفر فيها المراعي وسبل الحياة والعيش الرغيد في المقياس القديم. وهي جزء من أراضي الممالك الثمودية الأردنية الغابرة.
تم العثور فيها خلال الأبحاث التي أجراها المركز النبطي للدراسات الأثرية في جامعة معان، أقول تم العثور على منشآت حجرية بنيت من حجارة غير مشذبة بأشكال دائرية وشبه دائرية وبأحجام مختلفة ويتراوح قطر كل دائرة ما بين (4 -50) متر مع جدران ارتفاعها متر. تشبه مواقع بنيت في تاريخ موازي تم اكتشافها في صحراء النقب وصحراء سيناء ولكن هذه المنشآت أكثر كثافة في الصحراء الأردنية. مما يوحي بكون المنشأة في المناطق الثلاثة تنتمي إلى نفس الحضارة أو متأثرة بها ولا شك ان هذا برهان انها بنايات ثمودية حورية وادومية ونبطية وغسانية واموية لان دولتي الحوريين والأدوميين كانت كل منهما تشمل مناطق باير ووادي العربة والنقب وسيناء ضمن أراضيها. ومن الواضح ان اسم باير بقي مهما لدى الأدوميين ومن جاء بعدهم لأنه ربما سمي بذلك نسبة الى الملك الأدومي باير الذي اشارت اليه التوراة أعلاه، وهو ما نرجحه ونطمئن اليه.
كما ويوجد في منطقة باير أيضا آباراً ونقوشاَ نبطية مما يبرهن على تعاقب الحضارات الثمودية واستمرارها في هذا المكان / المنطقة. ولا شك ان الغطاء الشجري من الغابات والنباتي من النباتات العطرية والطبية والرعوية، كان سائدا في المنطقة وفي سائر مناطق البادية الأردنية التي تعتبر الان من الصحراء.
ولكن اضمحلال الغابات والغطاء النباتي كان بسبب العبث العباسي الذين كانوا أكثر اسرة / عائلة حاكمة عاقة بالأردن وأهله، فهم من مواليدها وبها تربوا وفيها طوروا دعوتهم، ولكنهم ما ان صاروا حكاما في العراق حتى أمروا بإبادة العشائر الأردنية وقطعوا غابات الأردن وغوروا مياهه خوفا من ان تظهر ضدهم دعوة تسلبهم منهم ملكهم. ولكن الله سبحانه اتى بعبد الرحمن الداخل الاموي واسس دولة استمرت أكثر مدة من بني العباس وأرسى حضارة غيرت تاريخ البشرية، بينما لم يأتي العباسيون الا بالأعاجم والفرس الذين ابادوا الجنس العربي وابتدعوا ضلالات في الدين والعقيدة وكان منها المذهب الشيعي الفارسي. بينما بقي المسلمون على المذهب السني في الاندلس.
  وقد شهدت باير استقراراً خلال الفترة الأموية، ويدل على ذلك بقايا أساسات القصر الأموي الذي بني خلال فترة الخليفة الوليد بن يزيد (743-744م)، وقد استعملت حجارة هذا القصر، في بناء مخفر باير عام 1932 وهو لازال قائماً وتستخدمه قوات البادية وخفر الحدود الأردنية الحالية (2019 م). وان ذلك يدل على ان المنطقة بقيت زمن الدولة الاموية مطيرة وخصبة وتتوفر فيها المياه الكافية للزراعة والاستخدام والصيد حيث كان فيها حائر لم يتحدث عنه الباحثون، ثم جاء المخربون العباسيون فخربوا كل شيء في الأردن وبقيت سياستهم مستمرة الى يومنا هذا 
تقع بالقرب من باير منطقة ثليثوات وهي منطقة جغرافية أثرية تحوي نقوشاً صفائية، أي باللغة العربية   الصفائية التي تعود إلى ما بين 1000 ق. م و400 م. هذا بالإضافة إلى تشكيلات صخرية طبيعية.وان الكتابات تعني ان الأردنيين زمن الدول القديمة منذ الأدوميين والانباط والغساسنة والامويين الى ان جاء العباسيون قاتلهم الله , كانوا يعرفون القراءة والكتابة , وان التجار في العصور القديمة منذ زمن الحوريين والأدوميين والانبط  كانوا مجبرين على تعلم الكتابة والقراءة , وكذلك شيوخ القبائل لان من يتقن ذلك انما كان يحوز شرفا هو محتاج اليه .
وفي عصر البعثة الإسلامية نجد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يرسل رسائل الى زعامات الأردن، وانه عقد مع العديد منهم مواثيق مكتوبة وهو في غزوة تبوك، مما يبرهن ان الأردنيين كانوا شعبا يقرأ ويكتب وليس شعبا جاهلا. 
وكانت مدينة الملك بلي هي: دنهابة من تيماء المنسوبة الى بطن تيمان من قبيلة ادوم الذين صاروا فيما بعد مملكة وشعبا، ثم خلفه على العرش بالانتخاب / بالاختيار الملك جوباب ابن زيره / ذراع / زرع / زيرا وهو من بصيرا وهي العاصمة الرئيسة للدولة، ثم خلفه الملك هشام / حسام وهو من تيماء شمال جزيرة العرب وكانت من اعمال الدولة الأدومية، وكان انتخاب/ اختيار الملك هي طريقة اختياره عند الأدوميين كما ينبين بالنص الإنجليزي التالي: 
Husham was a king of Edom mentioned in the Bible, in Genesisسفر التكوين 36:31-43. He succeeded Jobab ben Zerah in the apparently elective kingship of the Edomites. He is mentioned as being from "the land of Temani", which may refer to the Edomite clan Teman. Husham was succeeded upon his death by Hadad ben Bedad.
/ انتهت الحلقة وللحديث بقية /
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد