زيارة بومبيو إلى روسيا والتسوية السورية - رانيا مصطفى

mainThumb

20-05-2019 11:16 AM

 عادت اللقاءات رفيعة المستوى بين المسؤولين الأميركيين والروس للاستئناف، بعد توقف دام ستة أشهر، وذلك بعد تبرئة تحقيقات مولر للرئيس الأميركي دونالد ترامب. زار وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الثلاثاء الماضي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير خارجيّته سيرجي لافروف في مدينة سوتشي الروسية، برفقة جيمس جيفري المسؤول عن الملف السوري. وهناك رغبة أميركية بلقاء مرتقب لترامب وبوتين، على هامش قمة مجموعة الدول العشرين في أوساكا اليابانية شهر يونيو المقبل.

 
اللقاء هو الأول على هذا المستوى منذ استقبال بوتين لمستشار الأمن القومي، جون بولتون، في موسكو في أكتوبر الماضي؛ حيث تمّ تجميد الحوار الروسي- الأميركي بعد واقعة الاشتباك بين العسكريين الروس والأوكرانيين في مضيق كيرتش الرابط بين البحرين الأسود وآزوف نهاية نوفمبر الماضي، وما ترتب عليه من إلغاء اللقاء بين بوتين وترامب على هامش قمّة الدول العشرين في الأرجنتين.
 
التصريحات تقول إن ملفّ التسوية السورية كان الأهم في هذا اللقاء الذي استغرق ساعتين، إلى جانب ملفّات أخرى (خطة العمل المشتركة بخصوص إيران، الملف النووي الكوري الشمالي، الاستقرار في أفغانستان، وفنزويلا، وأوكرانيا، وسوريا، إشراك الصين في قضية السيطرة على الأسلحة…).
 
الملفّ السوري أولوية بالنسبة إلى موسكو؛ وهي قلقة من التواجد الأميركي في سوريا شرق نهر الفرات، حيث الثروات النفطية والغاز والمياه، والثروات الزراعية، وغير راضية عن التحركات الأميركية ودعمها للتوجهات الكردية بالحكم الذاتي، ولا عن التقارب الأميركي- التركي بشأن إنشاء منطقة أمنية تشرف عليها تركيا، وليست تحت وصاية روسيا.
 
روسيا متضررة أيضا من التضييق الاقتصادي على النظام السوري، ومن التلويح الأميركي بإصدار المزيد من العقوبات القادرة على شلّ نظام الأسد، حيث ما زالت موسكو تضع كل رهانها على اللجنة الدستورية التي ستمرِّر دستورا جديدا من تحت قبة برلمانه، إضافة إلى تضررها من ورقة التواجد الأميركي خلف نهر الفرات.
 
تسابق موسكو الزمن في عرقلة التوافق الأميركي- التركي شرق الفرات، عبر ممارسة الترغيب والترهيب مع أنقرة؛ فهي استعجلت إتمام صفقة أس- 400 مع الأتراك. وبدأت الأسبوع الماضي تدريبَ الكوادر التركية على استخدامها، ويتردد أنها ستعجِّل موعد التسليم في يوليو المقبل بعد أن كان في الخريف. هذا ما يهدّد بفرض عقوبات على تركيا، وبقانون صادر عن الكونغرس الأميركي، إذا ما تمت الصفقة، وفرض حظر على بيع تركيا قطع غيار لطائرات أف16 الأميركية المقاتلة، وإلغاء بيعها طائرات أف35 المتطورة والتي تشارك تركيا في إنتاجها. هذا عدا عن العقوبات المتوقعة إذا خرقت تركيا الحصار الأميركي التام على صادرات النفط الإيراني، حيث تستورد تركيا نصف احتياجها من النفط والغاز من إيران.
 
أما الترهيب الروسي لتركيا، فهو بالتصعيد العنيف في إدلب؛ ورغم أنّ تركيا مازالت تلتزم الصمت حياله، إلا أنها قلقة من توسعه، ومن حدوث موجات هجرة جديدة، وقد لوّحت بإنهاء اتفاقي سوتشي وأستانة، إذا استمر الوضع على حاله، وهي مهتمة بالتقارب مع أميركا لممارسة ضغوط على روسيا.
 
ذهاب بومبيو إلى روسيا واستعادة العلاقات يعبّر عن حاجة أميركية لهذا التقارب، بعد أن وضعت سياسات ترامب وبولتون الولايات المتحدة في مأزق في ما يتعلق بالبرنامج النووي الكوري الشمالي، ومواجهة إيران، ومحاولة تغيير النظام في فنزويلا. فترامب لا يريد مخالفة وعوده الانتخابية، والتورط في سياسة التدخلات العسكرية، وهو الآن في وضع يضطره إلى البحث عن كيفية تخفيف التوترات، وطلب المساعدة من الروس في ذلك.
 
صرّح بومبيو، عقب اللقاء، أن العقوبات على موسكو في ما يتعلق بأوكرانيا ستظل قائمة؛ فيما يبدو أن المساومات ستتم حول الملفّ السوري. تريد واشنطن من موسكو عدم دعم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وعدم التدخل في الانتخابات المقبلة، وتحاول جاهدة لإبعاد الصين عن روسيا، وجرّها للسياسات الأميركية للضغط على إيران وكوريا الشمالية، الأمر الذي يصعب تحقيقه مع استمرار العقوبات الأميركية على روسيا.
 
في حين أنّ روسيا ترغب في فتح “صفحة جديدة” في العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة، بسبب عدد من القضايا، بينها نزع الأسلحة وملف إيران.
 
وإذا كانت تتلاقى المصالح الروسية والأميركية والإسرائيلية والعربية حول ضرورة تخفيض النفوذ الإيراني في سوريا، إلا أن المسألة ليست بهذه السلاسة؛ إذ لا تزال لإيران سطوة وقدرة في التحكم بفرق من جيش النظام، وهي تريد حصتها من سوريا، وفرضت نفسها في صفقة ميناء اللاذقية، وتفرض تواجدها الملحوظ في حلب ودير الزور ودمشق، فضلاً عن علاقاتها الاقتصادية القوية مع تركيا، وهي ما تزال إحدى الدول الضامنة لاتفاق أستانة، ومشاركة في مؤتمر سوتشي “للحوار الوطني” مطلع 2018، وفي ملف اللجنة الدستورية.
 
ولروسيا مصلحة في التقارب مع الولايات المتحدة من أجل إبطاء سيل العقوبات الأميركية القادمة على النظام السوري؛ وقد سبقت تصريحات حسن النية الأميركية اللقاء الأخير، بأن لا نية للولايات المتحدة بإنهاء نظام الأسد، إضافة إلى التريث في إصدار قانون قيصر الموضوع على مكتب ترامب للتوقيع، بعد إقراره في الكونغرس ومجلس الشيوخ، وكان من المتوقع إصداره في الفترة السابقة؛ وهو سيعني شلّ النظام كليا وانهياره اقتصاديا، وأن إقرار الحل السياسي وعملية إعادة الإعمار يتطلبان من روسيا إجراء تغيير سياسي، وعملية انتقالية لا دور فيها للأسد وحاشيته.
 
لا خلاف أن التسوية السورية ستمرّ من بوابة التوافق الروسي- الأميركي أولا؛ لكنّ كثرة الملفات الخلافية تجعل الاتفاق حولها رهنا لحصول تقاربات في الملفات الأخرى، وعرضة للمساومات بين الطرفين.
 
تقرّ واشنطن بأحقية موسكو بالنفوذ في سوريا، لكنها تريد ترتيب الوضع بما يضمن مصالحها، في العراق ودول الخليج، وفي أمن إسرائيل، والحد من النفوذ الإيراني، وعدم عودة تنظيم داعش، وضمان استقرار المنطقة. وهي تستخدم تفاصيل الملف السوري كأوراق ضغط على حلفائها حول ملفات أخرى. هذا يصعّب فرصة التوصل إلى تسوية، فضلا عن أن ملفّ المنطقة الأمنية مع تركيا لم يحسم بعد، وملفّ إدلب والتنظيمات الجهادية مازال الأصعب حسما في كواليس الدبلوماسية، وعلى أرض الواقع.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد