ثورة الكنداكة السودانية

mainThumb

04-07-2019 10:41 AM

30 حزيران 2019، سيسجل على أنه يوم مشهود في تاريخ السودان الحديث، صنعه شعب السودان التعددي الديمقراطي المهني الحزبي، من النساء والرجال، وحينما أذكر كلمة النساء قبل الرجال، ليس احتراماً لمكانتهن وحسب قبل الرجال، أي من بوابة الذوق والعصرنة والإتكيت، بل من موقع الإقرار بدورهن في قيادة الانتفاضة والثورة والحرص على مواصلتها ونجاحها، ولذلك لم تكن أغنية الثورة المترددة في شوارع الخرطوم وجنباتها وعلى لسان نسائها قبل رجالها « الطلقة لا تقتل، يقتلنا صمت الزول « أي أن إطلاق الرصاص من قبل العسكر على المحتجين لا يخيفهن ولا يقتلهن، ولكن صمت الرجال ( الزول) على إجراءات العسكر ومحاولاتهم خطف الثورة وتجييرها لهم، بإدعاء القول، وتوجيه الاتهام أن هناك أجندة أجنبية وإقليمية تحرك المتظاهرين والمحتجين، وكأن تدفق المساعدات المالية النقدية لخزينة العسكر من قبل بعض الأطراف الإقليمية بريئة من أهداف إفشال التغيير نحو المدنية والديمقراطية وحُكم نتائج صناديق الاقتراع، فهدف الأطراف الإقليمية تتوسل إحباط التغيير السوداني، والخشية من نتائج نجاح الثورة الهادفة إلى إرساء قيم التعددية والديمقراطية وتداول السلطة، وهي ظاهرة لم تنتصر بعد في العالم العربي، وخشية أنظمة اللون الواحد، والقومية الواحدة، والمذهب الواحد، والعائلة الواحدة، والقائد الملهم، والزعيم إلى الأبد، خشية هذه الأنظمة وخوفهم من انتصار ثورة السودان، لأنها ثورة مدنية سلمية حزبية مهنية تعددية تتوسل إنهاء حكم العسكر ونظامهم، ليس فقط نظام البشير الأحادي الفردي القومجي الإسلاموي، بل مواصلة الثورة والاحتجاجات ضد من يحاولون وراثته من العسكر وهم جماعته ورفاقه ومن طينته وعلى شاكلته، ومن هم من المتورطين طوال سنوات الحكم الفردي في البطش بالشعب وقواه الحية من اليساريين والقوميين والليبراليين، ومن عامة الوطنيين، ومن القوميات والأثنيات المتعددة التي يتميز بها أهل السودان .  
 
30 حزيران 2019 حدث غير مسبوق، فهو يعني مرور ثلاثين عاماً على انقلاب عمر البشير عام 1989، ولم يكتمل لأنه رحل يوم 11 نيسان 2019، قبل أن يكمل عامه الثلاثين، ولذلك فالاحتجاجات الشعبية التي تمت استجابة لنداء قوى الحرية والتغيير أولاً احتجاجاً على الثلاثين عاماً الماضية لم يستطع خلالها شعب السودان وقواه الحزبية اليسارية والقومية والليبرالية رفع رؤوسهم من شدة القمع، فجاء اليوم الأغر ليختصر احتجاجات الثلاثين عاماً في يوم 30 حزيران 2019، كما جاءت الاحتجاجات ثانياً استمراراً لما تم إنجازه في إزاحة البشير، ليكملوا المشوار لإزاحة ورثته من المجلس العسكري المتشبث بالسلطة عبر دهاليز وأدوات وإدعاءات ليكونوا شركاء في السلطة المقبلة وهم في حقيقة الأمر يسعون لمشاركة المدنيين غطاء لحكمهم وليس تسليماً للمدنيين في إدارة الدولة عبر إفرازات صناديق الاقتراع . 
 
شعب السودان وقواه الحية، شعب ذكي مجِرب عبر سلسلة الانقلابات التي اجتاحت السودان منذ حصوله على الاستقلال المدني عام 1956، وانقضاض العسكر على حكم التعددية والديمقراطية للمدنيين وأخرهم انقلاب عمر البشير على الصادق المهدي الذي تولى رئاسة الحكومة عبر صناديق الاقتراع . 
 
نساء السودان « غِير شِكل « فهن طليعة الثورة ومادتها وزخمها، من الكهول والشابات والناضجات، وتتفوق مشاركتهن عن مشاركة الرجال، ولذلك هتفن أن صمت الزول ( الرجال ) يقتلهن، وهتفن باسم « الكنداكة « والكنداكة هي لقب الملكات الحاكمات في حضارة كوش الأفريقية القديمة لدى بلاد السودان، ويُقال أن من هزم الإسكندر وصده عن دخول بلاد النوبة هي الكنداكة أماني ريناس التي هاجمت مواقع الإمبراطورية الرومانية وقلصت نفوذها، ولهذا تتباهى نساء السودان بتراث الكنداكات اللواتي حكمن السودان على فترات متعاقبة قبل الميلاد . 
 
نساء ورجال السودان الذين شاهدوا كيف تم وأد الربيع العربي من قبل العسكر، ومن قبل تنظيمات وأحزاب التيار الإسلامي المتطرف، ومن قبل الأطراف الإقليمية المعادية للديمقراطية وتداول السلطة وللتعددية، سيواصلون احتجاجاتهم حتى تُستكمل ثورتهم في هزيمة العسكر كاملة، فالفريق العسكري هو وارث حكم البشير وامتداد له، والسودانيون هم أدرى بمصالحهم وحقوقهم وألاعيب العسكر ودهاليزهم من كل المراقبين والمتدخلين والوسطاء، فلهم النصر لعل ثورة الربيع العربي يتغير حالها ومنطقها وتطلعات شعوبها عما حصل منذ عام 2011 إلى الأن، وأن تأتي الحكمة والديمقراطية وتداول السلطة والتعددية من أقصى جنوب العالم العربي : من السودان .
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد