ورقة من مسلسل تل السنديان

mainThumb

06-07-2019 01:55 PM

قبل أن نتعلم فن الكتابة في هذا الزمن الذي يتطلب منا الكياسة والمصداقيه والشفافية في تقديم المعلومه وعرضها، تعلمنا أن نودع الأعياد على أكتاف الجدات ونمضي الى الرجولة مبكراً، ربما عشنا أياماً لم يعشها مخرج " تل السنديان"  وفريقه المساعد، إبتداء من المخرج المنفذ وانتهاء باخر شخص في الفريق المساعد .

كثر اللغط والحديث عن هذا المسلسل في أروقة التلفزيون الأردني وخارجه لأنه وبكل صراحه ومصداقيه في الأمر فضيحه، رأيت أنه لا يجب السكوت عنها، وأن مرت سنتان على إنتاج العمل - الذي كلّف التلفزيون الأردني الكثير -  لكنه ككثير من الأعمال التي تعب التلفزيون الأردني في إنتاجها لم يعط النتائج المرجوه، ليس بسبب التمويل وإنما بسبب سوء الإخراج وترهل العملية الإنتاجية برمتها من الالف للياء، ولهذا السبب تبدأ وتنتهي دورة حياة المسلسل في التلفزيون، وتموت فيه ولم يعرض على محطات عربيه، فليس كل صورة جميلة وغثبرة كلام هو دراما ويصلح للعرض، فهناك معايير للعمل الناجح.
 
"تل السنديان" هو الولد الحادي والعشرين من أعمالي الدرامية التي تنوع أغلبها بين البدوي والريفي، وهو العمل الريفي الوحيد الذي يدخل التلفزيون الأردني منذ ما يزيد على العشرين عاماً، اذ كانت جل الأعمال بدوية، يقولون عنها إنها ضاحكة،  وفي الحقيقة مضحوك عليها علاوة على بعض الأعمال التي أعطت انطباعاً بائساً عن كثير من الإعمال الدرامية الأردنية التي إنطلقت قوية رغم شح الأمكانات.
 
عندما شرع التلفزيون الأردني بإنتاج هذا العمل تم إستدعاء أحد المخرجين المقتدرين لهذه الغاية لكن تم "إقصاء الرجل" رغم خبرته الطويله، وتم إستبداله بمخرج صاحب خبرة "صفر" في هذا المجال، وهو الأمر الذي اثار أوجاعاً بداخلي وعرفت أن هذا العمل قد حُكم عليه بالإعدام، وتم إستدعائي من قبل  رئيس قسم الإنتاج آنذاك وابلغني أنه يجب عليّ ترك كل شي في يديه لأنه سيتم إعتمادي مراقباً للهجة في "تل السنديان".
 
بعدها بيومين أبلغني المخرج أنه يريد إجراء تغيير على النص، ومن هنا عرفت أن لعبة وامراً ما قد دُبر في ليل، خاصه عندما وصل الأمر لإسقاط شخصيات مهمه من العمل وتوزيع ادوار لغير اصحابها .
 
قدمت ما استطيع تقديمه لإنني وبصراحة رايت حماساً لدى مدير الإذاعه والتلفزيون لإنتاج العمل، وأحسست أنه مُقتنع بالمخرج وأن العمليه برمتها مطبوخة جاهزه، وهو ما مهد لإقصائي كمراقب لهجة، عرفت لاحقاً أن المخرج قد عارض وجودي في العمل، وهو ما أخرج العمل بلهجات متضاربه فتوجهت للمدير العام وأبلغته إنني أسقطت عملاً من يدي من أجل "تل السنديان" فقال: هذه الأمور تعود للمخرج، وتنصل من هذا الأمر، وكلفني بكتابة عمل آخر، وتنصل من وعده بشهادة الكثير من نواب ورجال لهم ثقلهم.
 
المعلومات التي كانت تصلني من الميدان بائسة جداً فالإنتاج عجز عن توفير كثير من المستلزمات، حتى الصوره النمطية لرجل الدرك خرجت بائسة حزينه فقد أظهروه بشماخ أحمر وهو مايخالف وينافي الحقيقه، وأظهروا سيارة الدرك عبارة عن "بكب مشدر" وسقطت كثير من "الراكورات" ومواقع التصوير لم تكن صحيحة إطلاقاً، فالمخرج أخذ المسلسل الى الشمال مسقط رأسه، ولم ياخذه الى حيث يجب أن يكون الحدث، وظهر في النص البناء الحديث و و الخ.
 
حدث تسّرب من النص لبعض الممثلين رغم توقيع العقود معهم ومطالبتهم بالإلتزام، وحذفت من المسلسل المشاهد الوطنية والمشاهد التي تؤطر كثير من العادات الأردنية الريفيه وخاصه مشهد (التغييث) أحسست قلبي "انشلع" عندما لم أجد هذا المشهد، وتم إستبدال مشاهد باخرى، وسعى المخرج بخلق جو لنفسه وليس للعمل وكل ما يمت للعمل بصله، وتم تغييب اسمي عنه حتى بالمقابلات التلفزيونية التي أُجريت مع المخرج ومدير الإنتاج تم ستبعاد اسمي منها، لم اتالم لذلك لإنني تجاوزت هذه المرحلة، وكنت أعرف منذ أن تم تسليم هذا العمل لمخرج لم يصل لمرحلة التدريب أدركت أن النص ميت، وأن الحرائق أكلت " تل السنديان" .
 
هذ العمل عندما تم عرضه كان محبطاً للأسف وظهرت حلقات قبل حلقات لأن المونتير كان "غايب فيله" وظهرت أشياء يجب أن لا تظهر، وحذفت أشياء قيمه تحكي عن الجوهر، وتمت منتجته مرة أخرى لكن لا يصلح العطار ما أفسده الدهر، كما أن زمن الحلقات قد نقص بسبب إسقاط كثير من المشاهد ولا زال النص المصور والنص الأصلي موجودان، والأنكى أن المخرج وضع لنفسه معالجة تراميه وكأنني بحاجه لذلك، وعلى رأي البدوي "لو الله سايق الخير فيك ماساويت اللي ساويته".
 
التلفزيون الأردني صرف على هذا العمل لكن كيف تم إدارة هذا العمل مالياً؟ .. فانا لا أعرف أين المبالغ التي من المفترض أن توظف مخرجاً قديراً وفريقاً مساعداً للتعامل مع هذا النص، كل ما أعرفه أن " تل السنديان"  خرج للملأ هضبة صغيرة جرداء لا حياة فيها واعادنا للوراء سنوات طويله.
 
 رحم الله "تل السنديان" والعزاء لي ككاتب للنص والعزاء للريف الأردني الذي خرج بهذه الصوره الهزيله، وهو مايستدعي قراءة مستفيضة لأي عمل يتم إنتاجه بعيداً عن الضغوط والمحسوبيات وجوائز الترضيه، وانا أعرف بعض الفنانين تدخلوا على شخصيات وطنية من أجل مساعدتهم والتوسط لهم في إنتاج نصوص خائبه لا لون لها ولا طعم ولا رائحه، وأعرف أن بعض أعضاء اللجان لا علاقه لهم بكثير من المواضيع، فهناك أعضاء لم يعيشوا ولم يعرفوا من مفردات البادية شيئاً، وقد سمح لهم باجازة نصوص بدوية، وليكن "تل السنديان" عبرة لنا في إنتقاء ما يجب إنتقاؤه بعيداً عن التملق والوجهنه .
 
 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد