قانون الانتخاب ذو الصوت الواحد

mainThumb

17-07-2019 08:59 AM

حظي (قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب) في الأردن باهتمام و جدل منقطع النظير منذ إقراره؛ فلقد تمكّن هذا التشريع من إعادة تفكيك و بناء الهيكل الوطني العام لقوى للأحزاب و العشائر في آن واحد.
 
لم تكن خلفيات إيجاد (قانون الانتخاب) سوى تراكمات معقدة من نوايا منعقدة في عقل الدولة العميقة لإعادة تأطير خريطة القوى الداخلية، تحديدًا الأحزاب و العشائر. 
 
الأحزاب الأردنية نشأت مع بداية تأسيس الإمارة، و ازدهرت مع المد القومي و اليساري في الخمسينات من القرن الماضي، و لم تكن تجربة حكومة (النابلسي) النيابية سوى صورة مكثفة لما ستؤول إليه الأمور في حالة لو أن البلد استمر في نهجه ذلك. 
 
انقطعت المسيرة الديمقراطية في ظل أزمات داخلية و إقليمية مركبة حتى عام 1989 حيث تم وقف الأحكام العرفية و انتخاب مجلس نواب جديد، كانت تجربة غنية استطاعت إبراز شخصيات وطنية و حزبية شكّلت نموذجًا مثيرًا للاهتمام، و تحصّل آنذاك الإسلاميون و القوميون و الوطنيون على ما يقارب الخمسين مقعدًا في المجلس، و برغم عدم تشكيلهم لأغلبية مُعَطِّلة أو حاسمة إلا أن المشهد كشف رغبة شعبية متعاظمة في إعادة بناء الثقة في العمل الحزبي الجاد، الأمر الذي أثار تخوفات من مراكز قوى تقليدية و محافظة و مؤثرة على مجريات الأمور.
 
حالة الشك المتبادل ما بين عقل الدولة الأعمق و التيارات السياسية التقليدية ما زالت تراوح مكانها كما هي في الخمسينات، و في ظل مثل تلك التعقيدات المحلية و الإقليمية و الدولية التي تعايشها البلد، كان الاستثمار في تعزيز فكرة (توازن الرعب الداخلي) هو أحد الاستراتيجيات البراغماتية القادرة على إعادة تفكيك و تركيب مراكز القوى بما من شأنه أن يكبح أية توجهات انعتاقية قد تغادر التركيبة النمطية المُستَرطَبة لصانع القرار الوطني. فكانت الأحزاب و العشائر في محور كل ذلك.
 
المجتمع الأردني، كمعظم الشعوب العربية، ذو طابع قَبَلي، لا زالت (العشيرة و العائلة الكبيرة) فيه اللاعب الأبرز في مجريات بعض القضايا كالانتخابات؛ فالمشيخة العشائرية قد تتخذ شكلًا مُستَحدَثًا مثل النيابة البرلمانية مثلًا.  في ذات الوقت فإن الحضور الحزبي قادر على صهر مفهوم العشيرة و العمل الحزبي معًا، حيث تتسق رغبة الزعامة و الظهور العام في الشخص (الحزبي العشائري) كحالة مدمجة. هذا الخليط هو ما يستهدفه قانون الانتخاب ذو الصوت الواحد.
 
على المدى القريب:
بمجرد إقرار قانون الانتخاب بدأت آثاره تظهر جليًا؛ فالصوت الوحيد للناخب ذهب للمرشح العشائري دون غيره، وذلك بناءً على أولوية (الأقربون أولى بالمعروف) الأمر الذي أفقد التيارات الحزبية الحضور المتوقع، و امتلأ البرلمان بالشخصيات الاجتماعية التقليدية و رجال الأعمال على حساب الحضور الحزبي. بهذا تم تقزيم العمل الحزبي في الحدود الأدنى.
 
على المدى المتوسط:
بعد أن تم إفراغ البرلمان من الحضور الحزبي لصالح القوى الاجتماعية التقليدية، فقد وجد رجال الأعمال الفرصة مواتية للاستثمار في حاجة الناس و فقرهم؛ فقد تم ممارسة ظاهرة (شراء الأصوات) تحت وطأة الوضع الاقتصادي المتراجع،  كذلك تم استغلال فرصة (القائمة الوطنية) لترشيح أعضاء وهميين بغية تحصيل أصوات ناخبي المحافظات لرئيس القائمة وإنجاحه، و تم أيضا استغلال ثغرة (الدوائر الوهمية) لطرح مرشحين و هميين بغية التخريب على بعض المرشحين في دائرة ما مستهدفة في نفس المحافظة. بهذا تمت الصفقة الرابحة لرجال الأعمال.
 
على المدى البعيد:
بعد ما تم من إقصاء للحضور الحزبي و استبداله برجال الأعمال و القوى الاجتماعية التقليدية، فقد كان أن بدأت الصراعات الداخلية  تظهر في كل عشيرة حول انتهاء فرصة المرشح القديم و أحقية آخرين جدد في دورهم بالترشح، و يدعم ذلك صراعات زعامة قديمة، و رغبة في الظهور العام، و نكايات عائلية تقليدية. في البداية استطاعت الانتخابات العشائرية الداخلية حل الأزمة و إجبار الجميع على قبول المرشح الأقوى داخليًا كما تُظهر الصناديق ذلك، لكنه  وفي دورات لاحقة بدأ التملص من تعهدات الإجماع العشائري، و صار هنالك عدة مرشحين في ذات الفخذ من القبيلة في آن واحد، الأمر الذي تطور لصراعات عميقة و كارثية أحيانًا، مما سبب لاحقًا تشظي القبيلة على أسس انتخابية و تجزأتها لعدة كتل متناحرة في كل دورة انتخابية. بهذا تم إضعاف التماسك القبلي و قوته الاجتماعية و السياسية.
 
خلاصة القول، أن استمرار العمل بقانون الصوت الواحد في انتخاب أعضاء مجلس النواب سيكون كارثيًا؛ حيث سيتم تعزيز حالة الجمود السياسي الحزبي و التشظي العشائري و هيمنة رجال الأعمال.
الحل يتجلى بثلاثية تقدمية لتشكيل البرلمان: الثلث الأول للقائمة الوطنية المفتوحة، الثلث الثاني للقائمة الحزبية النسبية، الثلث الأخير لدائرة المحافظة و بكامل سكانها كدائرة واحدة.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد