مفكرة مسؤول

mainThumb

23-10-2019 01:19 AM

ما إن استلم منصبه الذي لا يعرف مداخله ومخارجه، ولا يعلم من طبيعته شيئا، حتى ذهب واشترى من البدلات ما زها وغلا، ليستقبل المهنئين والوافدين الى صرح منصبه الذي يقف هو الآن حاجبا على بابه، يدخل من يشاء و يبعد من يشاء.
 
غصت رِحابه بالمهنئين وظل أسبوعا يجامل ويتمرن على أجواء المنصب، أخيرا جلس على كرسيه الوثير.. اندهش، تضاربت حدقتاه، لا يدري ما يفعل، استمرت حيرته، الى أن جاءته البطانة المهترئة التي أخلقها تعاقب المسؤولين، ونشف وجوههم النفاق، فلم يسعفوه بل كرسوا جهله بمنصبه، وصاروا يتلاعبون به ويتقاذفونه كالكرة، ولم يتركوا له إلا التعاليل مع صيادي الفرص، الذين يتقربون منه ليتخذوه سلماً يركبوا به ظهور الناس البسطاء. 
 
نسي اعمال منصبه، واعتبر نفسه شيخا في شق عرب محاط بالحكواتية، وفرسان التعاليل، يسلونه، ثم يتصرفون باسمه وهو جالس لا يدري عن دائرته شيئا، واصبح مجرد بدلة وربطة عنق، تصدر منهما قهقهات ممجوجة..
 
ترك الدائرة ل"مسامير الصحن" وانغمس هو في حياة المنصب الاجتماعية، فمن جاهة الى عزاء الى فرح الى خطبة، الى تخريج، الى صلحة، حتى المناسبات النسائية طاله منها نصيب. 
 
أصبحت ذاكرته ومخزونه اللغوي لا يخرجان عن دائرة المناسبات، صار يبدأ حديثه: كنا على المقبرة الفلانية.... أو في خطبة ابن فلان.. والتقيت فلانا في سهرة ابن فلان، وشاركت المسؤول الفلاني على منسف في فرح فلان.
 
وإذا طلب أحدهم منه خدمة من مسؤول يقول: سألتقيه في جاهة، الجمعة القادمة.. وابششررر بعزك..
 
مفكرته أيضا ارتبطت بنمط حياته الجديد..
 
إذا لقيه صديق لم يره منذ زمن قال: آخر مرة شفتك في جاهة فلان، وإذا سأله احدهم عن مرضه قال: من بعد غدا فلان وانا مريض، وإذا تابع الأحداث السياسية في المنطقة ايضا يؤرخ بها، فيقول: بدأت الاحتجاجات العراقية يوم خطبة سلمان، وغزت تركيا الشمال السوري يوم صلحة المواطرة والمعاريط.
 
يتحدث عنه مكافئوه على المنسف من المتزلفين، اصحاب النقص المزمن، أنه رجل مرح متواضع يتصرف "عادي" مثلنا وكأنه نزل من عالم اللاهوت الى عالم الناسوت، وصار يعايش المنبوذين والمشردين من الشعب، كأنه واحد منهم بكل تواضع.
 
هذه الصورة الانفة، نقيصة في مجتمعاتنا وفي الادارة الحكومية، يمارسها أغلب المسؤولين، وحتى أكون منصفا قد تفرض على البعض، ما يكرس الانحطاط في الادارة الحكومية وفي المجتمع، وهي وراء كل تراجع وتخلف وتسيب وانحلال في الادارة، ولا يمكن أن نتقدم الا بعد ان ننبذ هذه الفئة من المسؤولين وفئة المتزلفين من المجتمع، ونبني مؤسساتنا وإداراتنا على القانون، ليتربى الناس عليه، ويصبحوا سواسية أمامه، فلا يعود لعنجهية المنصب أي هالة، ويتفرغ كل شخص لابداعه، فتنهض الدولة والمجتمع.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد