كوارث طبيعية كان لها تبعات سياسية وعسكرية - م. محمد فندي

mainThumb

21-01-2020 12:42 PM

من المعروف أن غالبية القلاع أو الحصون الدفاعية تاريخيا يتم انشائها على قمم جبلية وعرة من الصعب الوصول اليها كما هو الحال مع قلعة مكاور وقلعة عجلون وقلعة الكرك وقلعة الشوبك. في العادة يكون الأثر الزلزالي التدميري على قمم الجبال والمناطق السهلية ذات التربة الرخوة أعلى منه بكثير من السفوح والمناطق الأخري الصخرية المنبسطة لأسباب تتعلق بالقابلية الكبيرة لقمم الجبال والمناطق السهلية ذات التربة الرخوة للتضخيم الموجي الزلزالي. هناك امثلة تاريخية وحديثة على ذلك كما حصل تاريخيا مع قلاعنا وقلعة بام في ايران في اعقاب زلزال 26/12/ 2003 اللذي بلغت قوته 6.6 على مقياس ريختر وأودى بحياة 42 الف انسان محدثا دمارا كبيرا في مدينة بام الإيرانية.
في التاسع من اوكتوبر من عام 1156 ضرب منطقة شرق المتوسط سلسلة من الزلازل كانت شدتها خفيفة نوعا ما استمرت لما يزيد على العام تخللها في الثاني عشر من أغسطس من عام 1157 زلزال مدمر وصلت شدته الى 9 درجات على مقياس ميركالي (Mohamed Sbeinati et. 2005). شدة هاذا الزلزال كانت اكبر ما يكون في مدن حماة وحلب وحمص بما يوحي بقرب مركز هاذا الزلزال من الساحل السوري في هذه المناطق. هاذا الزلزال تأثرت به معظم مدن بلاد الشام محدثا دمار كبيرا في القلاع والأحصنة لكلا الطرفين المتحاربين الزنكيين المسلمين والصليبيين الفرنجة في بلاد الشام. على أثر هاذا الزلزال انشغل كل من المسلمون والصليبيون جميعا بهذا الزلزال في إعادة الإعمار والتعافي من آثاره. يعتقد بأن هاذا الزلزال تسبب في مقتل ما لا يقل عن 10 آلاف شخص من الطرفين المتحاربين. الآثار السلبية لهذا الزلزال على القدرة القتالية لكلا الطرفين المتحاربين كانت أكبر في الطرف الصليبي اللذي يستند في صموده على التموين القادم اليه من اوروبا عنها في الطرف المسلم اللذي يعتمد على الإمكانيات المحلية سيما وأنهم ابناء المنطقة. ترتب على هاذا الزلزال لاحقا اضعاف الصليبيين الى الدرجة التي مكن بها المماليك لاحقا من تصفية وجودهم في المنطقة نهائيا عام 1290 بسقوط عكا على ايدي القائد المملوكي خليل بن قلاوون.
 
في صبيحة الأول من شهر نوففمبر من عام 1755 حدث زلزال مدمر كبير قدرت قوته من 8.5 الى 9.0 على مقياس ريختر في المحيط الأطلسي جنوب غرب عاصمة الإمبراطورية البرتغالية لشبونة على مسافة 300 كيلومتر تقريبا. ترتب على هاذا الزلزال أمواج مد بحري (تسونامي) وصل ارتفاعها في لشبونة نفسها كما يعتقد إلى 6 أمتار. إجتاحت هذه الأمواج البحرية العاصمة مما أدي الى تدميرها وموديا بحياة أكثر من 20 الف قتيل فقط في لشبونة. ترتب على هاذا الأمر اضعاف البرتغال عسكريا واقتصاديا مكن به نابليون من غزوها عام 1807 الأمر اللذي أجبر المبراطورية البرتغالية على نقل عاصمتها من لشبونة الى ريودي جانيرو في البرازيل لاحقا حيث اعلنت ريودي جانيرو عاصمة للبرتغال حتى عام 1822 عندما استقلت البرازيل بضغط بريطاني. من نتائج هاذا الزلزال اضعاف البرتغال اقتصاديا وعسكريا وظهور حركات تمرد في مستعمراتها ادت لاحقا الى تفكك هذه الإمبراطورية وخروج معظم مستعمراتها عن سيطرتها وبالتالي انتهاء هذه الإمبراطورية. على مسافة 200 كيلومترا جنوب العاصمة البرتغالية تعرضت مقاطعة الغربي (Algarve) الى دمار كبير بفعل الزلزال نفسه وأمواج التسونامي الناجم عنه. هاذا الزلزال شعرت به كل دول المنطقة تقريبا وتاثرت معظم السواحل المطلة على الأطلسي به بما في ذلك سواحل المغرب العربي. اضافة الى ما سبق بعض خبراء الزلازل اعتقدوا بداية أن هاذا الزلزال ضرب المغرب العربي حيث ادى الى وقوع قرابة 10 آلاف ضحية في المغرب جراء هاذا الزلزال لكن جل الدراسات الحديثة اسقطت موقعه في المحيط الأطلسي. 
 
في عام 1970 تعرضت باكستان الشرقية الى فياضانات عارمة نجمت عن اعصار بهولا حيث بلغت سرعة الرياح خلاله الى قرابة 200 كم في الساعة. كون باكستان الشرقية (بانغلادش حاليا) جغرفيا تقع على دلتا شكلها نهر براهمابوترا (Prahmaputra River) اللذي ينبع من هضبة التبت وتقع على ارتفاع قليل عن مستوى سطح البحر، الأمر اللذي ادى معه الى حدوث فياضانات عارمة ناجمة عن هاذا الإعصار وصل ارتفاعها الى أكثر من 10 أمتار اغرقت مساحات واسعة من بانغلادش مودية بحياة أكثر من نصف مليون شخص. الإستجابة الضعيفة لحكومة المركز في باكستان وفشلها في موضوع الانذار المبكر أدى معه الى زيادة أثر هذه الكارثة الطبيعية التي تسببت في اندلاع احتجاجات شعبية ضد باكستان تطورت سياسيا خاصة بعد استبعاد الشيخ مجيب الرحمن اللذي فاز في الانتخابات في عموم باكستان لصالح ذو الفقار علي بوتو ولاحقا عسكريا من خلال حرب عصابات بنغالية ضد الجيش الباكساني. تبعها لاحقا تدخل الهند لصالح الإنفصاليين في بانغلادش في عام 1971 في ثالث حرب تندلع بين بين الهند وباكستان بعد حرب عام 1947 وحرب عام 1965 حيث كانت نتائجها انفصال باكستان الشرقية عن عموم باكستان واعلان استقلالها تحت اسم بنغلادش وذلك بعد احتلال الجيش الهندي كامل باكستان الشرقية بمساعدة من المقاومين البنغاليين.
 
في 26 ديسمبر من عام 2004 شهدت البشرية اكبر زلزال في التاريخ الحديث بقوة 9.4 حسب مقياس ريختر كان مركزه في المحيط الهندي قبالة السواحل الشمالية لجزيرة سومطرة الأندونيسية. هاذا الزلزال كان الأكبر منذ كارثة انفجار بركان جزيرة كراكاتاو الواقعة بين جزيرتي سومطرة وجاوا الأندونسيتين في عام 1883. نجم عن هاذا الزلزال أمواج مد بحرية وصل ارتفاعها في مدينة آتشي نفسها في سومطرة إلى ما يزيد على 15 مترا. انتشرت أمواج المد البحري هذه لتضرب كل السواحل المطلة على المحيط الهندي مودية بحياة ما يقرب من 300 ألف انسان. وصل عدد الضحايا في سومطرة لوحدها إلى ما يقارب 250 ألف انسان بين قتيل ومفقود بينما بلغ عدد الضحايا في سيريلانكا قرابة 30 الف بين قتيل ومفقود. تأثير أمواج المد البحري (تسونامي) الناجمة عن هاذا الزلزال وصل إلى السواحل الصومالية على بعد أكثر من 5 آلاف كيلومتر، حيث اوقعت هذه الأمواج قرابة 300 ضحية في الصومال. في محادثة شخصية مباشرة مع أحد مختصي الزلازل الأندونيسيين على هامش مؤتمر علمي في إيطاليا عام 2005 أخبرنا أن قاع المحيط الهندي في المنطقة صعد إلى الأعلى لما يقارب 30 مترا في بعض المناطق على طول الصدع الأرضي اللذي حدث عليه هاذا الزلزال.
 
ترتب على هاذا الزلزال وما نجم عنه من أمواج مد بحري حدث سياسي مهم تلخص في تخلي حركة تحرير آتشه الإنفصالية عن مسعاها منذ عام 1976 في استقلال هذه الجزيرة الإندونيسية عن إندونيسيا وإلقائها السلاح دعما لجهود الإغاثة في الجزيرة وذلك على أثر الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات التي تكبدها مواطنوا جزيرة سومطرة وخاصة في عاصمة الجزيرة باندي آتشي. كما ترتب على ذلك أيضا أن قام سكان سومطرة والحكومة الإندونيسية بطرد عدد من المنظمات الخيرية العالمية التي جائت لمساعدة السكان المتضررين لإتهام عناصر عدد من هذه المنظمات بالقيام بأنشطة غير خيرية تتنافي والمهام التي جائوا من أجلها.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد