متطلبات جديدة امام تعليمنا

mainThumb

09-09-2020 09:39 AM

بعد ان وصل نقاش موضوع التعليم عن بعد الى أوجه، وما صاحبه من تراشق، ما بين مؤيد ومعارض وحرصا على سلامة الطلبة، أوحرصا على مخرجات التعليم في زمن الكورونا. وفي رصد طويل محليا وعالميا،، قررت ان اكتب عن ما هو التعليم الذي نريده لطلبتنا، وهل يواكب المتغيرات السريعة التي يشهدها عالمنا اليوم؟


جميعنا يعي بأن انقطاع التدريس تدريجيا ( ففي كل مدرسة تظهر فيها حالات اصابة كورونا يتم ايقاف الدوام فيها) إلى حدوث اضطراب في حياة الطلبة، وأهاليهم، ومعلميهم. فمن جهة ترغب الدولة في حماية الطلبة، ولكن من المهم تجنب حجر الطالب في المنزل كأسلوب وقائي، وتوفير مساحة مفتوحة وآمنة، لأنها تحسن من وضعه النفسي.

لعل أزمة كورونا جلبت معها متطلبات جديده ومطلوبة لتطوير مستوى الطلبة والمعلمين على السواء. بحيث تطورت قدرات الطلبة وتعمقت مشاهداتهم وصقلت قدراتهم بل أصبحوا أكثر وعياً. لهذا فان التعليم الذي نريده هو الذي يجعل الطلبة يبحثون بعمق عن هويتهم. فهذا الجيل لديه ميل او هوس شديد في البحث عن هويته والمغزى من حياته، من ابرز هؤلاء الباحثين هم من فئة الشباب. ولا بد ان يدرك المعلمين بان الطلبة في الفئات الأكبر عمرا لديهم الكثير ليقولوه ومن يعاملهم كأطفال فانه يفشل في كسب ثقتهم ومساعدتهم في تكوين الهوية الصحيحه، هذه الهوية بالطبع ليست تلك التي تركز على النفس وانجازاتها، بل تلك التي تؤدي الى محطة الخدمة الناكرة للذات.


ان الطلبة في المرحلة العمرية اليافعة بحاجة الى البيئة التي تعطيهم الدعم، تلك البيئة التي تحترم افكارهم ووجهات نظرهم. ولا بد من الاعتراف بان تعليمنا ونظام المدرسة لم يحل " ازمة الهوية ". وهي ايضا نتيجة عدم قابلية معظم المعلمين لادراك رشد الفرد الذي يحاول تجاوز الطفولة.
ففي عالم اليوم، تُرك الشباب على نحو متزايد بدون اي توجيه اخلاقي، حيث يكون التمييز بين الصواب والخطأ مفقودا، ومعيار السلوك الاخلاقي متدنى من اجل ان يكون قادرا على القيام بالاختيارات الاخلاقيه. وما يحتاجه الطلبة الشباب تحديدا هو الانضمام الى القوى البناءة في المجتمع، وهي المرحلة العمرية التي تتشكل فيها المدافعين المستقبليين للبيئة، بناة السلام ، ابطال العدالة ، المعلمون الناكرون للذات للبشرية. وهم فقط قادرون على عرض الشجاعة النموذجية في الدفاع عن نماذجهم المكتشفة الجديده.


اما المحادثات المدرسية، سواء عن بعد او وجها لوجه، عليها ان تدعو الطلاب الى التفكر مع معلميهم معا، فيها الكثيرمن طرح الاسئلة واستكشاف الاجوبة بطريقة يشارك الطلاب في بناء وتنظيم المعرفة. فالطالب الواعي يحتاج اجابات لاسئلته التي غالباً ما تكون فلسفية. هذا لا يغني بالطبع عن المحتوى الجيد للمادة التربوية بعيدا عن رغبة مؤلفي المنهج في حشو الكلام الكثير والدرس الذي يعتمد على مفهوم واحد ذو النتائج المعروفه.
اليوم، واكثر من أي وقت مضى، نحتاج لتوفير نوع من التعليم الذي يساعد على إعداد الشباب لمستقبل مختلف في عالم مترابط عالميًا، فيه الكثير من التكهنات حول مستقبل الاقتصاد، في ظل انهيارات اجتماعية واقتصادية متوقعة، مع الاستجابة بخفة الحركة لتنوع الظروف على المستوى المحلي. للقيام بذلك ، يتطلب الأمر مشاركة جميع الجهات الفاعلة كأنصار في هذه العملية - من المعلمين والطلاب والأهالي الى المجتمعات المحلية.
من الواضح لأي مراقب موضوعي أن البشرية تمر بمرحلة انتقالية. المؤسسات التعليمية حاليا غير كافية في معالجة الطبيعة العالمية للمشاكل التي نواجهها. ومثلما نشأ نوع معين من التعليم أثناء الثورة الصناعية، فإن نوعًا جديدًا من التعليم ضروري للتعامل مع الحقائق التي نواجهها وسنشهدها. لان المشاكل المعاصرة التي نواجهها هي مختلفة في طبيعتها وتعقيدها عن أي مشاكل واجهناها في الماضي.
إن الفهم الذي طال أمده لمكونات التعليم الأساسي غير كافٍ لتلبية احتياجات اليوم: القراءة والكتابة والرياضيات والاستعداد للوظيفة كلها مهمة، مثلها مثل مهارات المستوى الأعلى مثل التفكير النقدي وحل المشكلات والتحليل. ومع ذلك ، يجب أن تلعب بعض الصفات الآن دورًا أكثر بروزًا في نظامنا التعليمي إذا أردنا ضمان أن تعود فوائدها على البشرية ككل.
وتشمل هذه القدرة على التمييز بين الحقيقة والباطل ، وتحديد الاحتياجات ووسائل تلبيتها ، والتخيل بشكل أفضل والعمل على خلق حقائق جديدة ، وتقديم مساهمات نكران الذات في المساعي الجماعية. يجب أن يتضمن هذا التعليم بُعدًا أخلاقيًا للاستفسار عن القيم التي تقود عملية صنع القرار. باختصار ، يجب أن يوجه التعليم قدرات الروح البشرية للعمل من أجل تحسين الجميع. تمثل المواطنة العالمية احداها، فبينما تشارك وتتعلم من تلك التي تعزز قدرتنا على الاتحاد والنمو. بحيث تعزز المناهج دور جميع الأفراد والمجموعات في تقديم مساهمات حيوية للنسيج الغني الذي هو الإنسانية جمعاء. فما نحن في النهاية الا جنس بشري واحد ونجاحنا وفشلنا جماعي. إن هذا التعليم بالذات هو الذي يمكن أن يطلق القوى الناشئة للجماعة ويوفر مجموعة من الأدوات والنماذج اللازمة لرؤية أنفسنا والآخرين كجزء من مسعى موحد.
ولتطوير بعض المواقف والصفات والمهارات والقدرات، ولاستكشاف المعرفة المرتبطة بهذا التطوير، لا نريد صورا متجانسة لجميع الطلبة، لا نريد أن نملىء اوعيتهم بكمية معينة من المعرفة. اما النشاط التربوي يجب ان يكون في جوهره تجربة غير مقيدة وحره، بل عليه ان يكون تجربة مفرحة تعطي اجنحة للطلاب للتحليق في فضاء جديد ولأعلى. والهدف هو توسعة الفضاء وفتح ابواب جديدة لهم ليذهبوا نحو اماكن كانت صعبة الوصول اليها من قبل. نريد ان نعطيهم الحرية في الاستكشاف والمعرفة. أليس ذلك تقييماً كافياً لنجاح النشاط التربوي؟ وأخيرا فإن المعلم بأماتنه ونزاهته عليه أن يجعل من التفكير النقدي أداة لتوليد المعرفه لدى الطالب، واعطاءه مساحة من الحريه للاتفتاح على الآخر وتوجيه الأسئله ونقدها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد