انطباع ما بعد القراءة الأولى ورواية فاطمة حكاية البارود والسنابل للزيود

mainThumb

08-03-2022 02:58 PM

رواية "فاطمة حكاية البارود والسنابل" للمبدع الدكتور محمد عبد الكريم الزيود رواية تستحق الانتباه.. وهذه وقفة انطباعية سريعة بعد القراءة الأولى لها تمهيداً لدراسة وافية لها ستنشر عمّا قرب,. فالرواية جاءت وفق الشروط الفنية والجمالية من حيث الشكل والمضمون.. وسأترك الحديث عن ذلك في الدارسة الموعودة.. وفي هذه العجالة لا بد من خلاصة خرجت بها بعد تنسمي نهاية رواية فاطمة كرواية تعد من بواكير أعمال صاحبها المتمكن من أدواته الفنية والذي فجر أحداثها من بيئة أخلص لها.
فالرواية وهي تشق طريقها في وعي القارئ أشبهها بالنهر الدفاق الذي يخترق الذاكرة متعطراً بروحها وما تكتنز من أحداث متداخلة ومتعددة الذرى (العقد) حيث الأمكنة المرصودة في السياق والوجوه التي تخوض التجربة والأزمنة المتراكمة أو المتشظية وفق ما يأتي على لسان السارد العالم أو ما تفيض به الحوارات البينية المباشرة أو الجوانية الأكثر صراحة. 
وفي المسيرة النهرية لا بد من شلال صاخب يقع في دائرة النظر المنداحة فيسمع هديره مستحوذاً على الأسماع، أو منحدر مائي مليء بتيارات الوعي يبعث على الدهشة ويثير في الأعماق أسئلة وجودية متوالدة، كي يتابع القارئ الحصيف ما يبوح به السارد حتى خاتمة المطاف، فيتلمظ عقله سلافة ما يعتمل في قلبه من تداعيات تختلط فيها القسوة مع الجمال.. فينسجم هذا الخلط في النفس البشرية مع البيئية الصحراوية القاسة التي تنتشر في نواحيها الينابيع وظلال النخيل.
فاطمة البدوية باحت بالخبايا بما تخلل حياتها من معاناة وفقد وانكسارات، وحظيت قصتها المفعمة بالحياة بشخصيات أخرى خلال الرواية، تساند السياق الرئيسي وتؤثر فيه وتتأثر به وكانت بعض النهايات مفجعة كما حدث مع الراعي الذي لم يستطع مواجهة الظروف الصعبة فاختار الانتحار.
اذ ترصد الأحداث مسار حياة فاطمة وعائلتها في إحدى قرى الزرقاء منذ منتصف الاربعينيات وحتى ثمانينيات القرن الحالي من خلال ذاكرة تراكم فيها الزمن أحيانا وتشظى في أحيان أخرى .
وتركز الرواية على جملة من الأحداث وسياقات القرية الأردنية من حيث العادات والقيم والطقوس والممارسات والشعائر، مع العديد من الإسقاطات لأحداث مهمة مر بها الأردن لضبط الساعة الزمنية في رواية ترصد الحياة الاجتماعية وتتمحور حول شخصية فاطمة بعيداً عن التاريخ، مثل حادثة اغتيال الملك عبدالله الأول في المسجد الأقصى مروراً بنكسة حزيران في السابعة والستين وتداعياتها على العقل العربي، والتطرق إلى الحراك الديمغرافي من حيث النزوح والهجرة من داخل الأردن وخارجه، وخاصة تشكيل للفسيفساء الاجتماعية في الحاضنة المكانية للرواية، مدينة الزرقاء تحديداً.. وهي صورة ناطقة عمّا شهده الأردن في تلك الحقبة المفصلية.
وتبقى الأسئلة سيدة الموقف.. وتظل تزكم أنف المتلقي فلا تفارقه مهما باعد الزمن بينه والرواية الجاذبة.. فيشعر أنه حبيس أحداثها فلا فكاك بينهما.
هذه انطباعات خرجت بها أثناء قراءتي لرواية فاطمة وقد أدهشني أنها الأولى لصاحبها.. ولكن لا ضير فقد كانت روايتا "مرتفعات وذرنيج" و"جين إير" باكورتيْ أعمال الشقيقتين الإنجليزيتين: "شارلوت وإيميل برونتلي"
إن الرواية لتي لا تثير عاصفة من الأسئلة الوجودية الصادرة عن قّدْحِ سنابك الريح مع البيئة تحتاج إلى دليل سارد عارف بالتفاصيل يرافق المتلقي كي لا يتوه في غياهب النص فيأنف الارتحال أكثر ثم يعود طاوياً الطريق والخيبة تأكل رأسه، وكانت فاطمة هي الرفقة الطيبة في تفاصيل ذاكرتها النابضة بالحياة البدوية المفعمة بالعادات والتقاليد والأساطير والجمال رغم قساوتها فتشرق الأسئلة التي توحي بأجوبة تلد أسئلة أخرى قد لا تنتهي حتى خاتمة المطاف.
فاطمة قالت الكثير مما سأنقب عن أثره في حشايا القارئ حيث يختلط الوعي بالعاطفة الجياشة في ثنائيات تتراوح ما بين الأمل الذي يبعث في القارئ روح التحدي وأحياناً تكتنف الطريق مجاهيل تجلب الإحباط الذي قد يفضي إلى الغياب دون رجعة ربما الموت. ثنائيات سيتفاعل معها القارئ وهو يخوض مع فاطمة تفاصيل الرواية متوسداً قلبها الممتلئ بالحكايات كي يرتشف من سلافتها ما يبقيها حية في ضميره ووجدانه وهي ترتحل معه كلما دفعته الهموم إلى خلوة مع نفسه.
انتظروا دراستي النقدية عن رواية "فاطمة حكاية البارود والسنابل" للمبدع الدكتور محمد عبد الكريم الزيود.

 

 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد