الشيكات المرتجعة .. إلى متـــى!!!

mainThumb

26-12-2008 12:00 AM

لن أخوض في نشأة الدولة ولن أتحدث في نشأة التجارة, وسأختصر السنوات والمسافات وأذكركم بأن الشيك هو أداة وفاء بمجرد الإطلاع وتعتبر بمثابة النقد وقد أسبغ عليها المشرع حماية قانونية من نوع خاص بأن فصلها في القانون التجاري وأوردها في القانون المدني ونص على عقوبة رادعة بالحبس في قانون العقوبات, لما للشيك من أهمية قانونية باعتباره بمثابة نقد يتم تداوله بين الناس بنسبة أمان عالية جدا إذا ما قورن بالنقد المعرض للسرقة والضياع وفقدان الأمل باسترجاعه.

تنص المادة 421 من قانون العقوبات على أنه: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سنتين, وبغرامة لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد على مائتي دينار كل من ... حتى نهاية المادة"

وجاء في الفقرة الثالثة من نفس المادة: " على المحكمة أن تحكم في حالة إسقاط المشتكي حقه الشخصي أو إذا أوفى المشتكى عليه قيمة الشيك بغرامة تعادل 5% من قيمة الشيك على أن لا تقل عن مائة دينار حتى بعد صدور الحكم أو اكتسابه الدرجة القطعية".

إن التعديل السابق على المادة الخاصة بمعاقبة مصدري الشيكات بدون رصيد- بعد أن كان يقتصر على الحبس فقط ووقف التنفيذ- قد أحسن صنعا من جهة فقد ساهم بشكل ملحوظ في تخفيض أعداد الموقوفين أو المحكومين بقضايا الشيكات وسهلت على حسني النية منهم بتصويب أوضاعه ودفع قيمة الشيك دون حبس أو تقييد للحرية عن طريق دفع المبلغ للمستفيد أو إجراء تسوية معه, ووفرت على الدولة مبالغ طائلة تصرف على موقوفي الشيكات في مراكز الإصلاح والتأهيل, وأغفلت من جهة أخرى حقوق أصحاب الشيكات –المستفيدين- ولو بتأخيرها على الأقل مما ساهم معه التعديل ولو بحسن نية- مع أن رأيي الشخصي أن التعديل كان هدفه ماديا إيجابا بتحصيل الغرامات وسلبا بالحد من مصاريف موقوفي مراكز الإصلاح والتأهيل- بتأخير دفع الحقوق لأصحابها وعدم الاكتراث بالشيك مما أربك التعامل بالشيك وخصوصا في الأعمال التجارية بحيث أصبح الشيك لا يشكل نقدا أو ضمانا بحق على الأقل, وخصوصا مع طول إجراءات التقاضي من تسجيل وتبليغ وحضور وتبادل البيانات والخبرة وتبليغ قرار الحكم ومرورا بالاستئناف الذي يفسخ عادة لعدم اشتراط الغياب في المرة الأولى وتعود معها المعاناة من جديد والتي قد تستمر لأكثر من سنة مما ينتفي معه الغرض الحقيقي والقانوني من الشيك وتكون الإشكالات معه أكثر من فوائده بحيث يصبح الساحب والمستفيد والمظهرين مهما تعددوا كحبات المسبحة- إن جاز التعبير- في حال فرطت حبة تبعتها كامل الحبات.

إن قانون العقوبات هو قانون وضعي ويسهل التغلغل في ثغراته ففي بداية التعديل كان الدفع القانوني باعتبار الشيك أمانة أو معلق على شرط للتملص من العقوبة الجزائية وتقسيط الادعاء بالحق الشخصي, وبعد أن تنبهت محكمة التمييز لهذه النقطة قضت في قراراتها بأن الشيك لا يعتبر أداة ائتمان أو معلقا على شرط إلا إذا وردت هذه العبارة كتابة في متن الشيك, ومن ثم ظهر دفع أن الشيك سلم على بياض ودون تعبئة البيانات الإلزامية ومنها التاريخ وبالتالي انتفاء صفة الشيك وبالتالي العقوبة الجزائية وضياع الحقوق على الأمد القريب.

لقد كان- ولا يزال- بإمكان المشرع حل مشكلة الشيكات حلا مرضيا لجميع الأطراف باعتبار أن أي شيك محرر للمستفيد هو شيك صحيح واجب الدفع دون الأخذ بأي دفع قانوني باستثناء ورود عبارة تأمين أو تعليقه على شرط في متن الشيك أو إنكار الساحب لتوقيعه على الشيك أو فقدانه أو سرقته مع ضرورة إلزام الساحب بإيداع قيمة الشيك نقدا كأمانات في صندوق المحكمة على حساب القضية أو إرفاق كفالة عدلية من كفيل مليء تجنبا للتوقيف (وتقصير أمد الجلسات حتى لو اضطرت الدولة (وزارة العدل) لتعيين قضاة متخصصون ومتفرغون لقضايا الشيكات فقط), مع حقه بسحب مبلغه من الأمانات والمطالبة بفائدة قانونية عن المبلغ المودع في حال تبين أن المشتكي غير محق بدعواه (بدل فوات منفعة أو عطل وضرر), والذي في حال تم هذا التعديل يرى معه الساحب وقبل تسجيل الدعوى بأنه ملزم بدفع قيمة الشيك خلال فترة قصيرة جدا مما يبادر معه لتسديده تجنبا لدفع الغرامة دون أدنى فائدة من تأخير صرف الشيك.

إن استمرار العمل بالنص الحالي... بالرغم من تعديله قبل أسابيع باستئناف قرارات الشيكات الصادرة بعد 1-11-2008 لمحكمة البداية بصفتها الإستئنافية يطيل أمد التقاضي وإلى أن يثبت المشتكي حقه بالشكوى واستحقاق قيمة الشيك يكون قد لحق بالمستفيد ضررا ماديا ومعنويا كبيرين أجبر معها هو بالتالي على إعادة شيكاته بدون صرف لتعلقها ببعض من ناحية تجارية لتسديد التزاماته وينعكس عليه ذلك سلبا ويحرم من الحصول على قرض و/ أو دفتر شيكات كونه أصبح على القائمة السوداء "البلاك ليست" في البنك المركزي, وبعد كل ذلك هل ستبقى الحكومة تأخذ دورا سلبيا لأجل جباية المال من غرامات الشيكات أم ستتحرك لإنقاذ شريحة كبيرة من المجتمع من فئة ضالة ألحقت الدمار باقتصادنا الوطني.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد