الديمقراطية: مفهومها أنواعها وشروطها

mainThumb

04-12-2009 12:00 AM

الدكتور محمد تركي بني سلامه *

يُعدُّ مفهوم الديمقراطية من المفاهيم الشائعة الاستعمال في العالم اليوم، خصوصاً أن كافة الأنظمة السياسية المعاصرة دكتاتورية، وتوتاليتارية، وثيوقراطية، تحاول أن تضفي على نفسها صفات الديمقراطية، وتدعي تمثيل الشعب، مما أدى إلى اللبس وإساءة فهم المفهوم واستعماله، وأحياناً تعريفه بدقة، إلا أن الفرق واضح بين الشعارات والإدعاء بتأييد وتمثيل الشعب، وبالتالي إضفاء الشرعية على نظام الحكم، والواقع والتطبيق العملي.
إن كلمة الديمقراطية Democracy مشتقة من الأصل اليوناني (demos) التي تعني الشعب وكلمة (kratos) التي تعني الحكم، وبالتالي يصبح المفهوم حكم الشعب، أو حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب وهي فلسفة في الحكم تكون السلطة العليا، وتكون الكلمة الأولى والأخيرة فيها للشعب يمارسها مباشرة بنفسه أو غير مباشرة بواسطة ممثلين أو وكلاء عنه ينتخبهم لفترة معينة، وفق انتخابات حرة ونزيهة. وبتعريف آخر هي نموذج للحكم يتمتع الشعب فيه بسلطان قوي خلافاً لرغبات ومصالح الارستقراطية أو الملكية المطلقة أو القادة والمقربين والأتباع وغيرهم من العناصر المتنفّذة التي تحاول الاستمرار في احتكار السلطة والثروة ومنع بقية أفراد الشعب من المشاركة فيهما. والديمقراطية مجموعة من الأفكار والقيم والاتجاهات والمشاعر والمؤسسات التي تطورت خلال تاريخ إنساني طويل حافل بالمعاناة منذ حكم بيركليس أو عهد الطغاة في المدن اليونانية القديمة حتى الوقت الحاضر، وذلك بفضل النضال الذي قادته الحركات والأفراد المطالبون بالديمقراطية والتغيير السياسي ثورياً كان أو سلمياً.
وتتعدد أصناف وأنواع الديمقراطية مثل الديمقراطية الطائفية Consocial democracy والديمقراطية المباشرة Direct democracy والديمقراطية التمثيلية Representative democracy والديمقراطية الليبرالية Liberal democracy والديمقراطية غير المسيسة Depoliticized democracy والديمقراطية المثالية Ideal democracy إلا أن أكثر أنواع الديمقراطية قبولاً وشيوعاً في المجتمع المعاصر هي الديمقراطية التمثيلية Representative democracy، وهي التي يقوم فيها أفراد المجتمع بانتخاب أفراد من بينهم يكونوا بمثابة نواب أو ممثلين عنهم في اتخاذ القرارات السياسية وإصدار القوانين والتشريعات وإدارة البرامج والمشاريع ومراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذية بما يخدم مصالح الناس ويحقق رغباتهم.
وتختلف طرق انتخاب هؤلاء الممثلين والمدة التي يمضونها في إشغال هذه الوظيفة من مجتمع لآخر، إلا أنه بغض النظر عن النظام الانتخابي السائد، فإن هؤلاء الممثلين يشغلون هذه الوظائف أو المناصب باسم الشعب ومن أجل خدمته وبالتالي فهم مسئولون عن أعمالهم أمامه.
والانتخابات وحدها لا تكفي لتحقيق الديمقراطية أو تصنيف نظام سياسي بأنه ديمقراطي، إذ لا بد من توافر عناصر أخرى منها برلمان قوي ومستقل، مؤسسات مجتمع مدني فاعله، وعلى رأسها الأحزاب السياسية، صحافة حرة، قضاء نزيه ومستقل، وأخيراً ثقافة سياسية تؤكد مثل وقيم التسامح واحترام الرأي الآخر وضرورة وجدوى المشاركة السياسية وروح المبادرة وغيرها من القيم التي تشكل بمجملها ثقافة الديمقراطية. وقد قدم روبرت دال أحد أهم دارسي ومنظري الديمقراطية المعاصرة مجموعة من المتطلبات التي لا بد ن توافرها في نظام سياسي حتى يمكن اعتباره ديمقراطي وهي:
1. حرية تشكيل المنظمات والانضمام إليها.
2. حرية التعبير.
3. حق التصويت.
4. الأهلية للمناصب العامة.
5. حق القادة السياسيين بالتنافس على كسب الدعم.
6. مصادر بديلة للمعلومات.
7. انتخابات حرة نزيهة.
8. مؤسسات صانعة لسياسة الحكومة تعتمد على التصويت.
ويبدو جلياً أن مثل هذه المتطلبات لا تتوفر مجتمعة إلا في ديمقراطيات أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها أعرق الديمقراطيات في العالم المعاصر، أما الدول حديثة العهد بالديمقراطية، فإن لديها بعض من هذه المتطلبات ولا سيما حق التصويت والانتخابات الحرة العادلة وهي تسعى لاستكمال بقية هذه المتطلبات، لذلك فإنها لا زالت في بداية الطريق نحو النضوج أو الاكتمال الديمقراطي، فالديمقراطية عملية نمو تاريخي لا يمكن انجازها بين عشية وضحاها.
ويمكن تعريف الديمقراطية بأنها حكم الأغلبية عبر التداول السلمي للسلطة، حيث تتنافس الأحزاب السياسية للوصول إلى السلطة، من خلال الاحتكام إلى صناديق الاقتراع .حققت الديمقراطية - في العصر الحديث- انتصاراً تاريخياً على كافة البدائل وأنظمة الحكم الأخرى، فالجميع اليوم، ومن مختلف الاتجاهات الفكرية: وطنيين وقومين، متدينين وعلمانيين، وسطيين ويساريين، يعلنون انحيازهم للـديمقـراطيـة، ويتحـدثـون عـن مـزايا الحكم الديمقراطي، وأصبحت الديمقـراطية، كنظام حكم، مرادفاً لمفهوم الشرعية في الحياة السياسية الحديثة، ذلك أن كافة القرارات والقوانين والسياسات تكون مقبولة ومبررة، إذا اتخذت بطريقة ديمقراطية.
وإذا كانت الديمقراطية، كأسلوب في الحكم، تعود إلى أيام اليونان، فإن نظام الحكم الديمقراطي في الدولة القومية هو ظاهرة حديثة العهد نسبياً، إذا لم يزد عدد الدول الديمقراطية في العالم في عام 1942م عن 12 دولة، إلا أن هذا العدد تضاعف نتيجة التحول الديمقراطي في عدد غير قليل من دول العالم. وكانت الدول العربية جزءاً من العالم الذي هبت عليه رياح الديمقراطية والتغيير، فالأردن، والمغرب، وقطر، وعُمان، والكويت، من الدول العربية التي بدأت في تبني النهج الديمقراطي كأسلوب في الحكم.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد