الفيلم المسيء والفتاة المقطوعة الرأس

mainThumb

20-09-2012 11:20 AM

 بقي جسدها كاملا، فستانها الأزرق القصير تغبر قليلا لكن عقدة الخصر لم تنحل والجوارب البيضاء بقيت كما هي تغطي ساقيها الناحلتين، أما كفاها الصغيران فبدتا منقبضتين قليلا.

 
جسد فتاة لا تتجاوز الثامنة خلناه لشدة اكتماله أنه حي، لكنه... بلا رأس.
 
حاولت في سري الهروب من هول صورة الفتاة السورية المقطوعة الرأس ومن التصاق مشهدها بعيني مهما كررت هز رأسي والإشاحة بعيدا.. عرفت لاحقا أن اسمها «فاطمة» وأنها من منطقة «إدلب» وأنها قتلت حين ألقى النظام السوري على حيها براميل متفجرة أطاحت برأسها وقتلت كثيرين آخرين..
 
كنت أحاول كبت انفعالي واستيائي من مشاهد «الغضب» تعتمل قتلا وتخريبا في شوارع مصر وليبيا وأصقاع أخرى قبل أن تباغتني صورة الفتاة المقطوعة الرأس عبر «فيس بوك»..
 
ترى لماذا لم يغضب هؤلاء الموتورون في الشوارع لصورة هذه الفتاة ومن الذي طار رأسه فعلا؟ فهل الفتاة هي التي فقدت رأسها أم أننا جميعا نحمل رؤوسا لا جدوى منها؟
 
لا شك أن من أنجز فيلم «براءة المسلمين» يحتقر المسلمين ويتقصد الإساءة لهم، لكن ما الجديد في الأمر؟ هل حقا نعتقد أننا في هذا العصر نستطيع ضبط الغث المقبل إلينا ودحره؟
 
ألسنا في عالم الفضاءات المفتوحة؟ ألا يمكننا خلال دقائق تصفح مئات بل عشرات المواقع والمشاهد والصور المسيئة للإسلام واليهودية والمسيحية والبوذية وكل المعتقدات؟ لماذا زلزل فيلم سفيه الأرض من تحتنا فيما لم نتحرك من أهوال فعلية وأفلام واقعية تنضح دما وموتا تلقى في وجوهنا على مدار الساعة؟
 
تمكن «فنان» متهم بتزوير بنكي في كاليفورنيا من تصوير مجموعة أشخاص لقاء 75 دولارا في اليوم في منزله لتمثيل تلك المشاهد التافهة ثم إلصاق دبلجة صوتية تضع حوارات لم يقلها الممثلون وجمع كل هذا وعرضه في تسجيل لا يستحق وصفه بأنه فيلم. وضع إعلانات للعرض لكن لم يأت أحد.. بالفعل لم يأت أحد..
 
وقعت الكارثة حين التقط ناشطون مصريون المقاطع عبر «يوتيوب» وعرضوها على برنامج تلفزيوني. هب سياسيون ورجال دين فتصرفوا كمن التقط صيدا ثمينا لتغطية إفلاسات سياسية ودينية وأخلاقية كبرى والتستر بها عبر استنهاض همم البسطاء والجهلة..
 
هناك من عاجل بالحرق والقتل والتوتر وهناك من يحاول حتى اللحظة اللحاق بالركب عبر اعتبار الأمر مسألة مفتوحة، ألم يهدد السيد حسن نصر الله بتداعيات خطيرة؟
 
حقا ليس الفيلم هو المشكلة، بل فيمن يحاول الاستفادة من الفيلم ليداري إفلاسا أخلاقيا كبيرا يعاني منه، وهنا علينا أن نشكر الفيلم أيضا لأنه جعل عموما من السنة والشيعة المسلمين العرب يتساوون في بؤسهم في كيفية التعامل مع هذا الإنتاج الساقط المسمى زورا فيلما..
 
لقد قبل هؤلاء بقتل الآمنين وصمتوا، بل دعموا مرتكب القتل، لكنهم يثورون لمواجهة.. فيلم..
 
يا صغيرتي يا فتاة إدلب، لا تسامحينا على صمتنا وارقدي بسلام حيث أنت، وليحلق رأسك الجميل بعيدا عنا..


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد