بقاء الاخوان فوق الارض ارحم من نزولهم تحتها

mainThumb

01-08-2013 08:45 PM

اقتحام قوات الامن المصرية لميدان رابعة العدوية، حيث يعتصم انصار الرئيس محمد مرسي منذ اكثر من شهر للمطالبة بالافراج عنه وعودته باعتباره الرئيس الشرعي للبلاد، بات متوقعا في اي لحظة بعد اعطاء مجلس الوزراء تفويضا مفتوحا للواء محمد ابراهيم وزير الداخلية بالقيام بهذه المهمة التي قد تؤدي الى سقوط عشرات القتلى، وربما آلاف الجرحى، واشعال فتيل حرب اهلية يتوقعها، او بالاحرى يتنبأ بها، الكثير من المراقبين ونحن من بينهم.

انهاء الاعتصام السلمي بالقوة عملية محفوفة بالمخاطر ليس بسبب ضخامة اعداد الضحايا فقط، وانما للنتائج التي يمكن ان تترتب على ذلك، لان بقاء الاخوان المسلمين وحلفائهم فوق الارض، اقل خطرا بكثير من نزولهم تحتها، اي الانخراط في العمل السري.

التجارب السابقة، وفي اكثر من بلد عربي، تفيد بان العمل السري تحت الارض، لا يحتاج الى آلاف المتطوعين، بل الى مجموعة من الخلايا الصغيرة الفاعلة والنشيطة من المتشددين الاسلاميين على وجه الخصوص، فهكذا بدأ تنظيم القاعدة في افغانستان والعراق، وكذلك دولة العراق الاسلامية في العراق، وجبهة النصرة واخواتها في سورية، وفرع تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي.

ولا ننسى ايضا انشطة تنظيم الجهاد الاسلامي والجماعة الاسلامية في مصر في مرحلتي السبعينات والثمانينات والعمليات العنفية الدموية التي نفذاها وابرزها عمليتا اغتيال الرئيس محمد انور السادات (الجهاد) والهجوم على وفد للسياح الاجانب في مدينة الاقصر (الجماعة الاسلامية).

اي محاولة لفك اعتصام رابعة العدوية بالقوة ربما سيؤدي الى فتح الطرق امام المرور، وانهاء البث المباشر لبعض قنوات التلفزة المحسوبة على الاسلاميين، ولكنه سيؤدي حتما الى اغلاق كل قنوات الحوار للتوصل الى حل سياسي سلمي للازمة المتفاقمة في مصر حاليا، وسيضاعف من تفاقم حالة عدم الاستقرار الراهنة.

ولعل ما هو اخطر من هذا وذاك، انتصار الجناح الاسلامي المتشدد، وترجيح كفته، وهو الجناح الذي كان يطالب دائما بضرورة اللجوء الى العنف كوسيلة انجع للتعاطي مع الانقلاب العسكري الذي سلب الحكم من الاسلاميين، واعاد نظام الرئيس مبارك الى الواجهة مرة اخرى، والقضاء على الثورة المصرية بالتالي.

الجناح المتشدد سيجادل بان حجة المعتدلين التي تقول بالاحتجاج السلمي لم تعط اي نتائج ايجابية فقط، بل سقط بالكامل، وبشكل مدو، مع انهاء الاعتصام بقوة الدبابات والرصاص الحي، ولا بد من اللجوء للخيار الآخر، اي العنف، وهنا تكمن الكارثة.

لسنا من انصار الدكتور محمد البرادعي، وكنا وسنظل من اكثر منتقديه، بعد ان قدم نفسه غطاء للانقلاب العسكري، وكان من بين شهود البيان الاول للفريق السيسي الى جانب شيخ الازهر وبابا الاقباط، الذي اعلن فيه عزل الرئيس المنتخب والانتصار لما سماه بالشرعية الثورية الشعبية. ولكن رفض الدكتور البرادعي لفض اعتصام رابعة العدوية بالقوة وادانته قبلها لمجزرة النصب التذكاري في الميدان التي راح ضحيتها مئة شهيد ومئات الجرحى، هو قمة العقل والحكمة والنضج السياسي.

كنا نتوقع ان يستمع الفريق السيسي الى هذا الرجل، وان يتسع صدره لرأي آخر يتناقض مع الآراء التحريضية المتعطشة لسفك دماء المصريين، ومعظم اصحاب هذه الآراء من بقايا رموز النظام الديكتاتوري السابق، ولكنه فعل العكس تماما، والاخطر من ذلك اعطاؤه الضوء الاخضر لبعض انصاره بشن هجمات اعلامية شرسة ضد الدكتور البرادعي، الذي تحول فجأة، الى عدو شرس، يتقدم في عدائه على الاسلاميين انفسهم، لانه ببساطة كان يعتبر من اهل البيت.

فوجئت بشراسة الهجمة ضد الدكتور البرادعي، الذي لم اقابله مطلقا، رغم فرص عديدة، بسبب دوره في تدمير العراق واستشهاد مليون من ابنائه عندما كان رئيسا لهيئة الطاقة الذرية الدولية، واقول فوجئت، لانني لم اصدق ان بعض المدافع الثقيلة في الاعلام المصري، فتحت ابواب جهنهم عليه، واتهمته بالخيانة والعمالة والماسونية، وطالبته بالعودة الى الغرب وامريكا على وجه الخصوص، التي يعمل لحسابها على حد قولهم.

الانقلاب على الدكتور البرادعي، هو حلقة صغيرة في انقلاب اكبر على الثورة المصرية لمصلحة عودة النظام السابق تحت حجج وذرائع مختلفة، فالمطلوب هو رأس هذه الثورة، والعملية الديمقراطية التي افرزتها، وبما يؤدي في نهاية المطاف الى اعادة الشعب المصري مجددا الى بيت الطاعة، ومصر الى زعامة ما يسمى بمحور الاعتدال العربي، اي الحفاظ على أمن اسرائيل وتكريس الهيمنة الامريكية على المنطقة.

بات ممنوعا ان تستبعد مصر دورها وسيادتها وتحتل مكانها كدولة اقليمية عظمى صاحبة مشروع سياسي ريادي يضعها على قدم المساواة والمنافسة وربما اقوى، من المشاريع الاخرى الايرانية والتركية والاسرائيلية.

اقتحام ميدان رابعة العدوية لو تم، هو الشرارة الاولى والاهم، للانقلاب الاسلامي على الانقلاب العسكري، ونقطة البداية لدخول مصر في دوامة عنف ستهز استقرارها، وتعمق انقسامها، وتفاقم من حالة الاستقطاب الحالية فيها والمأمول ان يستوعب الفريق السيسي وزملاؤه هذه الحقائق ويتراجعوا عن مخططاتهم لهذا الاقتحام.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد