استقرار القيادات الناجحة في الجامعات ضمانة لتقدمها

mainThumb

05-10-2013 08:29 PM

كَثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن تغييرات تنوي الحكومة إجراءها على عدد من رؤساء الجامعات الأردنية الرسمية، لا سيما في ضوء فشل وتعثر بعض رؤساء الجامعات في إدارة جامعاتهم والنهوض بها، سواء من حيث مواجهة المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها معظم إن لم يكن كافة الجامعات الأردنية جراء انخفاض الدعم الحكومي لها، أو من حيث مواجهة العنف الجامعي الذي شهد ارتفاعاً ملحوظاً في بعضها وصل إلى حد القتل، وجعل الجامعة مصدر خطر على المجتمع، أو من حيث الارتقاء بمستوى هذه الجامعات بشكل عام بما ينعكس على تصنيفها على المستوى العالمي حيث لا تزال الجامعات الأردنية عاجزة عن المنافسة، واحتلال مكانة متقدمة على سلم التصنيف العالمي لأفضل الجامعات لدرجة أن بعض الجامعات الأردنية هي أقرب إلى المدارس الثانوية.


الصحوة الحكومية المتأخرة بالالتفات إلى أحوال الجامعات بعد الانشغال بملفات أخرى سواء اقتصادية أو سياسية داخلية أو خارجية لا تعفي الحكومة من المسؤولية فالجامعات لا تحتاج فقط إلى إجراء تغييرات على قياداتها، وإنما تحتاج إلى إجراءات أخرى على الحكومة القيام بها لا يتسع المجال لتناولها في هذه العجالة، ونأمل أن نعود إليها في مقالة ثانية، ولكن هنا ينبغي الوقوف على عملية التغيير واختيار قيادات لبعض الجامعات، فاختيار رئيس للجامعة من المهام الصعبة في كافة المجتمعات، نظراً للدور الذي يلعبه رئيس الجامعة في قيادة الجامعة وتوجيهها لتحقيق أهدافها ورسالتها، وللإنصاف، فإن بعض رؤساء الجامعات الحاليين قد حقق إنجازات تستحق الثناء والتقدير، سواء على صعيد وقف الهدر والإسراف وضبط النفقات وتخفيض مديونية الجامعة، أو على صعيد إنشاء برامج وكليات جديدة ومشاريع استثمارية تصب في مصلحة الجامعة والمجتمع، أو على صعيد التميز في مستوى الخريجين في بعض التخصصات المطلوبة في سوق العمل بحيث أصبحت المؤسسات والشركات تتنافس على استقطاب هؤلاء الخريجين للعمل لديها قبيل تخرجهم.


ولكن في المقابل فإن بعض رؤساء الجامعات ولا سيما ممن جرى تعيينهم في صفقات سياسية، لإرضاء بعض المتنفذين بعيداً عن أسس الكفاءة والنزاهة وخروجاً على قوانين وأنظمة التعليم العالي، فقد أخفقوا بشكل واضح في القيام بأعباء المهمة وتحمل المسؤولية، فكانت النتيجة خسارة مزدوجة للجامعة وللدولة، فالجامعة تراجعت على أكثر من صعيد، والدولة خسرت من رصيدها بتراجع الثقة بجدية الدولة في الإصلاح ومكافحة الفساد، وتطبيق أسس النزاهة والجدارة والعدالة في اختيار القيادات للجامعات، وهي من أهم المؤسسات في الدولة الاردنية، إذ أن تعيين رئيس جامعة في صفقة سياسية تحت قبة البرلمان يمثل انقلاب على الخطاب السياسي الإصلاحي الذي تدعيه الدولة.


أيضاً، مجالس الأمناء كقيادات مشرفة على الجامعات لم تفلح أحياناً في القيام بالدور المنوط بها، فبعضها تحول إلى مجالس صوريّة توافق على كل ما يقدم لها، وبعضها أصبح له أجندة شخصية حاول تقديمها على المصلحة العامة، فيما قلة قليلة من مجالس الأمناء تراقب عن كثب ما يدور في الجامعة وتفحص وتدقق وتمحص كل ما يقدم لها، ولا غاية لها سوى خدمة الجامعة والنهوض بها، وللأسف فإن آلية اختيار مجالس الأمناء للجامعات آلية عقيمة بعيدة عن الشفافية، ويكفي أن أقول أن أحد أعضاء مجلس الأمناء لإحدى الجامعات الرسمية في شمال الأردن قد مارس النصب والاحتيال على عدد من البنوك والشركات ورجال الأعمال بما يقارب 200 مليون دينار، ثم هرب من البلاد وهو الآن مطلوب للعدالة، إن صدور الإرادة الملكية السامية بأن يكون مثل هذا الشخص عضواً في مجلس أمناء جامعة أردنية هو إساءة صريحة وكبيرة لسمعة ومكانة الجامعات الأردنية، وهو محصلة طبيعية لغياب الأسس الصحيحة في اختيار أعضاء مجالس الأمناء.


هذه الظروف أو السياسات غير الحكيمة في التعامل مع الجامعات أدت بالمجمل إلى تراجع الجامعات الأردنية، وأصابت قيادات الجامعات بحالة من اليأس والإحباط، ولا سيما اللذين اجتهدوا وكان أداءهم جيداً فهم لا يعرفون إن كانوا سيتمكنون من إكمال مدتهم وتطبيق برامجهم وتنفيذ رؤاهم في تطوير جامعاتهم، أم أنهم عرضة للتغير فيذهب الصالح مع الطالح، لا بل ربما يبقى الطالح إذا كان قادراً على الحصول على دعم برلماني.


الجامعات الأردنية كانت يوماً ما تمثل قصة نجاح ومبعث فخر واعتزاز للأردن، وكان يتم اختيار رئيس الجامعة على أسس واضحة وبعيداً عن البرلمان والحسابات الأخرى، ولم يكن يتم إنهاء مدة رئيس جامعة دون مبرر، وعندما أصبح يتم انتقاء رؤساء الجامعات على أسس إقليمية وعشائرية وشخصية، وأصبح التعامل معهم من حيث النقل وإنهاء المدة بأسلوب أقرب إلى مدراء المدارس ولا نريد أن نقول عمال النظافة كما وصف الوضع أحد رؤساء الجامعات الأردنية، فقد فقدت الجامعات الكثير من هيبتها وعناصر قوتها وتقدمها، فتراكمت المصاعب والتحديات، وتراجع الأداء وانعكس الوضع على الجامعة والمجتمع.


الجامعات الأردنية هي آخر قلاع الدولة الأردنية ولا تحتمل المقامرة والمغامرة، وإذا كان هناك توجه لدى الحكومة في إجراء تغييرات على بعض رؤساء الجامعات، فإن هذه التغييرات يجب أن يواكبها تغييرات على بعض مجالس الأمناء، وأن تكون التغييرات سريعة ومدروسة بعناية وغير خاضعة لاعتبارات سياسية أو جغرافية أو شخصية، وبالتالي نعيد للجامعات مكانتها وألقها، ويتم محاسبة المقصر، ومكافأة المجد ومنحه الفرصة لقطف ثمار ما زرع، فاستقرار القيادات الناجحة والكفؤة في الجامعات الأردنية ضرورة ومصلحة وطنية، وضمانة أكيدة لاستئناف مسيرة النجاح والتميز في تلك الجامعات، بأفق واسع يضع مصلحة الوطن فوق كل المصالح والاعتبارات.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد