حملة الاغتيالات ظاهرة مرعبة لمصر

mainThumb

19-11-2013 03:55 PM

تشكل عملية اغتيال المقدم محمد مبروك الضابط في قطاع الامن الوطني، بعد مغادرته منزله في مدينة نصر، ظاهرة خطيرة جدا يمكن ان تؤشر الى مرحلة من العنف تزحف باتجاه البلاد نتيجة انسداد قنوات الحوار السياسي والمصالحة الوطنية ولجوء بعض الجماعات الى الارهاب والعنف والتشدد.

الفريق مبروك كان يتولى التحقيقات في محاولة اغتيال اللواء محمد ابراهيم وزير الداخلية المصري، وكشف عن هوية ضابط سابق في الجيش قاد السيارة المفخخة التي انفجرت اثناء مرور مركب الوزير، كما انه شاهد الاثبات الاول في قضية هروب الرئيس المعزول محمد مرسي وقادة اخوان آخرين من سجن وادي النطرون، ومن هنا فان استهدافه بالاغتيال كان مخططا له بعناية فائقة، ولتوجيه رسالة قوية، ومرعبة، الى ضباط امنيين آخرين مفادها ان يد الانتقام “ستصل اليكم” آجلا ام عاجلا، وهذا فأل مرعب لمصر وامنها.

من الواضح من خلال وقائع عملية الاغتيال هذه، ان الجماعات الجهادية المتشددة التي تتعرض لعملية استئصال شرسة من قبل الجيش في صحراء سيناء بدأت تتسلل الى القاهرة ومدن مصرية اخرى، وتعمل على نقل الحرب الى العمق المصري، والعاصمة على وجه الخصوص.

وما يؤكد هذا الاستنتاج ان الفيديو الذي بثته جماعة “انصار بيت المقدس″ حول عملية اغتيال اللواء ابراهيم، وتضمن تكبير منفذها قبل التفجير، وقوله انه يقدم على هذا العمل انتقاما لزملائه الذين “استشهدوا” على يد الجيش المصري والامن في سيناء.
السيد محمد علي بشر القيادي شبه الوحيد من حركة الاخوان المسلمين الذي بقي خارج السجن سارع بادانة عملية اغتيال المقدم المبروك، وقال ان “سياسة الاغتيالات مرفوضة تماما ولا تليق ان تكون اسلوبا للحياة بين ابناء الوطن الواحد، فضلا عن كونها محرمة ومجرمة شرعا وقانونا”، لكن هذه الادانة لم تجد آذانا صاغية، ولم تقنع بها او تقبلها السلطات الحاكمة واجهزة اعلامها التي سارعت باتهام حركة الاخوان المسلمين بالوقوف خلف هذه الجريمة، وقبل بدء التحقيقات الرسمية لفك اسرار الجريمة البشعة.

***

ظاهرة العنف والارهاب هي آخر ما تحتاجه مصر هذه الايام في ظل الازمة الاقتصادية الطاحنة نتيجة تعطل معظم وسائل الانتاج، وانهيار السياحة، وارتفاع معدلات البطالة، وهروب الاستثمارات الخارجية، فمصر تحتاج الى مليار دولار شهريا لتغطية عجز في ميزانيتها ومواجهة الاعباء المعيشية الضرورية لتسعين مليون مصري يعيش اكثر من نصفهم تحت خط الفقر.

واذا صحت التقارير القادمة من سيناء وتفيد بأن الجماعات الجهادية تخطط لضرب الملاحة في قناة السويس، فان هذا يعني ان مصر تقف على حافة كارثة مزدوجة: امنيا واقتصاديا، امنيا لان اي عمل ارهابي كهذا سيهز صورة مصر ونظامها، ويظهرها بمظهر العاجز عن حماية اهم شريان ملاحي في العالم بأسره، واقتصاديا لان قناة السويس التي يمر عبرها ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا تدر دخلا سنويا مقداره 100 مليار جنينه (18 مليار دولار) اي ثاني اكبر دخل بعد السياحة (120 مليار دولار).
وما يثير قلق السلطات المصرية ان سفينة نقل حاويات تدعي “كوسكو آسيا” تعرضت لهجوم بقذائف “ار بي جيه” في اواخر شهر آب (اغسطس) الماضي اثناء عبورها قناة السويس جنوب مدينة بورسعيد، وجرى تصوير عملية الهجوم هذه وصيحات التكبير التي تشي بهوية من نفذها اي كتائب الفرقان الاسلامية، والشريط موجود على “اليوتيوب”.

ردود الفعل الانتقامية الشرسة التي يمارسها الجيش المصري في سيناء لاستئصال الجماعات الجهادية، وتشمل اعتقالات جماعية، ونسفا للبيوت، وقتل المشتبهين بالارهاب وبعضهم ابرياء، نجحت في اضعاف هذه الجماعات بالفعل، ولكن هذا النجاح قد يؤدي الى نتائج عكسية من حيث تسربها الى العمق المصري، والذوبان في المدن الكبرى، وتجنيد الشبان الغاضبين في صفوفها ما اكثرهم.

مهمة الجيش المصري في سيناء ليست سهلة، فقد ظلت هذه المنطقة خارج نطاق سيطرة الدولة لعقود بسبب بنود اتفاقات كامب ديفيد، التي تحرم عليه التواجد فيها بأسلحة ثقيلة وطائرات حربية، واعداد كبيرة من الجنود، وهي بنود تغاضت عنها اسرائيل في الاشهر الاخيرة في اطار التنسيق مع الجيش المصري للقضاء على هذه الجماعات التي شكلت تهديدا لها وامنها من خلال اطلاق الصواريخ على ميناء ايلات واهداف حيوية اخرى، بثت الرعب في صفوف المستوطنين.

ارتفاع شعبية الفريق اول عبد الفتاح السيسي قائد الجيش، والحاكم الفعلي لمصر، في اوساط المصريين في القاهرة ومدن اخرى ربما تكون حقيقة، ولكنها ربما تكون ليست كذلك في اوساط معظم سيناء وسكانها الذين عانوا ويعانون من اهمال الحكومة المركزية، وبلغ غضبهم ذروته عندما انقطع مصدر رزقهم من التهريب غير المشروع للبشر، والبضائع، والسلاح، بفعل حملات الجيش المصري الشرسة، وتدمير انفاق قطاع غزة، واذا انتقل الارهاب واعمال اللاغتيال والتفجير الى داخل المدن المصرية، وتراجع الدخل من قناة السويس، وقطاع السياحة كذلك، فان هذه الشعبية قد تتأثر سلبا، بطريقة او باخرى وبنسب متفاوتة.

***

مصر تحتاج الى حوار، ومصالحة وطنية، مثلما تحتاج الى الابتعاد عن سياسات الاقصاء، ومحاكم التفتيش، ونحن نقصد الحوار مع الجماعات الاسلامية غير العنيفة، واشراكها في العملية السياسية وحل حزب الحرية والعدالة لم يكن خطوة في هذا الاتجاه في تقديرنا، والشيء نفسه يقال ايضا عن حل جماعة الاخوان المسلمين، لان مثل هذه الخطوات الاقصائية تصب في مصلحة الاجنحة المتشددة، وتقوي حجتها باللجوء الى العنف والارهاب، وما حصل في الثمانينات والتسعينات هو اكبر دليل في هذا الخصوص، مع الأخذ في الاعتبار ان وجود العديد من الدول العربية الفاشلة وعلى حدود مصر على وجه الخصوص، يوفر البيئة الملائمة للجماعات المتشددة، للقيام بانشطتها المعادية للدولة واجهزتها العسكرية، والامنية بل والمدنية ايضا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد