مُسْتَنْقَعُ الادْمانٌ مُرْهِبٌ

mainThumb

10-12-2013 11:42 AM

لربما نلجأ لتفتيت بعض الذكريات.. نكلم أدمغتنا بسبب صعوبة ظروف الحياة، وتبرع ذاكرتنا بإحتواء التفاصيل المؤلمة، وإصطناع أحداث مركبة بتصاف كـ ليجو يتملكها طفل راشد.. بالواقع همومنا بالغة لسن الرشد، وعقولنا مازالت رعنة تنتقص كثيراً من الرمال لتتم قصارتها، ومازالت هيئتها بحاجة لرفوف والمكدسات فكرية لتبدل تشكل الفكر المنتقص ولتكمل هيئتها لتوافق مع عزفات سمفونية الحياة..
 

تلك الظواهر الحياتية تجتاح الاوساط الإجتماعية، وكأنما أمطار الشتاء تكتحل تلك التفاصيل في المواسم الباردة.. المخدرات، مصطلح متشعب الأصول.. هل تعد ظاهرة الإدمان على المخدرات بلية أم وسيلة إرتياح؟ ما الأسباب التي ساهمت في التسبب بالإدمان على المخدر؟ وما مدى تأثير هذه الظاهرة على الفرد والوسط الإجتماعي؟ وما هي العلامات المؤشرة الدالة على الشخص المدمن؟ هل يمكن لمتعاطي المخدرات الشفاء من المواد المعطاة؟

 
كثيرة هي الاسئلة التي تجتاح أفكارنا وكأننا بدأنا العزف بمقطوعة دون سلم موسيقي او درج يحتوي النغمات. إستوقفني مشهد معروض على موقع ويب منتج من قبل مديرية الأمن العام قسم إدارة مكافحة المخدرات.  للتعمق بالحديث عن ظاهرة إجتاحت أجساد عدد كبير من الذكور والإناث في الأردن..

 
المخدرات مجموعة مواد تساهم في الإدمان الجسدي والنفسي وتجتاح الجهاز العصبي تحديداً، لذلك يمنع تعاطيها أو إمتلاكها أو بيعها و زراعتها؛ إلا لأسباب محددة من قبل الدولة، أو إستخدامها كـ عقار لمرضى السرطان فهنالك بعض المنتجات المخدرة تستخدم في الجراحة أو لأغراض صحية محددة من قبل الدولة وفق نسب معينة، وهذا تماماً جزء من حديث يسمح تناقله في الوسط العلمي والديني..
 

تتنوع المخدرات حسب نسبة الجرعات والمصادر.. فمنها مايعد مخدر طبيعي كـ: الحشيش والافيون والكوكا والقات.. ومنها ما يعد مخدر مصنع كـ: الهيرويين والمورفين والكوكايين والكراك.. ومنها ما يعد مخدرات تخليقية تكون على شكل حبوب أو حقن أو مساحيق أو أشربة كـ  الكبتاجون و الارتين و الفاليوم وال اس دي..
 

وبعضها يكون على شكل عقاقير منشطة ومنبهات مثل (حبوب الكبت) التي تستخدم كـ منشطات عقلية للدراسة وخصوصاً من قبل طلبة التوجيهي، ومن هنا تبدأ مأساة الادمان الفعلي، حيث يلجأ العديد من الاهالي والطلبة بدافع تنشيط عقول ابنائهم او تحفز خلايا الدماغ على حفظ بعض المعلومات دون دراية بمخاطر هذا النوع من الحبوب بالتحديد، لانحكم على الفئة التي تلجأ لطرق كهذه بالتخلف الاجتماعي او الجهل فكثير منا رغم علمه يفتقر بعض الاحيان لثقافة تتناول جانب خطير كـ (حبوب الكبت)، بالواقع هذه الحبوب التي لا تسهم في تنشيط خلايا الدماع بل اسهامها اخطر بكثير، فالمتعاطي لهذا النوع من الحبوب يعتبر مدمن مخدرات ويعامل بإدمانه كـ سائر متعاطيها، وجنايته امتلاكها تماما كـ جناية من بمتلك هيرويين او حشيش..

 
من الأسباب التي تؤدي لإدمان المخدرات، المشاكل الأسرية والتي تعد من أهم العوامل المساهمة في تبلور مشكلة الإدمان الإجتماعي ومنها: الطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو غياب الأم والأب المتواصل عن المنزل، ومن أهمها أيضاً رفاق السوء وضعف الوازع الديني و فساد البيئة المحيطة و أوقات الفراغ والحالة الاقتصادية والثقافة السائدة والعلاجات الطبية..
 

ويعد تناول المخدرات بلاء جسدي ونفسي وإجتماعي حسبما أدلت مؤسسات الأمن العام الدولية، إذ أجمعت الدوائر الإختصاصية على ضرر المخدرات صحياً ونفسياً وأسرياً ودينياً وإقتصادياً. ومن الأضرار الصحية بالغة الأثر والتي يمكننا كشف متعاطي المخدرات من خلالها: الضعف العام والتعرق التعزير والتمرد إحمرار العينين وكثرة النوم أو البقاء مستيقظ لساعات طويلة وتقلب المزاج.
 

من الأضرار البالغة الأثر على الفرد ذاته؛ ألا وهي الأضرار النفسية كـ: صعوبات النطق والتوتر النفسي والقلق المستمر والشعور بعدم الإستقرار وإهمال النفس والمظهر والعصبية الزائدة والحساسية المفرطة، وتقلب المزاج. ومن يغفل عن أهم الأضرار التي تلحق بالمجتمع كلل والتي تنتج عن الإدمان أهمها: التفرقة الإجتماعية وتجنب الجلوس بالأجواء الأسرية وإنتشار الجرائم التي تنتج عن إدمان المخدر والكحول والتي تعطي الشجاعة واللامبالاة في إرتكاب الجريمة.
 

ولا يتوارى تأثير ضرر المخدرات عن الإقتصاد بل على العكس تماما فأن الإقتصاد من أكثر الجوانب تأثراً بالإدمان فهو من أهم العوامل التي تهلك الأموال و تخرب البيوت وتيتم الأطفال وتجعلهم يعيشون في الفقر والحرمان، و تشكل العصابات العالمية التي تدعم المخدرات وتسهم في تفاقم مشكلة البطالة.

 
ومن الأضرار التي تسهم في دمار الإنسان في الدنيا  والآخرة؛  الأضرار الدينية: حيث يصرف الشخص المدمن عن ذكر الله وعن الصلاة -عماد الدين-، يذهب الحياء و تقضي على  الخير في الإنسان وتوقع البغضاء والفاحشة بين متعاطيها.

               
وكما أشارت دائرة مكافحة المخدرات؛ فإنه يمكن الشفاء من آفة إدمان المخدرات على مراحل ويتطلب ذلك الرغبة الصادقة من المدمن، وتتم متابعة المريض من قبل فريق طبي متخصص يساعد المدمن على تخطي الإدمان وعودة الأجهزة لوضعها الطبيعي. ويمكن لمدمن المخدرات اللجوء لمديرية مكافحة المخدرات لتلقي العلاج السري دون أي مساءلة قانونية أو أي ضغط. ويمكنه الدخول للدائرة وتلقي العلاج بأسم مستعار دون الكشف عن هويته، أو التعرض لإبتزاز باي شكل من الأشكال.


نعلم بأن عقولنا ليست مهواة لكل جديد، تماما كما نعلم بأن كل ما يرتبط بهذه التفاصيل يؤذينا.. وبطابع نضجنا الإجتماعية أولا، وقبل الدخول بأي تفصيل ثقافي؛ أن أحدنا لايمكن أن يدمر ذاته ويجعلها كـ منفضة الغبار متخبطة ببعضها البعض، وندرك تماما بأن هدم لبنة إجتماعية مكونة من عائلة يسهم في إضعاف أسوار قلعتنا، ما بالنا أن كان الهدم عشوائياً بطَرَّقَات متفرقة، و بضربات متتالية على جدران قلاعنا؛ بإستخدام مطرقة ضخمة لاترحم ذرات التراب ما بالكم الأجساد..
 

لكل منا مقطوعة عزف لا يمكن إقتصاص جزء منها فـ بكاملها يصل خيالنا للتمتع بعظمة الحياة، ولكل أنسان تفاصيل وبسمات لا تحلو الحياة إلا بوجودها، فـ هل يمكنك تدمير إبتسامة أم أو زوجة أو طفلة بحاجة لسِتارك لتعشق تفاصيل الحياة.. فـ هم أمانة بظلك، ونور وجهك يسهم في نموهم وإرتقائهم تماما كما الأزهار.. فلا تكن مأخوذ بلعنة شهوة لا تقضي عليك وحدك؛ بل تتفاقم في جسد المجتمع كـ مرض خطير.. وتذكر دوماً نحن خلقنا لنرتقي من ضعفنا وهمومنا؛ للكمال، لا لننحدر لأسفل مستنقعات بحيرة الحياة..

raboshql@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد