النهج النبوي في مواجهة المستهزئين؟!

mainThumb

16-01-2015 11:36 PM

 الإساءة والأذى الواقع على المسلمين ورسولهم العظيم عليه السلام لم يكن وليد اللحظة ، وإنما قديم قدم الرسالة السمحة ، يقول تعالى :" لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ "، آل عمران ، 186، ويقول عزوجل :" وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا "البقرة: من الآية109.

 

أما الجديد الذي ينتهجه المسلمون ؛ فهو الأسلوب الإنفعالي الذي يتبعونه في التعامل مع المعتدين والمستهزئين بالدين وبصاحب الرسالة عليه السلام ؛ حيث يقدمون بذلك خدمة مجانية لهؤلاء المتطرفين من غير علم ؛ خاصة عندما يعيدوا نشر وبث المواد المسيئة بين اتباع الدين الحنيف!!!.
 
وحتى نبين النهج الصحيح والأنجع في مواجهة أعداء الدين والإنتصار عليهم بإخلاقياتنا وتسامحنا ؛ نعود لنهج صاحب الخلق العظيم ؛ عليه السلام ؛ ونعرض بعضا من روائع سننه الإنسانية في تعامله مع أعدائه المباشرين ؛ والذين تجاوز إعتدائهم السب والإستهزاء الى محاولة القتل والنيل من شخصه عليه أفضل الصلاة والتسليم.
 
لقد تجسد عفوه؛ صلى الله عليه وسلم ؛ حين كان في غزوة ذي أَمَر ، وثيابه مبتلة من المطر الغزير الذي نزل بهم ، فجلس تحت شجرة ونشر ثيابه لتيبس من البلل ، فرآه المشركون المعتصمون برؤوس الجبال خالياً وحده ، فنزل رجل منهم يقال له غورث ، أو دعثور بن الحارث ، نزل بإيعاز من إخوانه المشركين، وكان أشجعهم وأقدرهم على القتال ، فمشى حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد سل سيفه ، وقال: ما يمنعك مني؟، فقال صلى الله عليه وسلم: الله!! ، فسقط السيف من يده ،فأخذه النبي الكريم وقال: من يمنعك مني؟" قال  دعثور: لا أحد ، وأنا أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ووالله لا أُكثر عليك جمعا ً أبداً، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفاً فرجع إلى قومه ، فقالوا له : ويلك مالك؟ فقال لهم : نظرت إلى رجل طويل فدفع في صدري فوقعت لظهري، فعرفت أنه مَلَك ، وشهدت أن محمداً رسول الله ، ووالله لا أُكثر عليه جمعاً، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام ،وقد نزل في هذه الحادثة وفي نظائرها قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون "المائدة-11) . 
 
وفي حادثة اخرى ،عندما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه فقام الرسول صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله : إنما خيرني الله فقال:اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ،التوبة:80. وسأزيده على السبعين، قال: إنه منافق. يقول ابن عمر: فصلى عليه رسول الله، فأنزل الله عز وجل هذه الآية:وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ" ،التوبة:84.
بعد فتح مكة جيئ للرسول العظيم؛ عليه السلام ؛ بوحشي قاتل عمه حمزة بن عبد المطلب فعفى عنه لما أسلم وحسن إسلامه ، ولاننسى عفوه العظيم عن قريش عندما قال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء !!!، والكثير الكثير ؛ الذي لانستطيع حصره بمقال قصير.
وبإختصار؛ لقد بلغ الأمر فى الخصومة بين رسولنا العظيم ؛ عليه السلام ؛ وبين قريش حدا لم يصل يوما ما بين فريق وفريق فقد ألقوا عليه التراب وحاولوا قتله وأتهموا زوجه بالافك . واتهموه بأنه ساحر  وكذاب ومجنون ، وسقوا أصحابه كؤوس العلقم خلال ثلاثة عشر سنة ومع ذلك فقد واجه ذلك كله بالصبر و الصمود و الإحسان لمن يسئ و العفو عمن يظلم، ولما أمكنه الله منهم عفا عنهم!!!.
 
إن فهمنا الصحيح لمبادىء ديننا الحنيف ؛ لايكتمل من غير الإقتداء الحقيقي بسنة رسولنا العظيم؛ عليه أفضل الصلاة والتسليم؛ والفهم الحقيقي لمقاصد هذا الدين العظيم ؛ فالعنف والتطرف والأرهاب مفردات لايقرها الاسلام في مبادئة السمحة ؛ كونه دين الوسطية والإعتدال ؛ وهذا الدين لايجيز إجبار الآخرين على إتباعه، ولا يقر بإستخدام العنف كوسيلة للدعوى والحوار ؛ لأنه قائم أساس من الحوار الإنساني المتجذر ومنذ أربعة عشر قرنا ؛ كيف لا ؛ وقرآننا الكريم يخاطبنا بقوله تعالى :" ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ...، النحل 125، وعليه ، نتساءل : هل نحن فعلا نعي جيدا مقاصد ديننا الحنيف في مواجهة المستهزئين؟!، وهل تداول ما يبثه المغرضين بين اوساط المسلمين يخدم ديننا أم يحقق أهدافهم الخبيثة ؟!؛ وهل ردة الفعل الإسلامية تنسجم والنهج النبوي في مواجهة المستهزئين ؟!.
 
a.qudah@yahoo.com
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد