قال الهزَّاني : ( .. إثْرِهْ جبين إصْويحبي ، واحسبه برق )!

mainThumb

28-01-2015 01:49 PM

الشاعر محسن بن عثمان الهزاني ؛ من عنزة ( 1130 – 1210 ) للهجرة ، من منطقة الحريق ، شاعر نبطي عُرِفَ بشعره السلس ، وهو رأْسٌ في التشبيب ، كما وُجِدَ في الفصيح مجنون بني عامر ، وجميل العذري ... فهذا على طرازهم ولكن بالنبطي ( العامي ) ، له قصيدةٌ رائعةٌ ، وهي قصيدة لها قصةٌ ، ومفادُها : أن فتاةً بارعة الحسن والجمال ، كانت في منطقة الشاعر ، وخشيَ أبوها أن يُبْصِرَها الهزَّاني ، فَيُشَبِّبَ بها ، فوضعها أبوها في روشن ( غرفة في الأعلى ) ، ولكن الهزَّاني استطاع الوصولَ إليها عن طريق بئر كان يوصل الماءَ إلى القصر الذي فيه الفتاةُ ، واسمها ( هيا ) ، وكان لها خادمَةٌ تمشطُها ، وتقول : لو رأى الهزَّاني هذا الشعرَ ؛ وذلك لجمالِ شعرِها ، وطولِهِ !

فقالت الخادمة :

أصفر مع أصفر ، ليت محسن يشوفه
...... تَوِّهْ على حَدْ الغرض ما بعد لَمْس .

فخرج الشاعرُ محسنُ مِن مكمنِهِ ، وقال :

أربع ليالٍ ، ومرقدي وسط جوفه
...... البارحه ، واليوم، وأمس ، وقبل أمس .

ثم هرب ، وجاء مجلساً فيه أصدقاؤه ، وقد شكُّوا في غيابِهِ ، وعلموا أنه كان عند المحبوبةِ ، وأرادوا أن يستخرجوا الخبرَ منه ، حيث قام أحدُهم بذكر البرق ولمعانِهِ حتى يستدرجوه بذكر ( هيا ) ، فوقع الهزَّانيُّ في شراكهم ، وأفصح عن قصتِهِ وخبرِهِ ؛ فقال :

برقٍ تِلالا ، قلت: بامر عِزَّ الجلالا
..... واثْرِهْ جبين صويحبي ، واحسبهْ برْقْ

ومبسم هيا له بالظلام اشتعالا
...... بين البروق ، وبين مبسم هيا فَرْقْ

ياالله ابْنَوٍّ مِدْلَهِمْ الخْيَالا
..... طَافْحٍ ربابَهْ مثل شَرْدْ المَهَا الزُّرْقْ

لا جَاْ على البكرين بنا الحلالا
...... ولا عاد به يفصلْ رَعَدْها عن البَرْقْ

عساه يسقي ديرتي بالكمالا
..... وِوَدِّعْ نعام ديار الأجواد ، له طَرْقْ

يسقي اغْرُوْسٍ عُقْبْ ما هي اهْمَالا
..... يصبح حمامه ساجعٍ يلعبْ الوَرْقْ

روشن هيا له فرجتين شمالا
..... بابٍ على القبلهِ وبابٍ على الشَّرْقْ

يا شبه صَفْرا طار عنها الجلالا
...... طويلة السَّمْحوق تنزح عن الدَّرْقْ

له ريقٍ احلى من حِلِيب الجزالا
...... واحلى من السِّكَّرْ اليا جا من الشَّرْقْ

أخَذْتْ منها ( ؟ ) تلالا
..... يوم إنْ نسناس الهوى يِطْرِقِهْ طَرْقْ

جَرِّيْتْ أنا صوت الهوى بِاحْتِمالا
...... في وسط بستانٍ سقاه اربعٍ فُرْقْ

طبّيت مع فرعٍ جديد الحْبَالا
...... وظهرتْ مع فرعٍ تِنَاوح به الوُرْقْ

حَنِّيْتْ أنا حَنِّةْ هزيل الجمالا
...... تنقل رُوِيَّ الخيل ، قد حَسَّهْ الفَرْقْ

فيا قُلِّةٍ في عاليات الجْبَالا
...... ماها قراح مِيْر مِنْ دُوْنها غَرْقْ

ماعاد للصبيان فيها احتمالا
...... من كُوْد مَرْقَاها يِديْهم لها طَرْقْ

قالوا : تُتُوْبْ عن الهوى قلت : لا لا
...... إلا تتوب إرماح علوي عن الزَّرْقْ

وقالوا : تُتُوْب عن الهوى قلت : لا لا
...... الا يِتُوْبُوْن الحَنَاشِلْ عن السَّرْقْ
 
وقالوا : تتوب عن الهوى قلت : لا لا
..... الا تُتُوْبْ الشمس عن مطلع الشَّرْقْ .

وهذه القصيدة على عامِّيَّتِها إلا أنها تقطرُ عذوبةً ، وسلاسةً ، كأنها صوتُ حمام ٍ في وارف الأغصان . ألفاظُها واضحةٌ إلا بعض الألفاظ التي تليق بذاك العصر أو تناسبُ تلك البداوة ، منها :

1 – يا شبه صفرا طار عنا الجلالا : الصفرا هي الناقة ، والجلالا نوع من الزينة كانت توضع على الناقة لحسنها ونفاستها ، وأصالتها .

وهذا المعنى استفدتُه من بعض المواقع الاكترونية التي تناولتْ هذا المعنى .

2 – إرماح علوي : علوي فخذ من قبيلة مطير الكريمة امتازت بالشجاعة والبسالة .

2 – الحناشل : كلمة عامية ، ليست فصيحة ، وهم اللصوص والصعاليك
.
والهزَّاني قال : إنَّه لن يتوبَ من الهوى والحب ! وربط التوبةَ بأشياء مستحيلة الحدوث ما دمنا في هذه الحياة ، مثل عدم طلوع الشمس من الشرق ، وطلوع الشمس من المغرب سيكون ، وهو من علامات الساعة الكبرى .

وكذلك ربط توبتَهُ من الهوى ، بتوقُّفِ اللصوص عن السرقة !

ومرَّتْ الأيام ، فأقلع الهزَّاني عن الهوى ، ومال الى الزهد والتَّنَسُّكِ كما ظهر في أشعاره التي تدعو إلى تَرَقُّبِ الآخرة ، وصرفِ النظرِ عن هذه الفانية ، وهذا بعد تقدم العمر ، ورحيل الشباب .

فهي كلماتٌ يقولها الإنسان بنتَ ساعتها ، ثم يتحوَّلُ عنها بل قد يبغضُها ، لأسباب تنبتُ مع الشاعر ؛ فتثمرُ تَجاربَ تعطيه صفةَ الوقارِ والحكمة .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد