داعش .. خطة (ب) في الاستراتيجية الأمريكية للشرق الأوسط !

mainThumb

19-02-2015 09:25 PM

 النظام الدولي الجديد الذي بشرت به كوندوليزا رايس حول الشرق الأوسط الجديد والفوضى البنّاءة أو الخلاّقة التي تراهن عليها الإدارة الأمريكية في المنطقة؛ إنطلق من فرضية "أن السياسية الأمريكية السابقة تجاه المنطقة؛ وبشكل خاص في العراق، ساهمت في تشويه سمعة أمريكا لدى الشعوب وكذلك تكبيدها الخسائر الفادحة في الأموال والأرواح، ناهيك عن الخسارة الأخلاقية لدولة تبشر بثقافتها الديمقراطية لدى الشعوب." والشق الآخر من الفرضية يتمثل بتنامي كراهية الشعوب العربية للإدارة الأمريكية على افتراض أن الأخيرة تدعم أنظمة مستبدة وفاسدة؛ وبالتالي انتقلت الشعوب من حقدها على قادتها إلى الحقد على أمريكا الداعمة لهؤلاء القادة. 

 

وعليه ؛ فقد بنى أوباما استراتيجيته بشكل مغاير لسلفه؛ فوضع شروطا لابد من توافرها في قادة دول المنطقة ومنها: عدم الاكتفاء بصداقة هؤلاء القادة للولايات المتحدة والمحافظة على مصالحها في المنطقة ليشمل أيضا القبول الشعبي للقادة وأهليتهم في إدارة شؤون الدولة بحد أدنى من الفساد؛ بحيث يجري تغيير الأنظمة التي لا تنطبق عليها هذه الشروط بأيدي شعوب دولهم من خلال حراك سلمي يُدعم عسكريا من القوات الأمريكية بشكل غير معلن (القياده من الخلف )؛ كما وتتولى بعض الدول الغنية بتغطية الكلفة المالية لهذا التغيير والتبشير الإعلامي له. 
 
وتنفيذا لهذه الإستراتيجية انطلق الحراك المصري قبل سنوات ضد أكبر حليف لأمريكا وسط تحذيرات امريكية للجيش المصري بعدم التدخل. وكانت تصريحات كلينتون الأسبوعية تتضمن: حق الشعب المصري في التعبير والمطالبة بحقوقه بشكل سلمي .. واستمر الضغط على مبارك. ورغم الدعم الإسرائيلي، فإنه تنحى عن السلطة بشكل أرعب معظم أصدقاء أمريكا لاستغرابهم من التخلي عن هذا الحليف الاستراتيجي وبهذه السهولة. 
 
 وفي ضوء التجربة المصرية تحركت شعوب عربية أخرى بدعم أمريكي لاستبدال أنظمتها بأنظمة ذات قبول شعبي؛ غير أن السحر انقلب على الساحر، ذلك أن معظم الحراكات العربية أفرزت قيادات إسلامية، وهو بالتأكيد أمر يشكل خطرا استراتيجيا على الولايات المتحده وحليفتها إسرائيل؛ فكان لابد من التعديل الفوري على الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة. 
وقد شمل التعديل مسارين متتابعين: الأول ويمكن إعتباره خطة "أ"، وتمثّل في الانقلاب على الديمقراطيات الوليده "الشرعية"، وذلك بالتعاون مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة - دولا وجماعات وأفرادا، فكان انقلاب السيسي المباشر في مصر؛ والانقلاب غير المباشر على الديموقراطية التونسية، والتراجع الأمريكي في دعم الحراكات العربية الأخرى، والأهم من ذلك، التغيير المفاجئ في الموقف من عملية إسقاط النظام السوري. 
 
الأميركيون وحلفاؤهم في المنطقة أدركوا بما لا يدع مجالا للشك أن الإسلام الحقيقي هو المحرك الرئيس لشعوب المنطقة، وأن أي عملية ديمقراطية حقيقية ستؤدي حتما إلى وصول الإسلاميين للسلطة وبشكل مريح. كما أيقنوا أن سقوط الأسد سيعرّض الأمن الإسرئيلي للخطر؛ لعدم قدرة أمريكا وحلفائها بالسيطرة على أي نظام ثوري سيخلفه بالحكم. لذلك تم تغيير مخطط إسقاط الأسد وتراجع الحلفاء عن عملية دعم وتمويل المعارضة السورية. 
 
هذه الاستنتاجات التي توصل اليها الأمريكان دفعت بإتجاه مسار آخر والذي يمكن إعتباره خطة "ب"، وأراد الأمريكان من ورائه تشوية صورة الإسلام لدى الغرب، وخاصة بعد دخول العديد منهم في هذا الدين الحنيف. كما أرادت إسرائيل بتحقيقه تفكيك ما تبقى من جيوش عربية قد تشكل خطرا مستقبليا على وجودها؛ وأعني الجيشين الأردني والمصري، إضافة إلى رسم خريطة الشرق الأوسط بطريقة "جهنمية" من خلال تقسيم المقسم وتجزئة المجزّأ. وهذا الحال لبّى حاجة فارسية قديمة لدى إيران لتمكينها من مد نفوذها الطائفي في المنطقة العربية والسيطرة قدر الإمكان على عواصم عربية جديدة مقابل التخلي عن الثروات البترولية لصالح الأمريكان؛ بمعنى زواج متعة سياسي بإمتياز - الأرض مقابل الإنسان ! ووجد هؤلاء أن أفضل طريقة لإخراج الخطة "ب" إلى حيز الوجود هو بتأسيس تنظيم وحشي يحمل اسم الإسلام في الظاهر ويتم إمداده بالأموال والقوة العسكرية والإعلامية وتهيئة كافة الظروف له للاستيلاء على مناطق وثروات تمكنه من مقاومة دول بعينها، وبعد ذلك يتم استخدامة في ترويع دول مختارة وإشغال الرأي العام العربي والدولي بخطورته وبشاعة أعماله. بالمقابل؛ تتاح فرص البقاء للنظام السوري وتبتعد الأنظار عن الإرهاب الحقيقي الذي تمارسه إسرائيل بحق الشعب العربي في فلسطين. وبذلك، تصبح قضية العرب الرئيسة: التصدي لإرهاب دولة "داعش"، بحيث تستنزف مواردهم في معارك كالسراب، بينما تعدهم أمريكا بدعم وهمي لن يتجاوز الأسلحة المستهلكة وثمن الذخائر التي سيعهد لدول المنطقة بدفعها. 
 
وخلاصة القول هي أن الربيع العربي أرادته أمريكا لخدمة مصالحها، لكن السحر انقلب على الساحر؛ وأن "داعش " صناعة أمريكية اتفقت مع مصالح صهيونية وفارسية لمحاربة دين الله وسنة رسوله العظيم - عليه أفضل الصلاة والتسليم.
 
a.qudah@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد