يا طير يا خافق الريش ..

mainThumb

02-03-2015 11:19 AM

 لقد اهتمَّ العربُ من قديم بما يُسَمَّى ( السامر ) ، وهو نوعٌ من أهازيج البدو يقومون به ليلاً ؛ فلذلك قيل له : سامر ، لأنه من السَّمَر وهو الجلوس ليلا على ضوء القمر ...

قال تعالى عن مشركي قريش : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ ) أي ؛ يجلسون ليلاً ، ويذكرون القرآن بالهجر من القول !

ولكل منطقةٌ نوعٌ من هذا السامري ، فسامر بلاد نجد يختلف عن سامر بلاد حِسْمى وسُكَّانها ، وقل ذلك في كل مناطق الوطن العربي الذي يتواجد فيه البدو ، فسامرُ نجد كلمات منظومة ترددُ جماعياً ، أما سامر ( الدحيَّة ) عند قبائل جذام قاطني حسمى وما حولها ، فهي واحدة لا تكاد تجدُ فرقا أو اختلافا ، الا ما ندر من اختصاص بعض البطون الجذامية ، فسامر الحويطات لا يختلف عن سامر الترابين أو الأحيوات أو التياها أو الجبارات ، والسواركة ... هي هي في الكلمات والأبيات والحركات التي تُؤدَّى .

وسنذهب إلى سامر أهل نجد ، وهي كلماتٌ غزلية قديمة عرفها أهل نجد ، ورددوها ؛ رافعين عن أنفسهم تَعَبَ الحياة ونصبَها .

فهذا رجلٌ يتغَنَّى بمحبوبته ، ويصفُ شعرَها مخاطباً الطير الذي حَمَّله السلامَ إليها ، فإن للمحبين علاقةً حميمة مع الطير خاصة ( الحمامة ) التي كَثُرَ ذِكْرُها مرَّة بالوَرقاءِ ؛ لأن الحمامة البرية لونُها يميلُ إلى لون الرَّماد الذي تُخَلِّفُه النار بعد خمودِها ، والعربُ تطلقُ الوَرِقُ على هذا اللون ، وهذا يذكرنا بِحَمَامِ الحرمِ .

يا طير يا خافق الريش
..... بَلِّغْ سلامي ، اوْثَنِّهْ
 
سَلِّمْ ع  بو عكاريش
..... اللي سَبَا العقلْ فَنِّهْ

شِفْتِهْ يِفَلِّ العكاريش
..... في روشَنِنْ مِدْهلِّنْ له
  
يا بو عيون مراييش
.....  من شافهن يَذْبَحَنِّهْ

وقذيلته كَنَّها الريش
..... ريحه زَبَادِ ، وخَنِّهْ .

وأبو عكاريش وصفٌ لمحبوبته ، والعكرشة في مقصود شاعرنا هو الشعر الطويل المتجَعِّدُ ، والمتلبِّدُ من كثافته ، وإن كنتُ لم أعثرْ على هذا المعنى في الفصيح ، إلا أنه ورد من معانيه للجذر ( عِكْرِش ) هو نبات ممتدٌّ من الفصيلة النجيلية ... ولعل هذا هو الارتباط  بين الفصيح ومقصود الشاعر .

وطول الشعر من صفات جمال المرأة ، ليس التقليد الأعمى للغربيات في قص الشعر حتى أنك لا تميِّزُ ذُكْرانَهم من إناثهم !!

وكلمة  يفل العكاريش  قد يُرادُ بها معنيان : الأولُّ أنها تنثر وتُسَرِّحُ شعرَها في غرفتها ( الرُّوشن ) وهي غرفة عُلْوِيَّة من المنزل ، والمعنى الثاني : وهي من التَّفْلِيَةِ ، وهو إزالة القمل ، وهي عادةٌ كانت عند النساء زمن انتشار هذه الحشرات الضارة ، وقد أدركنا ذلك .

ثم ينتقل الشاعر إلى وصف أهداب عيون المحبوبة : يا بو عيون مراييش .... من شافهن يذبحَنِّهْ ) ، حيث يصفها بالطول كأنها الرِّيْشُ !

وهي صفة عيون العربيات ، طول الأهداب مع الإسترخاء ، وهذا ما قصده الشعراء : ( المِراض ) . فهي تجد صعوبة في رفع جفنها من طول أهدابها ، فهن نواعسُ من غير نُعاس !

ثم يصف ( قذيلته ) وهي ما ظهر من شعرها جهة ناصيتها ( مقدم الرأس ) بأنها طويلة ، وريحها الزبادي والخنَّة وهما نباتان طيِّبا الريحة ، وهذا من اهتمام تلك المحبوبة بشعرها تفليةً وتسريحا وتعطيرا .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد