ألا خجل في الصحافة والإعلام !؟!

mainThumb

31-03-2015 09:47 AM

ليس من المستغرب أنْ نجد هذا العدد الكبير من المحللين والمفكرين والمفسرين والمبررين والمعللين والمخبرين (ناقلي الأخبار) ومن الصحافيين والمحاورين في الإذاعات ومحطات البث الفضائي,والكتابة في الصحف وعلى وسائل التواصل الاجتماعي المنفتحة على الأفراد والجماعات من كل أنحاء العالم,الذين يتناولون تداول الآراء في الأحداث الجسام التي تجتاح أقطارنا العربية بشكل خاص وعلاقة هذه الأحداث والتطورات بالقوى الدولية وصراعاتها وتضارب مصالحها,بين آن وآخر.

فقد تكاثر توالد تلك الوسائل الإعلامية وتكاثر المتداولون في شؤون العرب ومستقبلهم تبعا لذلك,بازدياد حاجة تلك الوسائل إلى تمضية الوقت الذي يصل البث فيه طيلة أربع وعشرين ساعةيوم.ويتعدد ارتباط تلك الوسائل الإعلامية,وتمثيلها لقوى وتيارات وحركات وجماعات مختلفة منها من يتحدث باسم النظم الحاكمة,أو الرسمية كما تشيع التسمية في وصفها,ومنها الناطقة باسم أحزاب أو كيانات سياسية أو مكونات قومية أوتيارات دينية من مختلف الطوائف والمعتقدات تتخصص في الدعوة لمعتقداتها السياسية والطائفية والدينية والعرقية,في أجواء متسعة (ولكنها ليست كاملة) من الحريات الصحفية والإعلامية.

ولكن ما يدعو للاستغراب أن المتابع لتلك الحوارات والمداولات والتحليلات ... لا يسمع غير الخوض في غمار الحدث بعد وقوعه وإشباعه وصفاً في نشرات الأخبار,وتكرار العبارات في الحوارات التي افتقدت معانيها دواعي تأثيرها على المتتبع  لما يدور في تلك الحوارات ,مما يضفي عليها طابع السطحية في طبيعة الفكرة والملل من تكرار التوصيف المصاغ بعبارات لم تعد تحمل في سياقها سوى كلام تقرأه في الصحف وتجده في عبارات على صفحات التواصل الاجتماعي وتسمعه من أكثر من وسيلة إعلامية مهما ادعت بخبرتها الواسعة وحياديتها الكاذبة.

وفي بعضها (أي الحوارات والتحليلات) كلام يؤدي إلى عكس مراده إنْ قصداً أو دون قصد من صاحبه. وندر أن ترد في الحوارات قراءات مسبقة لوقوع حدث تتوقع حدوثه, وتدعو للاستعداد لمنع وقوعه أو مواجهة الواقعة قبل وقوعها,وتحذر من آثاره السلبية والضارة والتنبيه لما يلحقه بخطر على الأمن الوطني والاستقرار الاجتماعي وعلى المصالح العامة للمجتمع ومكوناته التعددية.في غياب ظاهر لمهارة لاستقراء لما يحاك وما يخطط وما يموج به الجوار من تحركات لتلك الجهة أو تلك,أوتحركات دول الإقليم أو القوى الطامعة في  السيطرة والسطو على الثروات الطبيعية وتحييد الثروة البشرية عن خدمة قضايا الأمن الغذائي والاقتصادي والوطني.

وكانت صدمة يمكن وصفها  بصدمة إعلامية أخلاقية في قيم العمل الإعلامي وقيم المهنة وقيم الفكر والرأي عندما انكشفت مهارة قناة الجزيرة القطرية في فبركة الأحداث,في ليبيا وتلك التي عزت حدوثها في سوريا,والطلب من أطفال ونساء تمثيل حالات الموت والإصابة لاتهام الجيش العربي السوري بقتل المدنيين!!! وغيرها من فبركات المعارك الوهمية والتظاهرات المختلقة التي تمكنت خبرة السوريين من كشفها بشكل كامل.

وها هي تفعل ذلك في وصف أحداث مصر بعد الخلاص من حكم مرسي في محاولات بائسة و يائسة للترويج لعودة مرسي للحكم.!!.وهناك أمثلة أخرى,ولكنها تظل دون ما تتصف به الجزيرة من تضليل وترويج لفئة بعينها وهي جماعة الإخوان المسلمين علماً بأن الجماعة حلت نفسها بقطر ومنعت من النشاط في المجتمع القطري!!


وهناك حالة إعلامي,يتحدث عن داعش,ويقول إنه في هذا الحديث إنما  يعتبر نفسه محللاً للحدث وليس  كونه صحافياً ليروج لمنجزات داعش حيث يدعي أن داعش هي دولة,تملك كل مقومات الدولة التي يلخصها بأن لها علمها وتقيم على أرض (الواقع إنها تقيم على أراض مشتتة),وقامت بصك عملة وعندها مؤسسات تجمع الضرائب .... وإنه يتوقع وصولها إلى روما (أهل روما نصحوا,ساخرين, داعش بعدم القدوم بسبب أزمة السير الخانقة),ولكنه في الوقت نفسه يدعي أنه لا يؤيد الجرائم التي ترتكب هنا وهناك.متناسياً ربما أن هولاكو لم يكن يبني دوله,وأن الفايكنغ لم تدع إنها دوله,وأن الاستقرار أساس نشأة الدولة وتكونها,وحدودها الجغرافية المترابطة ضرورة وجود وتكوين,وهذا ما تفتقده داعش, وبعد الإبقاء بتلك الشروط الأولية يمكنها شن الحروب وليس العكس كما تفعل داعش.وهذا الكلام في حقيقته يروج ترويجاً ناعما,مدلساً لا يخلو من الخبث لداعش التي اقشعرت من جرائمها البشعة أبدان الإنسان في كل مكان.

صحف واسعة الانتشار (الرأي الأردنية كمثل),تنقل جرائم داعش وأخبار حروبها لتكرر عبارة (التي تسيطر على مساحات واسعة من أراضي العراق وسوريا) على الرغم من الحيرة التي ترد هذه العبارة بسببها دون ارتباطها بسياق الخبر الصحفي,فإن فيها جاذبية للمتحمسين لهذه الحركة وتطمين للمؤيدين لها والداعمين لجرائمها.

الإصرارعلى تكرار القول,في وسائل الإعلام العربية لمستمعيها العرب والمسلمين من كل من سمعت يتحاورون ويحللون ما هو غني عن التحليل في الحديث عن أعمال داعش,إن داعش لاتمت إلى الإسلام بصلة,وإن أفعالها المشينة تسيء للإسلام والمسلمين,نبرره ونقبله من أؤلئك المتحاورين,وهو كلام صادق وصحيح في كل حرف منه,لو كان هذا الحديث موجهاً للدول الأجنبية وللشعوب غير المسلمة في أوروبا و أسيا وأفريقيا.

أما الإبقاء على هذا التكرار في المجتمعات العربية المحلية فهو كلام تحصيل حاصل,فهذه مجتمعات إسلامية تعرف الإسلام وتعتنقه وتؤمن به وتعيش طقوسه وفرائضه منذ ألاف السنين,وهي مدركة لخروج سلوك داعش عن السلوك الإسلامي.هذا من ناحية,من ناحية أخرى غير المسلمين الذين يعيشون منذ آلاف السنين في المجتمعات الإسلامية بشكل عام والدول العربية بشكل خاص, ليس أي منهم بحاجة إلى مثل هذه المعلومات فهو يعرف الإسلام بالمسلمين الذين يعيش معهم وبينهم بسلام وإخاء تفتقده فرنسا ذات التاريخ الاستعماري والمعادي لتطلعات التحرر العربية.(أي الإخاء,شعار تورتهم الشهيرةعلى سبيال المثال).فمن يخاطب هؤلاء المثقفون افتراضاً ؟؟؟ ولماذا هذا التكرار والإصرار عليه بشكل يفتقد الهدف منه,هذا الهدف الذي يجب أن يتمحورحول البحث في طرق مواجهة طروحات داعش الفكرية ودحض فرضياتها المدعاة بعلاقتها بالإسلام والمسلمين.

من حقنا أنْ نتساءل عن دور الصحافة وعن دور الإعلام في تنوير الرأي العام حول حامل سلاح ضد وطنه,يقاتل جيش وطنه,يقتل قوى أمن وطنه ويهدم أسس استقرار مجتمعه وسلامة بنى وطنه وتراثه,رافعاً شعارات الحرية والديمقراطية,وتديره استخبارات دول تعتبر الديمقراطية كفراً,وتعادي الحرية وتصفها بالانحلال الأخلاقي,وتحكم شعبها بتحريم المعارضة,وتحمي نفسها بقوات أجنبية,وترهن وجودها لمصالحه وأطماعه .وماذا عن هذا الدور التوعوي لمن يقاتل وطنه خدمة لأغراض أعداء وطنه التقليديين والتاريخيين وأطماعهم؟؟؟.

يحمل سياق الحديث عند مقارنة الجرائم التي ترتكبها قوى الإرهاب في أكثر من قطر عربي,والتهديد الذي توجهه هذه القوى للدول الغربية وغيرها من دول العالم,بالجرائم التي ارتكبها الإنسان بحق أخيه الإنسان, عبر مراحل تاريخ البشرية التي عبرتها مختلف الأمم والقوميات والأديان ,تبدو من خلاله هذه المقارنة وكأنها تبرير ساذج لمثل هذه الجرائم البشعة التي تأخذ مجراها في القرن الواحد والعشرين من التاريخ البشري بصنائعه المتحضرة وجرائمه الوحشية,يحمل هذا السياق إيحاءات المضاهاة بادعاء شرعية تاريخية لها,على الرغم من عدم وجود شرعية معاصرة للحدث التاريخي,ولكن يمكن أن يمثل ذلك الحدث مرجعية لاستخلاص العبر وتجنب تكرار الأخطاء لا أكثر ولا أقل دون إهمال عاملي الزمن والثقافة لمقتضيات الحدث وأوانه..

الخجل ليس طبعاً إنسانياً في علاقاته الاجتماعية وحسب ولكنه أيضاً رادع فعال يمنع ذوي النفوس السليمة,والتربية القويمة من الوقوع في براثن الخطأ والدنس والخيانة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد