الإخوان المسلمون بين التجزئة والتجربة

mainThumb

19-04-2015 02:58 PM

لم تكد الضربة القاسية التي تلقتها الجماعة الأم في مصر تتماهى مع صمود ورباطة جأش المنتسبين لها هناك، حتى أصيبت جماعة الإخوان في الأردن بشظية شطرتها إلى نصفين. ولعل في حالة الانطفاء التي تتعرض لها الجماعة في هذه المرحلة مبرراتها على مدى الأعوام السابقة، والتداعيات الأخيرة من حرب على الإسلام السياسي في المنطقة وغيرها، لكن المقلق في التجربة الأردنية أن الضربة هذه المرة لم تكن من الخارج، بل من الداخل، ومن بؤرة ارتكاز الجماعة وعقلها المدبر تحديداً، فقد فقدت الجماعة مع كل شطر ذهب منها جزءاً من حكمتها، وجناحاً من جناحيها اللذين تعودت أن تطير بهما لا بأحدهما.


إن المشكلة في إخوان الأردن أن التجارب التي تماوجت حولهم في الإقليم لم تزدهم قوة بل كشفت عن عورة حاولوا أن يدفنوها زمناً طويلاً، إنها عورة عدم اكتمال النضج الديمقراطي عند بعض المتصدرين للخطاب السياسي فيها، لذلك وجدناهم ينكفئون على الذات، كلٌ يريد أن يدفع عن بطنه الضربة بظهره الذي هو نفسه..فقد مرت تجربة الحركة الإسلامية في تركيا، وحاول النظام العلماني فيها تفتيت الجماعة لكنه لم يكن ينجح في ذلك، ولعل أقصى ما كان يتحصل عليه حظر الحزب والذي لا يلبث الإسلاميون في جماعته أن يقدموا بديلاً جديداً وجاهزاً في كل مرة....وعندما رأى أردوغان أن عقليته التي تحمل فكراً إصلاحياً وتجديدياً لروح الجماعة وجسمها لا تشق طريقها بسهولة، وخصوصاً مع الحرس القديم متمثلٌ بالشيخ نجم الدين أربكان ومن معه من الرعيل الأول، فعندما رآهم يتوقفون طويلاً أمام أفكاره وتدابيره، نزع إلى إنشاء حزبٍ جديدٍ برؤيته وفكره، لم يكن ليعادي حركته الأم، ولكنه جاءها بطوق نجاة جديد لينقذها لحظة هبوب العاصفة، ويبعدها عن مرمى النيران التي باتت تتهدد جسدها وتأكل ألقها، جاءها بأنموذج هو امتداد لا اعتداد، امتداد للروح الإسلامية السارية في عروقهم وقلوبهم، لا اعتداد بشخوصهم ولا آرائهم، لقد كانت هذه الخطوة من الطيب أردوغان بمثابة الحل الأمثل أمام جمود الفكرة في عقل الرعيل الأول واحتباسهم عند الخطوة الأخيرة التي لم يملكوا بعدها خطوة تحركهم للأمام وتبعد عنهم خطورة الميدان....وهذه هي سنة الحياة...


وفي الأردن حاول (الزمزميون) أن يفعلوا نفس الشيء فمنوا بخسارة الرصيد في القيادة والتنظيم...وانتهى الأمر إلى جماعتين وقيادتين ومرشدين...


يقال إن التجارب لا تستنسخ، لكنني أجزم أنها تستلهم، فمن لا يرى القدرة على استنساخ التجربة فعليه أن يستلهم أهم معالمها، فما حصل مع أردوغان في تركيا كان بمثابة بعث روح جديدة وليس انقساماً وتبعثراً، أما ما حصل في الأردن فكان انشطاراً لا توالداً أو تجددا...لقد كان الأحرى بأبناء الجماعة -ومن الجناحين وعلى حد سواء- أن يُصِّروا على تعدد الرأي؛ ففيه حياة الجماعة وضمان صلاحيتها فإن الرأي الواحد كالعود الواحد كسره أسرع، فاللازم لما رأوا شُقة الخلاف في الرأي تتسع ولا تستثمر أن يعملوا على إنشاء حزب جديد لا كيان جديد، فالحزب شيء والجماعة شيء، والتنافس بين الأحزاب شيء والتنافس على الجماعة شيء آخر، فتعدد الأحزاب المنبثقة عن جماعة واحدة تقويها وتلم كل مكوناتها الفكرية والمهنية، الشعبية والنخبوية، الشبابية والعقلانية، لكن التنافس والخلاف على أصل الجماعة هو موتها المحقق وضياعها المُنَسَق...


إن المطلوب من قيادي الحركة الإسلامية في الأردن أن يكونوا على قدر المأمول منهم، فيلوذوا ببعضهم لا بغيرهم، ويطفئوا شرارة الانقسام بمبادرة التحام وانسجام، فقد ماتت المعارضة السياسية لحظة الهبوط غير المتوقع لنسر الجماعة المحلق، ونحن لا نطلب المستحيل، فالجماعة مكون وطني أردني عربي إسلامي له حضوره وقدراته، وخصوصاً في زمن تتداعى فيه الأحداث على الأمة التي تجابه مداً صفوياً متعجرفاً يستل خنجر الطائفية الصدأ ليطعن كل الإسلام بظهره، ونقول لكم: هل أحسنتم الصنيع طيلة الزمن الفائت وجئتم اليوم لتمدوا الصفوية بدماء جديدة من أبناء شعبنا العزيز! إن انهيار صرح فكري وحركي مؤثر في الشارع السياسي والاجتماعي والروحي في هذه الفترة سيترك آثاره المدمرة على نفوس الشباب المراقب لكل ما يحدث حولنا، ولن ينجح الأعداء في هزيمتنا إلا إذا هزمنا نحن جبهتنا الداخلية التي – وباعتراف القاصي والداني- أنتم مكون هام ولاعب رئيس في أشواطها ذات العقود السبعة الماضية...فلم يستطع الحوثي أن يجند من شباب اليمن طيلة السنوات الماضية ما استطاع أن يجنده في الشهور القلائل الماضية وخصوصا عند أفول نجم الحركة الإسلامية  الراشدة والتي تلقت ضرباتها في كل مكان من شرق أوسطنا الكبير...فحذار أن تفشل التجربة وتصيروا إلى التجزئة....
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد