تفاهم لوزان وتوازنات المنطقة - وفاء صندي

mainThumb

24-04-2015 08:24 PM

بعد مسلسل مفاوضات امتد لأكثر من عشر سنوات كان فيها مفتوحا على كل الاحتمالات، وفي الوقت الذي حمل فيه الرئيس الامريكي باراك اوباما شعار إنهاء الحروب التي خاضها سلفه، واضعا كل ثقله خلف المفاوضات بين إيران والدول 1+5. بينما ابدى نظيره الايراني حسن روحاني الكثير من المرونة لانجاز صفقة نووية وضع عليها ايضا كل ثقله ورصيده الشعبي، تم التوصل مؤخرا في لوزان السويسرية إلى اتفاق اطاري حول البرنامج النووي الإيراني.


الاتفاق الذي لم/لن يرضِ بعض القوى الاقليمية بينها اسرائيل، التي تعهد رئيس وزرائها بأنه سيستمر في الأشهر القادمة في عمله ضده. والسعودية، التي كان لها اجراء استباقي بشنها حربا على الحوثيين في اليمن كوامجهة مباشرة مع التمدد الايراني ومحاولة للتأثير على مسار المفاوضات الايرانية-الامريكية. ولم يرض ايضا الجمهوريين الامريكيين، الذين حذروا في وقت سابق القيادة الإيرانية من أنه (الاتفاق) يحتاج إلى موافقة الكونغرس وبوسع الرئيس القادم أن يلغيه “بجرة قلم”. ولا حتى المتشددين الايرانيين الذين خرجوا في تظاهرات ضده. لكن رغم كل هذا الرفض، فقد انتصر تفاهم لوزان للحل السياسي بدل التدخل العسكري، وجنب المنطقة مغبة السقوط في حرب مفتوحة بعدما باتت اللعبة لعبة توازنات قوى دولية شملت ايران الى جانب حلفائها روسيا والصين مقابل واشنطن وحلفائها في المعسكر الغربي.


ببرغماتية سياسية تنازلت ايران عن أهم النقاط الشائكة في المفاوضات، وتعهدت بتخفيضات بالغة في تخصيبها اليورانيوم، وبأن تجعل منشآتها النووية ومناجم اليورانيوم وكذلك منشآت الإنتاج المرتبطة مفتوحة أمام الرقابة الشاملة من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبتسجيل المرافق النووية الجديدة في وقت مبكر، وحتى بعد نهاية مدة هذا الاتفاق ستبقى إيران عضوا في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي تسمح بإجراء عمليات تفتيش من جانب الوكالة وتمنع تصنيع الأسلحة النووية. كما قدمت تنازلات واضحة فيما يتعلق بمدة الاتفاقية المزمع إبرامها والجدول الزمني لرفع العقوبات الدولية عنها.


وفي المقابل سيتم رفع الحظر المفروض على النفط الإيراني من قبل الاتحاد الأوروبي وامريكا، وكذلك سيتم التخفيف تدريجيا من باقي العقوبات المالية والاقتصادية بعد ان تبدأ إيران بتنفيذ التزاماتها. كما سيتم رفع كل العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على مر السنوات الماضية، لتجد ايران نفسها اخيرا خارج العزلة محققة بذلك مكاسب سياسية واستراتيجية واقتصادية اهمها تحريك عجلتها الاقتصادية والتجارية والمصرفية والاجتماعية. بالاضافة الى كونها أصبحت جزءا من النظام العالمي وقوة اقليمية وازنة وشريكا رسميا في مكافحة الإرهاب وحماية ممرات الطاقة من الخليج إلى أوروبا التي يعتمد اقتصادها عليها.


مقابل هذا الانتصار السياسي والديبلوماسي الايراني، هناك قلق عربي ومخاوف خليجية (سعودية بالتحديد) مما افرزه تفاهم لوزان. فهل ايران التي اثبتت ان لا مطامع لها في الحصول على سلاح نووي لأغراض غير سلمية، مستعدة على اثبات نفس حسن النية تجاه العرب من خلال طمأنتهم بأنها ستوقف سياسة زحفها وتتعامل في إطار سلمي دون تجاوز او تدخل منها في السياسات الداخلية العربية؟ وهل العرب/الخليج قادرون، بعد ان اصبحوا في مواجهة منفردة مع ايران بعد ان تنسحب امريكا من المنطقة، على التعامل مع هذا الواقع الجديد بذكاء وتكتل عربي بعيدا عن لغة الحروب وردود الافعال المندفعة التي تأتي غالبا بنتائج عكسية؟ وهل يكفي تأييد اوباما لـ “عاصفة الحزم”، او رفع الحظر عن المساعدات المخصصة لمصر، او الدعوة الى قمة في كامب ديفيد من اجل طمأنة العرب على عروشهم وامنهم القومي؟


ايران كان وسيبقى لها مطامح في الانتشار والتمدد في المنطقة العربية، فإذا كانت قد نجحت وهي محاصرة في الانخراط في اكثر من حرب مذهبية، وتمكنت من احكام قبضتها على اربع عواصم عربية (بغداد، دمشق، بيروت، صنعاء) كاستراتيجية توسعية تصرف بها تيار المتشددين عما يمكن أن تقدمه من تنازلات في المفاوضات، فبالتأكيد لن تبخل بجهد، لنفس الهدف ولأهداف اخرى، في ظل رفع العقوبات عنها وتقاربها مع الغرب، من اجل بسط نفوذها اكثر وتقوية دورها في المنطقة، وهو ما بدأ يظهر من خلال ردها على عاصفة الحزم من خلال دعم الحوثي ماليا وتسليحيا وسياسيا في حرب باتت مكشوفة وسيخرج منها الكل خاسرا بلا شك.


خارطة التحالفات والقوى الاقليمية بعد اجتماع لوزان سيعاد تشكيلها من جديد، ورغبة ايران، في ظل ما تعيشه الدول العربية من حروب وصراعات وتفشي الارهاب، قوية من اجل ان تكون القوة الاقليمية الاكثر نفوذا، لكن واشنطن ستسعى الى تقوية اعداء ايران في المنطقة لخلق توازنات تمكن امريكا من ممارسة دور ضابط الايقاع كما كانت تفعل في عهد حكم الشاه، ولضمان احتياج وولاء الجميع لامريكا، ولضمان ايضا استمرار بيع الاسلحة الامريكية لدول الخليج ورهن عائداتها البترولية. وعلى الدول العربية/الخليجية مقابل هذا الواقع الجديد توحيد وتكثيف جهودها لمواجهة التطلعات الايرانية، وعليها المضي قدما في القوة العربية المشتركة التي اصبحت ضرورة وليس ترفا، كما على دول الخليج تنويع تحالفاتها الدولية والاقليمية عن طريق فتح قنوات أوسع مع روسيا وفرنسا، وضم تركيا، التي تقف على النقيض مع ايران إزاء ما يجري في سوريا والعراق واليمن، الى محور الدول السنية، وان كانت زيارة اردوغان الاخيرة الى طهران تظهر ان تركيا تفضل لعب دور الوسيط بين طهران والرياض.


بالاضافة الى خطر داعش وحرب الارهاب والتطرف عابر القارات، هناك اسرائيل التي لايجب ان ننسى انها العدو الاول، وان خطرها لا يقل عن خطر ايران، واتفاق لوزان سيزيد من حجم سياساتها التوسعية في المنطقة والعدوانية ضد الفلسطيين والعرب. اما الصراع المذهبي فسيكون شرسا، والبداية كانت مع عاصفة الحزم. وفي انتظار ان يصل الجميع الى قناعة اعمق وانضج بضرورة فتح حوار إيراني- سعودي- مصري- تركي لايجاد حلول جذرية للملفات الاقليمية، فيجب الاعتماد مرحليا بقوة على دور مصر، بوسطيتها وازهرها وتراثها الإيماني وثروتها البشرية وبدورها القيادي، كرمانة الميزان التي تحفظ للمنطقة توازنها وللعرب امنهم القومي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد