من هنا نبدأ .. - الصادق الزريقي

mainThumb

28-04-2015 11:21 AM

اعلنت المفوضية القومية للانتخابات صباح امس  النتائج الرسمية والنهائية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في البلاد، وتبدأ البلاد بعدها مرحلة جديدة، تتشكَّل فيها تحالفات سياسية وواقع مختلف، يتم تشكيل حكومة تضم الأحزاب التي ترتضي تقاسم السلطة مع الحزب الأكبر المؤتمر الوطني الذي وضح أنه فاز بنسبة كبيرة في الدوائر الجغرافية البرلمانية، وفي المجالس التشريعية الولائية، وفي القوائم النسبية وقوائم المرأة..
 

 والانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما وسيلة لتحقيق المشاركة السياسية في السلطة والتبادل السلمي لها، وتعكس مدى الالتزام بالقيم السياسية المتحضرة، وإتاحة الفرصة لكل مكونات المجتمع من التعبير عن ذاتها وممارسة اختيارها الحر. وما حدث في السودان من عملية انتخابية.. مهما قيل عنها، لا يمكن اختزالها في الانتقادات المتعسفة التي صدرت من هنا وهناك، إنما تُقاس بما تحقق فيها من ممارسة حرة ورضى عام لمن شارك فيها.
 

 وبطي المفوضية القومية لملف الإنتخابات وإعلان نتائجها وما تمخض منها، فإن الجميع بات يتطلع إلى ما بعدها. فالبرامج الانتخابية التي اختارها الشعب ينبغي الالتزام بها، خاصة في ما يتعلق بتطبيق قواعد الحكم الرشيد وتحقيق تطلعات الشعب في سيادة حكم القانون وبسط العدالة وهيبة الدولة ونشر رداء وبردة السلام على كل ربوع البلاد، وتكوين حكومة قوية تعبِّر عن إرادة الأمة ووحدتها وتماسكها، وتكون قادرة على العمل وفق سياسات مرنة تلبي حاجة البلاد إلى النهضة الاقتصادية والاجتماعية..
 

 ومسؤولية رئيس الجمهورية المنتخب، ستكون كبيرة. وعليه توسيع التشاور من أجل اختيار حكومة ذات قاعدة عريضة يجد فيها الجميع نفسه، وتعبر عن الطيف السياسي والاجتماعي، وتكون ذات كفاءات عالية، لأنه ما أضرَّ البلاد، مثل الاعتماد على التوازنات الجهوية والقبلية. فمعايير اختيار الوزراء خلال الفترات المالية كان أضعف ما فيه هو الكفاءة والخبرة، فحديثو التجربة مهما كان ولاءهم، هم الأقل عطاءً والأثقل عبئاً على الحكم نفسه.
 

على السيد رئيس الجمهورية أن يعجم عيدان كنانته جيداً ليختار أصلبها مَكْسراً، وأمرَّها عوداً، ليلقي به إلى حلبة المسؤولية التنفيذية. لقد خاضت بلادنا تجارب شتى وتم تطبيق كل أنماط الاختيار ومختلف ضروب التجريب، ولم تنهض بسلام من كبواتها، فقد آن الأوان لتكون الكفاءة والقدرات إضافة إلى النجاعة السياسية وتوفر سمات القيادة هي الفيصل في الاختيار لتولي التكليف العام..
 

 وبالرغم من أن بعض المتشائمين بدأوا يقررون ويقولون أنه لا يوجد تغيير وتحوُّل ذي بال، وأنه ليس هناك جديداً في التركيبة السياسية الحاكمة بعد هذه الانتخابات، إلا أن الآمال تتجه مهما كانت المعطيات إلى شيء جديد ينهي حالة الإحباط التي خلفتها العملية الانتخابية لدى البعض، وتنفتح كوة تطل على واقع مشرق لو أحسنا الاختيار وتم تأليف حكومة على قدر عالٍ من الالتزام والرشاقة والقدرة على تحقيق شيء ملموس.
 

ويتطلب واقعنا السياسي الجديد، التغيير في لغة الخطاب، وملامسة القضايا الرئيسة في البلاد، مثل قضية الحرب والسلام والتنمية والخدمات ووحدة الصف ونبذ العنصريات والقبليات والجهويات والانصراف بالكامل إلى ما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
 

ولسنا في حاجة للتذكير بأن الفترة القادمة تختلف عن سابقاتها، وفيها من التحديات الجسام ما يدفعنا للبحث عن رؤى وأفكار جديدة تعيد ترتيب البيت الداخلي وتنظيم الخطوات وإعادة توزيع المهام والأوراق، وهذا يتطلب من الرئيس القادم بعد إعلان فوزه أن يوليها الاهتمام الأكبر، والبحث عن الجميع من ذوي القدرات والعطاء الوطني، للاستفادة منهم في رسم معالم وملامح المستقبل لهذا الوطن.
 

فما أحوجنا اليوم للالتقاء والتصافي والتسامح، وكبح جماح الخلافات السياسية ووضع مصالح بلادنا نصب أعيننا لنرنوَ لغدٍ جديد..

 

* الانتباهة السودانية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد