أبو عمر حين يرحل مع الربيع

mainThumb

05-05-2015 10:21 PM

حين يبدو الوهن  و الاصفرار باديًّا على محيّا الأزهار ، و حين تبدأ الأوراق الخضراء بالانحناء ، و الشّحوب ، فإنّنا نعلم أنّ الرّبيع قد بدأ يأفل نجمه ليترك مساحة من الزّمن لفصل آخر ، و ما يعزّينا حين نودّع الفصل  الأجمل ، و الزّمن الأبهى ، أنّ هذه هي سنّة الإله  ، وأنّ للرّبيع عودة ، إنْ بقيت حياة .


نؤمن أنّالحياة و الموت بيد الله ، و لكن حين يغادرنا الكبار بأخلاقهم ، و علمهم ، فإنّ هذا المُصاب يُوجد عذرًا لقلوبنا كي تحزن ، و يصيبنا الانكسار ؛  لرحيل الكبار .

حين غادرنا الأستاذ خالد عوّاد أبو عمر ، لم نكن على موعد مع هذا الرّحيل ، رحل بغتة ، تاركًا له أثرًا في القلوب ، و العقول ، كانت العين ترتاح لرؤيته ، و الأذن تسرّ بحديثه ، طيب الأخلاق ، حسن المعشر ، صاحب مرؤة ، و اتّزان ، و رزانة في نقاشاته ،و إبداء آرائه .


  رغم تقاعده من وزارة التّربية و التّعليم ، لكنّه حقيقة لم يتقاعد عن العمل التّربويّ ؛ فكان يُلبّي النّداء ، في كلّ مدرسة أو جمعيّة أو أيّ مؤسسة لإلقاء كلمة توجيهيّة ، أو تقديم ورقة عمل ، أو الإسعافبنصيحة  من قلب طاهر ، حتّى آخر أيّام عمره ، و قد كانت له في الطّفيلة ، و في قرية عيمة الّتي لم يغادرها ، صولات و جولات ، تربويّة و إثرائيّة .


  رجل تربويّ من طراز رفيع ، تشهد له ميادين التّربية و التّعليم في الأردنّ ، و في الطّفيلة خاصّة ، أنّه نموذج يُحتذى ، في الإخلاص و التّفاني ، قبل و بعد تقاعده ، من أوائل من حصلوا على الشّهادة الجامعيّة ، لم يسع للمناصب ، و إن سعت إليه زهد فيها ؛ لأنّه اختار ما عند الله فهو خيرٌ  ، و أبقى .


وكما هو حاله في حياته كان في مماته فلم  يُتعب أحدًا و لم يعتب على أحد ، و لم يُعب أحدًا ، و لم يؤذِ شخصًا بكلمة نابية ، أو باستغابة ، كان صاحب دين ، و يشهد له روّاد المساجد بذلك ، حتّى كانت الرؤية  الأخيرة له من معظم من شاهده في يوم رحيله في صلاة العصر  ، أراح النّاس في حياته ، و في مماته ، فلم يثقله مرض ، أو يحتاج لعصاة كي يتوكّأ عليها ، و هذه مشيئة المولى عزّ و جلّالنّافذة .


    لقد كان فارسًا في أرض معركة  ؛ نعم لقد حارب الجهل ، و استلّ سيفه رغم كلّ الصّعوبات ، و التّحدّيات ، زرع الأمل رغم الألم ، استقى أخلاقه من المصطفى عليه السّلام ،لقد ترجّل فارسًا من فرسان العلم ، تاركًا انتصاراته الّتي حققها في ميادين الحياة ، و التّربية ، مشعلًا للأجيال القادمة .


        له من اسمه نصيب فعلمه ، و ذكره (  خالدٌ ) في وجدان كلّ من عرفه ، و هو تقيٌّ ( عبدَ ربَّهُ ) ، فأنزل محبّة النّاس عليه ، فهو صديقٌ للكلّ : الصغار ، و الكبار ، و محبّته ، و ألفته لها مكان في قلوبهم .


رجلٌ استحقّ كلّ الألقاب ، و إن كان فيها زاهدًا ، حبّه و احترامه كانت نقطة التقاء ، و علامة جامعة ، لكلّ من عرفه ، يا أبا عمر طب مقامًا في جوار الرّب ؛ فما هذه الدّنيا بدار قرار ، وكما هي حال العلماء فقد أورثت العلم النّافع ، و التّقى ، فإلى جنّات الخلد ، و فيها إن شاء الله الملتقى  .


و إنّا لله و إنّا إليه لراجعون ( الفاتحة و الدّعاء للمرحوم ) .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد