إفرحوا قليلاً .. وتدبروا كثيراً أيها الوطنيون !!

mainThumb

14-05-2015 11:26 AM

_ 1_
بلا شك ان تعم الأفراح الحزب الحاكم في السودان على ما نالوا من نتائج في الانتخابات الاخيرة ، التي جرت في بداية النصف الثاني من شهر ابريل 2015م ، لا لاجل النتائج المبهرة التي حصدها الحزب ، انما للفوز المستحق على اجراء انتخابات حرة و شفافة ، في ظل تحديات داخلية بالغة التعقيد ، وتربص مسلح من حركات متمردة ، أقسمت على عدم اقامتها ، بل تخريبها بشتى الوسائل اقربها غير قانوني وشرعي في آن واحد .
من حق المعارضين المُسالمين ان يجربوا حملة " ارحل " ومن حق بعض الناخبين ان يعتصموا في بيوتهم ـــ كما جاء في حديث البشير من شكر لهم  يوم النصر ، كما من حق الذين مارسوا حقهم الدستوري موالاة ومعارضة أن يتغنوا فرحاً بانجازهم العظيم ، هذا منطق الديمقراطية ، لكن ليس من حق الذين بذلوا الجهد ( الخبيث ) في تعويق الانتخابات حتى يُلقى السودان في براثن الفوضى التي تضرب بدول كثيرة في المنطقة العربية ، السودان كان دائما في مخيلة بعض الساسة واصحاب الاقلام في مقدمة هذه الفوضى الخلاقة ، ولكن لأقدار الله رؤية أخرى . 


المهم انتهت فترة الانتخابات بسلامة وامن وطمأنينة توضح بجلاء ان الاجهزة الامنية عملت بكفاءة واحترافية ومهنية مميزة اثنت عليها مؤسسات أقليمية ومحلية شهدت لها بالحيدة والنزاهة .
هذا في حد ذاته انتصار بليغ يفخر به كل سوداني غيور على وطنه في وسط محيط هادر بالقتل والدمار والموت المجاني " الكثير " الخطوة التي تلي الفرح ( المنضبط ) النظر في قادم فترة الولاية الجديدة ، التي تحتاج الى فكر وفعل خلاّق وكادرات مؤهلة بعيدة عن ( التشويهه )  الاعلامي المتعمد لاغتيال الشخصيات ومن بعد ذلك الاستفادة من الطاقات البشرية من الاسلاميين اضافة للوطنيين ( التوقراط ) الذين عرفوا بالحيدة والخبرة ، والعلم الغزير .
ـــ 2ــــ
الولاية الجديدة للرئيس البشير ، الذي صار اكثر الناس خبرة في الشأن السوداني و دروب سياسته العصيّة الشاقة وابتلاءات اوضاعه المتقلبة والدسائس والمؤامرات التي لاحقته طيلة فترات الانقاذ الاولى والوسطى والمتأخرة تأتي الولاية هذه في ظل متغييرات جديدة بعد انتهاء مرحلة سياسية كاملة بعد حرب الخليج الثانية ، ودخول صدام الكويت ، حيث حُسب السودان في المعسكر الاخر رغم علاقاته الجيدة بأطراف خليجية عديدة لم تشفع في ظل المحاور المعلنة آنذاك .


دفع السودان ثمن هذا الاعتقاد ثمناً باهظاً وظل " عارٍ الظهر " من اي غطاء اقليمي او عربي الا في مرات نادرة الان يقف السودان وقوفاً واضحاً لا لبس فيه بعد عاصفة الحسم ...  هذه سياسية لا تجني اموالاً كما صورها الاعلام المحلي  ، لكنها تجلب مصالح شتى للسودان من النواحي السياسية و الدبلوماسية الاقتصادية ... اما دبلوماسياً سوف تفتح ابواباً كثيرة كانت مغلقة بسبب انعدام الثقة او ضبابية المواقف و من ناحية سياسية  تضمن امتداداً عربياً و اقليمياً فاعلاً للغاية ، اما من ناحية اقتصادية  فالسودان لا يحتاج لودائع بل استثمارات لتنمية موارده المتعددة الفائضة .


هذا المناخ الصحي للموقف السياسي يوفر أجواءً مواتية للولاية  الجديدة للبشير ، التي من المفترض ان تستوعب الاموال المتدفقة في مشاريع حيوية ، تطورّ كثيراً من القطاع الزراعي والحيواني و النقل ، هذا الثالوث الحيّوي سينقل البلاد نقلة نوعية او ربما قفزة بالزانة ، اضافة لتنفيس طبيعي للاحتقان في الساحة السياسية ، حيث سيشهد البرلمان الجديد قدراً واسعاً من التنوع الذي يعبر عن أصوات أخرى  !!


عودة للسياق السياسي الجديد الذي لا نتوقع له ان  يقلب الاحوال بشكل درامي ، لكنه سيكون عاملاً مثيراً لتحولات سياسية مهمة خاصة مع السعودية ومصر .  لا نقلل مما يعكر صفو العلاقات خاصة مع الجارة الشمالية ، فهناك الكثير من العقبات تعترض سيرها الى آفق آخر ، الا ان الارادة السياسية المتوفر حالياً ، يمكنها ان تنقل العلاقات الى موقع متقدم ،  هذا اضافة للحوار مع امريكا والذي بدأه مساعد الرئيس بروف ( غندور )  والذي ربما يمنحه الموقف السياسي الاخير قدراً من النجاح والتفاؤل. 


-    3 –
من أبرز ملامح الفترة الجديدة انجاز الحوار الوطني  بين اهل السودان سواء كان سياسياً او مجتمعياً ، رغم احاديث وحكايات كثيرة نثرت حول الحوار تارة بالتهم الغلاظ للحكومة على اهماله والاشتغال عنه بالانتخابات وتارة برمي العبء كله في وجه المعارضة العاجزة عن اداء شيء نافع ووطني ، الا انتظار سقوط الحكومة ، وإن كان هذا لا تخفيه المعارضة سراً وجهراً .


 كلا النظرتين لا تعبر عن الحقيقة وبها تطرق غير متوازن ، الا انه من الواضح احتياج الدولة لحوار هادئ عميق لا يتجاوز الاخر .


هذا الحوار الهام الذي ابتدرته الحكومة قبل فترة طويلة يستهدف قضايا ومسائل عديدة لم تجد أجوبة شافية و لا قناعات عليها اجماع طيلة فترة الاستقلال الوطني ، هذا يبشر بفرصة نادرة ليجري الحوار في هذه الولاية الجديدة للرئيس وبشرط محسنة بعد تعب كل من الفريقين من التشاكس وعدم قبول الآخر .


تبدو فرصته سانحة الان لاكثر من سبب داخلي وخارجي ربما تعوز القضية بعض الارادة المتجاذبة بين قبول الاخر والاعتصام بالسلطة والقوة لكلا الطرفين .


العبء يقع على الحكومة اكثر لانها مسؤولة عن الصالح والطالح و المارق المتمرد والوطني الغيور فهي صاحبة السيادة في العفو والتجاوز و المحاسبة والعقاب معاً ولذا يتعاظم دورها في رتق النسيج الاجتماعي الذي انفرط بسببها او من غيرها .


هذه من اولويات الولاية التالية للرئيس في تقديري ... يتزامن مع ذلك بعض الملاحظات الجديرة بالاهتمام من القراءة الاولية لنتائج الانتخابات السودانية الاخيرة ، ان كل برامج المرشحين انصبت في القطاع الخدمي وقضايا الناس وتجاوزت هذه البرامج القضايا العميقة والحساسة مثل الحرب والسلام ما عدا الحزب الحاكم .


نسبة الانتخابتت وصلت الى 46.2 في المائة رغم مقاطعة احزاب المعارضة المسلحة والموالية لها بينما شاركت احزاب عديدة اخرى .


اختبار الانتخابات مضى بسلام رغم ان الحركات كانت تريد غير ذلك ، وهذا انتصار كبير الا ان الملاحظ هناك بعض امساك من المواطنيين في المشاركة خاصة في الخرطوم لاعتقادهم بفوز الحزب الحاكم ، لهزالة المنظومة الحزبية التي لا يثق فيها المواطن ، لانتمائها للاجنبي ، ومحاربتها للتنمية كقصف مولدات الكهرباء  وخزانات المياة في مناطق النزاعات  .


الولاية التالية للبشير التي ستبدأ بعد ايام ، تأتي في ظروف داخلية واقليمية مغايرة لما مضى يوفر لها رصيد من النجاح اذا توفرت ارادة غالبة لمضاعفة الانتاج ، وحصد الاستثمارات القادمة في مشروعات تبني البنية التحتية للبلاد ، ومحاربة الفساد بقوانين رادعة تعمل على تزكية الفرد لصالح الدولة ... يبدو من المشاهد الحالية ، ان على الحزب الحاكم ، ان يتدبر كثيراً للمسيرة القادمة ، فقد قاد البلاد في الفترات السابقة في ظروف بالغة التعقيد والصعوبة ، والان تمتد سلطته برهان الجماهير عليه فالتدبر قدر الحكماء والفرح بالنصر امر عابر لا سبيل للتعلق به فالقادم يحتاج للبصيرة ، والخبرة ، والحكمة التي لا يمنحها الله  الا اناس ذوي خط عظيم !!!

 

* كاتب وصحفي سوداني



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد