الدار الحمراء

mainThumb

19-05-2015 11:47 AM

لو أفقت من نومك وأنت بين أسوارها لاعتقدت أنك في مكة أو المدينة وإن أردت لحظة إنكار ما تراه عينيك لقلت أنك أحد المرابطين أو الموحدين، أبوابها كأبواب الحمراء وألوانها وادي رم والبتراء، نخيلها العراق وخضرتها جِنان عُمان، حدائقها بشتى ألوانه وما أجمل زرقته، ما رأت عينك بغير الدار الحمراء، قصورها الأندلس، البديع والباهية والمنبهي، وسوارها الذي يعود بنائه إلى قبل ألف عام وما زال قائماً كأن السنون لم تترك عليه آثار حروب أو تتابع دول وانقلبات.   


لن أستطيع أنصاف المدينة بغير وصفِ رذاذٍ مِن جمالها، ولو أسعفني الوقت والعدل لكتبت حتى أُسكن قارئي حدائقها وإن تأرق في الجهة المقابلة أحد حمامتها.


أما قصر المنبهي الذي بناه المهدي المنبهي في نهاية القرن التاسع وإليه يُنسب، تدخله من أزقة الساحة التي تبدو لك من قصص ألف ليلة وليلة، الموسومة بساحة جامع الفناء, أو كما تكتب وتلفظ في المغرب بحذف الهمزة جامع الفنا قلب المدينة الدافق، فيها الأفاعي بشتى أشكالها وأحجامها مع السحرة بمزاميرهم والقردة والراقصين والعازفين، فيها الهرج والمرج ورواة أحاجي الغابرين وتاريخ السالفين. هي مزاراً لحجاج السياحة في البلد ونقطة التقاء لساكنيه.


   تعود التسمية إلى السرد التاريخي إلى مسجد تحت أنقاضها وبعد بناء الساحة سميت بـ الفِناء نسبة لآثار المسجد الفانية، أما تأسيسها فقد تزامن مع تأسيس المدينة قبل ألف عام، ولقد تزايدت أهمية الساحة بعد بناء مسجد الكُتُبية المجاور لها وصارت معرضاً للجيوش وتجمعاً لها قبل الإنطلاق لحروب التحرير الإسلامي.

يميز قصر المنبهي الطراز المغربي الجميل الفريد من نوعة، يحضنه أربعة أجنحة - أو كما تسمى في المغرب رياض والرياض هو المنزل المبني على الطراز الأندلسي كما تسمى أيضاً النُزل أو أوتيل التي تحمل ذات الطراز - مزينة بلوحات جصية منقوشة وخشب محفور وبلاط ورخام يبدي الفن العربي الأصيل بجلاء، كلها مكشوفة على باحته التي غطيت بعد تحويل القصر إلى متحف وألبست بقنديل ضخم جميل مزخرف. وزاد عليه باحة ومكتبة يقابلها تحفة فنية رخامية بألوان وزخارف في غاية الروعة، تسجل تأريخ تحويل القصر إلى متحف، ويتخلل مرافقها مقهى جميل رحب.

 أما قصر الباهية فيعود تشييده للدولة العلوية في عهد السلطان الحسن الأول بن محمد، سنة 1894م، - أو كما يسمى في المراجع التاريخية المغاربية مولاي الحسن الأول. - وأنوه في هذا المقام إلى أن المغرب كان يسمى بـ الإيالة الشريفة حتى دخول الوصاية الفرنسية - أمر ببناء القصر أحمد بن موسى الشرقي البخاري السملالي أو كما هو معرف في المغرب بـ الباي حماد أو باحماد حاجب السلطان وكبير وزراء الدولة في عهد السلطان عبد العزيز بن الحسن بعد أبيه آنذاك، وقد أشرف على بنائه مهرة البناء والنحت في الخشب والنقوش في الدولة أمثال البناء محمد بن المكي المسيوي، غير أن الأقدار لم تسمح لمن أمر ببناء هذه التحفة الفنية بأن يملي ناظره بها، فقد استقبلته الأقدار قبل الإنتهاء من البناء ومواشكته على تتمة الإنجاز وذلك بعد مضي ستة سنوات.
   تذكر بعض المصادر التاريخية غير الموثوقة بأن وزير الدولة وسم القصر بـ الباهية نسبة لإسم أحد زوجاته بهية التي يعود نسبها إلى عائلة الرحامنة المعروفة في المدينة.

هناك مدنٌ تغريك للقرأة عنها وأخرى لزيارتها أو الحديث عنها، ومدنٌ تأخذك عنوة تو دخولك إياها إلى جذور تاريخها وتمنحك حافظة خاوية تبدأ مع أول مرورك بزقاقها وأبواب أساوارها والوان بيوتها وجدرانها شابهت ألوان الورود بجمالها. شيوخُها من عصر مضى شبابها فيهم ريح الجبل قاماتٌ ممشوقة والمرأة مرداء بربرية سمراء عيونها دِعجٌ حُور عربية، شعرها أملس إسبانية، ووقفت شامخة هيفاء ومضت رعبوبة عَبْلَةٌ كلها بهاء، فحذيت رأسي لمّا عرفتها العربية الأمازيغية المغربية.


   هذه هي مُراكش بضم الميم، أو المدينة الحمراء المركز السياسي والثقافي للغرب الإسلامي إبان دولة المرابطين، ومعنى التسمية كما ورد في كلية الآداب في مُراكش ثلاثة معانٍ وهي حسب المنهاج الغربي، الذي تطرق له ابن حزم من قبل بأن التسمية ترجع إلى بعض معطيات، إلى الدلالة الطبيعية الجغرافية، العسكرية والدلالة الدينية. وماعدا ذلك فهي مسميات ثانوية. وانطلاقا من هذا المنهاج حلل اللغوي السوري الدكتور بهجت القيسي المختص في الدراسات السامية وقت استضافة الكلية له في المدينة تسمية مراكش حسب المعجم الكنعاني بأن الإسم مركب من مر والإسم كش. ومر تعني القوة والكثافة وكش الغابة أي الغابة الكثيفة. وبهذا يكون هذا المعنى الثالث بعد مر مسرعا والآخر التي عملت الكلية على نفيه وهو حمى الاله كوش.

  مُراكش إذن التي ترافقك النوم فتأتيك حُلُماً وتارة نوبية عصبية وأخرى مسحة امرأة ناعمة فتفيق من غير أن تستحضر المدينة القديمة وحديقة Majorelle ماجوريلوقصورها وطيبة أهلها تكتب لهفة وكأن البوح بالقلم عنها منجاة من ذنب تقترفه لو ما أنصفتها، وأنا لو أنصفتها لقضيت دهراً أخط سمرها وفضاءاتها، خضرتها ونقاء هوائها، أكلها ومشربها. فعذراً لأني اليوم أكتفيت برؤيا وقت كنت في أكنافها.     
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد