إنقاذ اليمن بين الرياض وجنيف - د. محمد لطف الحميري

mainThumb

20-05-2015 02:15 PM

اختتم مؤتمر الرياض أعماله يوم التاسع عشر من شهر مايو 2015، وكان الكثير من اليمنيين يأملون في أن تتخذ المكونات السياسية والشخصيات القبلية والاجتماعية المشاركة قرارات مصيرية تنقذ البلاد فعلا، لكن وكما يقال تمخض الجمل فولد فأرا، لأن السلطة الشرعية ومؤيديها وبمباركة دول التحالف اتخذوا قرارا لا رجعة فيه، هو أن "إعلان الرياض" سقف لا يمكن تجاوزه في أي مفاوضات تجري برعاية الأمم المتحدة، سواء في جنيف أو في مسقط، المهم أن تتواصل لعبة الحوارات والمفاوضات بشرط تحقيق تطلعات الشعب اليمني!!.


وبعد أن انتهت الحفلة يتساءل الخائفون على وطن يتلاشى كل يوم: ما جدوى الحوارات إذا كانت نتائجها تذهب كصيحة في واد أو نفخة في رماد؟ ما هي المعادلة السياسية الجديدة التي يجب أن تسود على الأرض اليمنية؟ ما هي الآثار السلبية لأخطاء هذه المرحلة على الأمن القومي لدول مجلس التعاون الخليجي؟ هل تدخل إرادات دولية من خارج المنظومة الخليجية ستكون لها نتائج كارثية على المنطقة؟.


بينما كان مؤتمر إنقاذ اليمن منعقدا خلال ثلاثة أيام، كانت التوقعات متضاربة، منها ذات سقف عال جدا، كدعم المقاومة الشعبية بالأسلحة الفتاكة وفتح معسكرات بإمكانات معتبرة تستقطب الجنود والضباط المؤيدين للشرعية لكي تتغير المعادلة الميدانية، وزيادة وتيرة قصف الأهداف الإستراتيجية للحوثيين وحلفائهم، ومنها توقعات متشائمة جدا، وكنت أميل إلى هذه ال

أخرى لاعتبارات تتعلق بأداء الرئيس الشرعي والشخصيات السياسية والحزبية التي تتلف حوله، وكذلك معارضة الإدارة الأمريكية لأي تدخل بري وأي حسم عسكري وتفضيلها حلا سياسيا قد لا يأتي قبل أن تتحول اليمن إلى صومال أو عراق جديد.
المشاركون في مؤتمر الرياض وحتى من قفز من مركب علي عبد الله صالح، ليس تبرؤا منه، بل لحجز مقاعد في نظام يتشكل، يدركون أن اللجوء إلى الحوار في كل المحطات التاريخية اليمنية لم يكن سوى تأجيل للحرب وزيادة في تضحياتها، لأن الحوار الحقيقي يعد نهاية طبيعية تفرضها معادلة عسكرية على الأرض بين منتصرين ومهزومين يتفقون في نهاية المطاف على تعايش مشترك.


لقد أصبحت لدى كل اليمنيين قناعة بأن هناك معادلة تاريخية مختلة، حيث هناك منطقة جغرافية محددة هي "شمال الشمال" تتحكم في مفاصل القوات المسلحة والأمن وتسيطر على الثروة، ولذلك فإن كثيرا من الحوارات التي انطلقت بعد ثورة سبتمبر 1962 كانت تعيد تموقع نفس هذه القوى المناطقية والمذهبية، وحتى وثيقة العهد والاتفاق التي وقعت في الأردن عام 1994 وقبل أن يجف حبرها أعلنت قوى شمال الشمال وعلى رأسها الرئيس المخلوع حربا مدمرة كتبت بعدها تاريخا مزورا حولت الوحدويين إلى خونة وانفصاليين، هذه المعادلة التي لم تتغير حتى الآن جعلت الحوارات مضيعة للوقت وتأجيل الحسم وإعادة تدوير الوجوه السياسوية العتيقة التي ليس لها سوى البيض الفاسد، وهي تعمل دائما على وضع العراقيل في طريق الشباب المعنيين بحلول المستقبل.


اعترف السياسيون بالشباب فقط أيام الثورة الشبابية الشعبية وقالوا إنهم أتوا بما لم تأت به الأحزاب، وما هي إلا أيام حتى أصبح صناع الثورة السلمية يرابطون في الساحات بينما حول السياسيون الثورة إلى أزمة وتصفية حسابات والنتيجة ضياع الدولة وتشظي المجتمع ووقوف جزء كبير من قوات الجيش والأمن إلى جانب قوى الثورة المضادة.


ورغم الكثير من الملاحظات التي لا يتسع المقام لذكرها على بعض الجوانب الإجرائية والتنظيمية وطبيعة المدعوين إلا أن مؤتمر الرياض نجح في جوانب ربما تساعد في طريق استعادة الدولة، ومنها:


- توافد شخصيات جنوبية لافتة إلى الرياض أبرزها نائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض الذي اتخذ قرارا بأن يكون مخالفا لموقف إيران من الأزمة.


- استطاع مؤتمر الرياض أن يوفر مناخا جيدا للقاء قيادات شمالية وجنوبية وخفض سقف مطالبها، حيث لم يعد الانفصال وسيلة وحيدة لإنهاء الأزمة الجنوبية.


- إحداث انشقاق في حزب الرئيس المخلوع رغم بعض التحفظات على قيادات معينة، لكن الحديث اليوم أصبح عن جانحين للمؤتمر الشعبي العام.


- ينظر إلى مؤتمر الرياض على أنه بات مظلة سياسية لقوات التحالف التي تسعى لإنهاء الانقلاب وإعادة السلطة الشرعية لتمارس مهامها فوق تراب اليمن.


هناك من يرى أن مؤامرة جديدة تحاك في مؤتمر جنيف المقبل الذي دعا إليه المبعوث الأممي الجديد إسماعيل ولد الشيخ أحمد، حيث إن المؤتمر سيشكل طوق نجاة للحوثيين وحلفائهم وستتركز أوراقهم التفاوضية من خلال أدائهم العسكري على الأرض وبذلك قد يكسبون من ناحيتين، الأولى:


- التنصل من التزامات مؤتمر الحوار الوطني الشامل والمبادرة الخليجية.


- التركيز فقط على دولة يمنية ذات إقليمين وهذا يعني التأسيس لدولة شمالية ذات نكهة طائفية وسيطرة مناطقية تدين بالولاء لإيران.


كثير من اليمنيين يرى أنه على المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون أن تدرك أن المعركة في اليمن هي معركتها بشكل رئيسي وأن أي إخفاق أو تسليم الملف إلى أطراف دولية أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية التي تدفع الآن باتجاه عقد مؤتمر جنيف قد يجعل الحديقة الخلفية للأمن القومي الخليجي مصدر إزعاج وصداع مستمر ويؤثر على أدائها السياسي والدبلوماسي في ملفات إقليمية ودولية أخرى.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد