ماذا بعد الحكم بإعدام مرسي و إخوانه؟ - محمد شومان

mainThumb

20-05-2015 02:19 PM

لا يضع الحكم الصادر بإعدام الرئيس المعزول محمد مرسي و122 من «الإخوان المسلمين»، نهاية قريبة للصراع والاستقطاب السياسي والثقافي في مصر، بل ربما يعمقه ويمنحه أسباباً جديدة للاستمرار، والأهم أنه يزيد التحديات والضغوط على طرفي الصراع والنخب السياسية المتحالفة مع كل طرف، فالاستئصال أو المباراة الصفرية أمر مستحيل وغير منطقي، جربه عبدالناصر والسادات كل بطريقته، وفشل، وجربه «الإخوان» عندما حاولوا اختطاف الثورة المصرية والاستئثار بالسلطة وفشلوا، وفي كل الحالات ظهرت مقولات المظلومية وصناعة الأساطير التي تبرر الثأر واستمرار دائرة العنف والدم.


ويبدو أن الحكم الحالي يعيد آلية الاستئصال والاعتماد على الحل الأمني واستبعاد السياسة، ليس فقط تجاه «الإخوان» وإنما تجاه أحزاب وجماعات، ثورية وإصلاحية، شاركت في صناعة 25 كانون الثاني (يناير)، ثم تحالفت مع الجيش ضد «الإخوان» في 30 حزيران (يونيو)، وتقع المسؤولية الأكبر في الحفاظ على تماسك واستمرار جبهة 30 حزيران على من بيده السلطة، والذي أصبح وحيداً في مواجهة جماعات رجال الأعمال التي تريد الحفاظ على امتيازات حصلت عليها أيام حسني مبارك، وتشكو من إسناد كثير من المشاريع الاقتصادية إلى الجيش.


النظام الجديد بحكم تكوينه الفكري وخبراته السياسية المحدودة، لم يستعن بكوادر مدنية سياسية ولم يطرح رؤية للمستقبل تقوم على الاحتواء وتوسيع قاعدة المشاركة، وبالتالي هيمن الأمن على الأداء العام لمواجهة الإرهاب وتحقيق الاستقرار والتنمية، وفي هذا السياق تواصلت الحرب على الإرهاب في سيناء، وملاحقة «الإخوان» قضائياً وإدارياً في مؤسسات الدولة. وانتهى المشهد قبل أيام بأحكام الإعدام الأخيرة، والتي تزامنت مع هجوم إرهابي في سيناء استهدف ثلاثة قضاة، وتنفيذ حكم الإعدام في ستة متهمين بارتكاب أعمال إرهابية.


نزيف الدم مرشح للاستمرار في دائرة مجنونة من العنف والعنف المضاد وفي شكل ثأري يستنزف طرفي الصراع، ويستنزف مصر اقتصادياً وسياسياً وأخلاقياً. من هنا فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل من طريق أو حل للمواجهات الدموية والمنهج الاستئصالي؟ وطرح هذا السؤال لا علاقة له بالسجال المعاد والمكرر حول جرائم «الإخوان» والإرهاب في سيناء وفي المقابل انتهاكات قوات الأمن وتغليب السلطة للأمن على السياسة، إذ لا بد من التفكير خارج صندوق الاستقطاب والصراع الصفري، وفي ضوء الاعتبارات التالية:


أولاً: صعوبة تنفيذ أحكام الإعدام في عدة مئات من المتهمين في قضايا لا تخلو من أبعاد سياسية، بغض النظر عن سلامة إجراءات التقاضي، حيث أصدرت محاكم مدنية 479 حكماً أولياً بإعدام قيادات وعناصر من «الإخوان»، إضافة إلى الرئيس مرسي و122 متهماً، وكلها أحكام غير نهائية لأن من المتاح الطعن بها أمام محكمتي الاستئناف والنقض. فإذا أقرتها فمن حق رئيس الجمهورية تخفيف الحكم أو العفو عن المحكوم عليهم، ما يعني أن هناك فرصاً للخروج من دائرة الدم في إطار مصالحة أو اتفاق بين طرفي الصراع على إجراءات عدالة انتقالية، لا سيما أن من غير المقبول إنسانياً إعدام مئات الأشخاص وعلى رأسهم رئيس جمهورية مخلوع، وستكون سابقة تاريخية في مصر، وقناعتي أن الرئيس السيسي لا يمكنه تحمل هذه المسؤولية أمام التاريخ والمجتمع الدولي.


ثانياً: منذ الإطاحة بمرسي يحاول «الإخوان» المقاومة وإسقاط نظام السيسي، المدعوم من الجيش وغالبية الشعب والنخبة المدنية، لكن كل محاولاتهم فشلت، لأن خطابهم غير مؤثر في الشارع وبعيد من الواقع، إذ يطالب بعودة مرسي والشرعية رغم تشكل شرعية جديدة للنظام الجديد، وهي شرعية عبر صناديق الانتخاب تماماً كالشرعية التي يقول «الإخوان» أن مرسي حصل عليها. من جانب آخر لم يعتذر «الإخوان» عن أخطائهم في الحكم، ولم يعتمدوا على المقاومة السلمية فقط، وإنما عمدوا إلى ضرب الاستقرار ونسف أبراج الكهرباء وقطع الطرق ما يزيد من معاناة المصريين، والأخطر أنهم ساندوا العمليات الإرهابية في سيناء وداخل مصر، كما تورط بعض عناصر الجماعة في زرع عبوات ناسفة ضد مؤسسات ورموز الدولة وسقط بنتيجة هذه العمليات أطفال ومواطنون أبرياء. «الإخوان» باختصار هم أمام أزمة غير مسبوقة في تاريخهم، فأهم قياداتهم في السجون، وخسر التنظيم مصادر مهمة لتمويله والإنفاق على أنشطته في الداخل، كما خسر السيطرة على بعض عناصره التي تورطت في أعمال إرهابية، كما أنه غير قادر على ممارسة نقد داخلي وتصحيح في الرؤية والمواقف أو تقديم تنازلات تمكنه من الحوار مع النظام الجديد للدخول ضمن العملية السياسية التي ينظمها دستور 2014. ولا شك أن جمود موقف «الإخوان» يخلق صعوبات أمام أي محاولة داخلية أو عربية لفتح حوار مع النظام الجديد تمهيداً لمصالحة ما.


ثالثاً: إن جمود موقف «الإخوان» قد يكون نتاجاً طبيعياً لجمودهم الفكري والتنظيمي، وقد يكون أيضاً نتاجاً لجمود وتشدد الموقفين التركي والقطري، أو لقراءات «إخوانية» مغلوطة لإشارات تصدر من واشنطن أو بعض العواصم الأوروبية عن الشرعية «الإخوانية» مقابل جمهورية السيسي، وكذلك تصريحات أوباما ومسؤولين غربيين بشأن ضرورة إدماج «الإخوان» ضمن العملية السياسية. وفي ظني أن «الإخوان» يربطون مواقفهم وتصوراتهم عن المستقبل بمصالح عواصم إقليمية وغربية، وهو ربط خطير يشكك في التزامهم بالرابطة الوطنية المصرية خصوصاً في ظل وجود التنظيم الدولي لـ «الإخوان» وإعلاء الرابطة الإسلاموية العالمية على الوطنية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أمرين:


1- إن «الإخوان» في صراعهم مع عبدالناصر ربطوا أجندتهم السياسية بدول عربية وأجنبية كانت تناصب عبدالناصر العداء. أي أن سلوك التحالف مع أعداء أو منافسين في الإقليم هو تقليد «إخواني» سبق اتباعه وأثر في صدقيتهم في الشارع في الستينات إلا أنه عزز مكانتهم في السبعينات ومكنهم من عقد صفقة العودة إلى الحياة السياسية في عصر السادات.


2- إن «الإخوان» يلوحون بمخاطر نموذج الحرب الأهلية في سورية أو العشرية السوداء في الجزائر، وهذا التلويح في جوهره تهديد غير مباشر لوحدة التراب الوطني والدولة المصرية ولعموم المصريين الذين يخشون تكرار سيناريوات سورية وليبيا واليمن والعراق.


رابعاً: رغم كل أخطاء «الإخوان» وضعف معارضتهم وخسارتهم للشارع إلا أنهم قادرون على مواصلة أعمال احتجاجية محدودة، لكنها إضافة إلى العمليات الإرهابية تشكك في استقرار الأوضاع الداخلية، ما يربك الاقتصاد والاستثمار ويجعل من استعادة معدلات السياحة أمراً صعباً في المدى القريب. فلا استثمار من دون استقرار، والاستقرار يتطلب مصالحة مع «الإخوان» ومع الشباب وبقية الجماعات والأحزاب المدنية التي تعارض قانون الانتخابات البرلمانية. من هنا يفرض الرشد السياسي والمصلحة على النظام الجديد طرح مبادرات وتقديم بعض التنازلات، وربما الحوافز لتشجيع عناصر «الإخوان» وغيرهم التي لم يثبت تورطها في ارتكاب أعمال عنف وإرهاب على الحوار والبحث عن صيغ للعمل السياسي. وبالنسبة إلى «الإخوان» فإن عليهم الدخول في حوار مع النظام الجديد على قاعدة التسليم بهزيمتهم السياسية وقبولهم التعايش، وإدانة الإرهاب وعدم خلط الدين بالسياسة. ولا شك أن الإجراءات المطلوبة قد تكون صعبة لكنها ليست مستحيلة، فقد سبق لـ «الإخوان» المشاركة السياسية والمجتمعية بصيغ مختلفة في ظل حكم مبارك وبدرجة أقل في ظل حكم السادات، لذلك قد يكون مطلوباً قيام مبادرات من قبل أطراف عربية قريبة من القاهرة ولها علاقات مع «الإخوان» وذلك لمصلحة كل الأطراف ومن أجل ضمان الاستقرار في المنطقة.


خامساً: إن مسؤولية النظام الجديد في إنجاز مهمة الحوار والمصالحة والاحتواء تفوق مسؤولية «الإخوان»، فمن بيده السلطة هو أقدر على طرح مبادرات وتقديم حوافز أو ضمانات تشجع الطرف الأضعف على قبولها، وتغلق الطريق أمام تمدد خطاب التشدد والجمود داخل الجماعة. والأهم أنها توفر منفذاً معقولاً أمام عناصر «الإخوان» للعودة إلى المجتمع والحياة السياسية، عوضاً عن الانعزال والميل نحو الرفض والتشدد، ومن ثم العنف والإرهاب، ولا شك أن رفض أي مبادرات توفر فرصة معقولة للتعايش والمشاركة سيفضح قيادات «الإخوان» أمام قواعدهم وأمام الرأي العام، ويؤكد تعنتهم وإصرارهم على منهج استئصال الآخر والاستئثار بالسلطة. لكن النظام الجديد غير مهتم حتى اليوم بتقديم مبادرات لاحتواء «الإخوان» أو غيرهم، ربما بحكم تكوينه الفكري وأولوياته، وربما بتأثير الإعلام الموالي والنخبة السياسية التي تروج لاستئصال «الإخوان» من السياسة والمجتمع، وتهاجم وربما تخوّن من يبادر باقتراح الحوار والمصالحة معهم، وتعتبر ذلك خضوعاً لمنطق الإرهاب، وهي حجج لا تخلو من منطق لكنها تفتح الباب أمام مزيد من العنف والعنف المضاد، وتتجاهل كل تجارب ودروس الحوار والمصالحة الوطنية واحتواء المتطرفين التي أعقبت أو تزامنت مع الحلول الأمنية، كما حدث في مصر نفسها وفي الجزائر ودول أخرى في تسعينات القرن الماضي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد