القاعدة وحقيقة الرهان الأمريكي داخل سورية - د. خيام الزعبي

mainThumb

20-05-2015 09:05 PM

بعد أربع سنوات على الحرب في سورية، باتت القاعدة بؤرة جديدة للإرهاب العالمي، فكلما طال أمد هذه الحرب، زاد ضلوع الجماعات المتطرفة إلى جانب تدخلات بعض دول الجوار بشكل رئيسي وإتساع رقعة الإنقسام الطائفي في أنحاء المنطقة، ليصبح تنظيم القاعدة اللاعب الأساسي على الساحة العسكرية في سورية، وقد شكل التهديد المتنامي للعمليات الأخيرة لتنظيم داعش الحدث الأبرز في سورية، وجاء متناغماً مع العمليات الواسعة التي قام بها الجيش السوري لإستهداف داعش والجماعات المتطرفة الأخرى في منطقة القلمون، إضافة الى الإستعدادات الكبيرة التي تجري لتحرير مدينة إدلب، بالمقابل جاءت العمليات العنيفة والتي راح ضحيتها العديد من المدنيين، كرد فعل من قبل هذه الجماعات على الضربات القوية من الجيش السوري لها، في إطار محاولتها الضغط على النظام السوري من خلال التصعيد باستهداف المدنيين، للتخفيف من الحصار والعمليات الأمنية التي تجري في بعض المناطق السورية.

اليوم تستخدم أمريكا الجماعات والقوى المتطرفة كحليف ووكيل بالإنابة لها في المنطقة لتنفيذ مخططها "الشرق الأوسط الكبير"، لضمان إستمرار هيمنتها وسيطرتها على المنطقة وضمان أمن الكيان الصهيوني، ونحن ندرك جيداً أن أمريكا هي التي تحرك العالم بأكمله مثل لعبة الشطرنج وتستخدم كل الوسائل الخبيثة واللعب بأوتار الفتنة الطائفية باسم الدين ونشر الفوضي وتقسيم الدول إلي دويلات من أجل نهب وإستغلال ثروات هذه البلاد وتقسيم الأدوار على بعض حلفاؤها بما يحقق مصالحهما وأهدافهما في بلدنا.


منذ دخول هذه القوى في الصراع السوري إرتكبت أبشع الجرائم الإجرامية بالقتل والعنف غير المبرر ونشر الموت والدمار ضد أبناء الشعب السوري، لتكشف هذه الجماعات، الوجه الحقيقي للغرب التي صنعت المؤامرة ضد سورية ونفذتها بتمويل ودعم خارجي، كما جذبت مقاتلين من عدة دول أجنبية يحاربون إلى جانب التطرف لتفتح بوابة الحرب الطائفية الشاملة التي تعتبر المحفز الذي تسعى القوى الغربية إلى إستغلاله، لإعادة التموقع داخل الجغرافيا العربية، لإعادة تقسيمه، ووضع اليد على مقدّراته، بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية في أمريكا  وإرتفاع أرباح البلدان العربية البترولية.

في إطار ذلك قامت أمريكا بإنتاج تنظيم داعش ليكون ذريعة ومبرراً للتدخل في الرقعة الجغرافية الإسلامية وحماية مصالحها ونفوذها في المنطقة، لذلك تعمل دائماً على نشر التنظيمات الإرهابية في منطقتنا بهدف تسويق أسلحتها وتفكيك الشرق الأوسط إلى دويلات لتمكين إسرائيل وحماية مصالحها، ولهذا السبب رسمت لداعش دوراً دموياً لتدمير دول المنطقة، وعلى رأسها سورية، فأمريكا هي "سمسار السلاح" في العالم العربي، وهي المُستفيد الوحيد من بث الرعب والخوف في نفوس دول المنطقة العربية من داعش وإيران لتسويق سلاحها، فالضغط على العراق من خلال الميليشيات المُسلحة ممثلة في داعش يدفعها لشراء الكثير من الأسلحة الأمريكية، وسوء الأوضاع في اليمن ودخول إيران على الخط، يدفع دول الخليج لإبرام صفقات أسلحة كبيرة مع أمريكا ما يُساعدها على تسويق أسلحتها، فأمريكا التي تتحدث عن مُحاربة الإرهاب هي نفسها التي تبيع السلاح لهذه الجماعات، وهنا يمكن القول أن داعش تعتبر ذراع أمريكا بمنطقة الشرق الأوسط، وأن كل هذه الأحداث مُجرد مصالح أمريكية بحتة وجميعها تصُب في مصلحة إسرائيل لذلك لا بد أن يعترف الجميع أن داعش صناعة أمريكية مثل القاعدة، وأن أمريكا هي الراعي الرسمي والداعم للإرهاب بالمنطقة.


في سياق متصل إن عجز الغرب والجماعات المتطرفة في هزيمة الجيش السوري، وإحتلال دمشق وعدم  كسر محور ايران- سورية - حزب الله، الذي يتضح الآن إنه زاد من قوته جعل رهان أمريكا وحلفاؤها على هذه الجماعات خاسر، وبذلك تكون قد خسرت في سورية مصداقيتها وقوة آلتها العسكرية ومجدها السياسي وزعمها بريادتها لقضايا حقوق الإنسان، و هنا لا بد من الإقرار بفشل الرهان الغربي وتجاوزه للواقع، و أن خطر من تغاضى عنهم من المليشيات سيطاله قريباً بعد أن يطال حلفاؤه وخاصة في ظل ما توارد من أنباء حول تدريب داعش لمواطنين أمريكان للقيام بعمليات في أمريكا مضافاً إليه أفرادها الأوروبيون الذين سيرجعون إلى بلادهم بعد إنتهاء الحرب  واكتسابهم خبرة أمنية و قتالية عالية.

هنا لا بد من الإشارة إن هناك دولاً إقليمية ودولية تراهن على إحتمالات دخول المنطقة في نوع من الصراعات الطائفية إضافة إلى محاولات تلك الجهات الزج بإدخال تنظيم داعش إلى دول المنطقة  برمتها  مستغلة بعض الإضطرابات في بعض المناطق، والتحالف مع تنظيم القاعدة، مما يحمل معه تداعيات خطيرة على أمن المنطقة، الأمر الذي يستدعي إدراك مخاطر تلك التنظيمات الإرهابية وخصوصاً في سورية، والتصدي لها بالتعاون الإقليمي والدولي الفاعل، والذي يأتي في مقدمة سياق هذا الحراك الفاعل، "مصر" بثقلها العربي والإقليمي والدولي.

مجملاً ....إن دمشق كانت، ولا تزال، السباقة في مواجهة التطرف ومحاربة الإرهاب، سواء على المستوى المحلي، أو الإقليمي، أو الدولي،  ولتكون أول دولة في العالم ممانعة للإرهاب، بل وأرفعها صوتاً في التحذير من التطرف ومحاصرة خلاياه، لذلك فإن الحكومة السورية اليوم مطالبة أن تشرك جميع مؤسسات المجتمع في تنفيذ إستراتيجية مواجهة الإرهاب، كل في مجاله،  حتى على مستوى التعليم فينبغي التوعية لجميع المراحل الدراسية بخطورة الأعمال الإرهابية وحرمتها ومنعها على مستوى الدين والمجتمع والوطن، كذلك التركيز على تعزيز الأمن الفكري، لأن الإرهاب جاء نتيجة الأفكار المنحرفة، وغالباً ما يعتمد الإرهابيون على نشر الأفكار التي تؤثر على الرأي العام العالمي للحصول على الدعم، وبإختصار شديد أستطيع القول إن الإدارة الأمريكية وحلفاؤها من الغرب وبعض الدول العربية راهنت على المليشيات والقوى المتطرفة فخسروا جوادهم الذي بدا أنه غير قادر على كسب السباق مع الملايين التي خرجت ترفض إستمرار وجودهم في سورية بسبب إرتكابهم المجازر بحق المواطنين، ومن هنا فإن خريطة الطريق الوحيدة الممكنة للوصول الى الأمن والإستقرار في سورية هي تلك التي تنطلق من التعامل مع التحديات الراهنة ببُعد نظر ورهان للمستقبل بعيداً عن الإرتهان للماضي ومآسيه، والعمل تحت سقف مشروع سياسي جامع لكل مفردات سورية الجديدة والتركيز على المصالحة بين كافة أطياف وأطراف المشهد السوري والعمل على إيجاد أهداف ومعان مشتركة جامعة قادرة على إستقطاب كافة السوريين تحت سقف واحد.


khaym1979@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد