اردنيات صنعن التاريخ

mainThumb

23-05-2015 10:37 PM

 شنت القوى الظلامية، والأقلام الحاقدة، حملة على امهاتنا الأردنية قبل عدة سنوات، وبرهنوا على سفاهتهم وصفقاتهم وجهلهم، وحقدهم وما في أنفسهم من مرض، ولم يدر بخلدهم ان ذلك العداء والتجني، سيبقى راسخا في الذاكرة الجمعية للأردنيين، يتداولونه جيلا بعد جيل، لا ينسوه ولن يغفروه، ولو بعد عشرات او مئات السنين.

   وسخرت (بفتح السين وكسر الخاء) هذه القوى المتطفلة، من أسماء امهاتنا الاردنيات، اللواتي نعتز بهن وبأسمائهن وافعالهن، وطهرهن الذي يقصر بمن يهاجمهن ان يلمس أطراف (شفافيل) أثواب طهرهن، لأنهم يتسربلون الثوب الملوث الذي لا يعرف الطهر والعفة، ولا يعرف الينا ولا نعرف اليه سبيلا.

  وإذا كانت أسماء امهاتنا وجداتنا نشازا على اذان هؤلاء السفهاء، فإنها بالنسبة لنا من أجمل الأسماء واروعها واعذبها، معنى ومبنى وجرسا (بكسر الجيم وسكون الراء) موسيقيا، ومن لا يعجبه امهاتنا واسمائهن وثقافتنا وطهرهن، فلماذا يعيش بين ظهرانينا.

 وعابت هذه القوى الظلامية الموتورة، على امهاتنا، اسماءهن. وقد ربتنا هذه الأمهات الطاهرات على المحبة والنقاء وليس على الحقد والجحود والعداء.

عابوا عليهن وعلينا أسماء: رفعة ووطفا ووضحا وصبحا وجروة وغزالة وعلياء وجواهر وفاطمة وعايشة وسميحة ونورة ومثايل وبديعة وعدايل وعشبة وعشيبة وضحية وضحى والعنود والريم وطليقة وحمده وجوزة وجوازي وطواري وشمسية وهذرمة ومشخص وبندر وهلالة وغزالة ونجمة. وهنا نقول: لماذا يبقى بين ظهرانينا من لا تعجبه أسماء امهاتنا، ونحن شعب نفتخر بهذه الأسماء؟؟؟.

  فالأردنيات غيرن (بتشديد الباء) مسار التاريخ وصنعنه من جديد، بغض النظر عن التغيير سلبا كان ام إيجابا، منذ زمن الوثنية الى قرن مضى من الزمان ، واشار الله سبحانه الى عدد منهن في القران الكريم تصريحا وتلميحا، اهمهن كانت الملكة بلقيس بنت الهدهاد بن شرحبيل، ملكة دومة الجندل / الجوف (سبأ الشمال)، وهي مذكورة في القران الكريم (في سورة النمل التي غطتها الآيات الكريمة من 20 -44 ) , وذكرتها كتب العهدين القديم والجديد، والروايات العربية والحبشية والهندية والمصرية، لروعة وحكمة ورزانة هذه المرأة الملكة الأردنية العظيمة. وسنفرد لها مقالا لاحقا ان شاء الله تعالى

    وأردنيات أخرى صنعن التاريخ، ولكن في مجال اخر، سلبي ومدمر، ومنهن امرأة لوط، واسمها والعة وقيل والهة. التي أشار اليها القران الكريم (الا عجوزا في الغابرين)، وقد ايدت شذوذ قومها (قوم لوط)، فساهمت في تدميرهم 

ومن مشاهير النساء في تاريخ الأردن، اللواتي صنعن التاريخ سلبيا، وأشار اليهن القران تلميحا، العجوز الارملة الثرية جدا الجميلة جدا عنيزة بنت غنيم الثمودية، واختها من أمها الشابة الحسناء الصارخة الحسن والجمال (صدوف بنت المحيا) – وكانت تماثلها في الثراء. وكانت الاثنتان سببا في هلاك ثمود (قوم صالح عليه السلام)، وقد لعبت المرأتان دوراً اساسيا وسياسيا في هلاك شعب وحضارة ثمود العربية الأردنية التليدة، دونها القران الكريم.

      وانضم الى ركبهما الرباب ابنة عنيزة، وكانت رباب أجمل امرأة في زمانها، كما الشمس في ضحاها والبدر في تمامه، واشترطت أمها العجوز على قيدار بن سالف وهو أشأم ثمود (أي اكثرهم شؤما)، ان يعقر ناقة سيدنا صالح لكي تزوجه ابنتها رباب، وعقر ولكنه لم يتزوجها لان الله اهلكهم قبل ان يحقق هدفه (وسنفرد لهن مقالا خاصا بهن لاحقا ان شاء الله تعالى).

الشيخة الأردنية المؤمنة صافورية / صفوريا / صفورا وتعنى «العصفورة».

هي ابنة الرجل المؤمن الشيخ المدياني الجذامي العربي الأردني : يثرون / جيثرو وهو حفيد النبي العربي الأردني الجذامي، سيدنا شعيب خطيب الأنبياء، كان والدها شيخاً من شيوخ مدين الجذامية العربية الأردنية، وقد شهد لها القران الكريم بالحياء والخجل والفراسة، ورقي السلوك والعفة والاحتشام , وهذه من صفات الاردنيات الاصليات، حيث يقول سبحانه (وجاءت احداهما تمشي على استحياء) وأيضا امتدح القران الكريم  فراستها انها عرفت قوة سيدنا موسى وامانته فقالت لأبيها (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (سورة القصص، الآية 26), كما امتدح والدها .

   تزوجت صفورة بالنبي موسى عليه السلام، وكانت نموذجاً للمؤمنة، التي تجمع الحياء والاحتشام مع الأمانة والقوة والإخلاص والعفة والذوق الأردني، وهذه مواصفات الاردنيات الأصيلات عبر الزمان والمكان وتعاقب الأجيال، وكانت قدوة في الإهتمام بإختيار الزوج الأمين العفيف. وولدت له ابنين هما: جرشوم، والثاني أليعازر   وحكاية لقاء موسى عليه السلام بصافورية ذكرها القرآن الكريم (سورة القصص، الآيات 22 – 35) (وسنفرد لها مقالا مستقلا لاحقا بإذن الله).

الملكة الأردنية خالدة (خلدو) والملكة الأردنية شقيلة (شقيلت) , وهما ملكتا الحسن والجمال والأخلاق والوطنية والاحتشام ورقي الكلام كلها معا, وهما زوجتا الملك الأردني النبطي العظيم الحارث الرابع، وما اشتهرتا به من الجاذبية والجمال والعفة في كل شيء، الذي فاق الوصف وجعل زوجهما الملك الحارث الرابع ملك المملكة الأردنية النبطية , ان يسمح لهما بمشاركته الحكم، رقي والذوق والاحتشام الحكمة والوطنية , ومساعدته ان  يمارس مهامه وسلطاته مرتاحا دون ان يحدث أي تشنج بينه وبين شعبه بسبب أي منهما ,  فضلا عما كان لديهما من سمو الاخلاق والاحتشام والعفة والطهر والحكمة والاريحية، وخدمة الشعب الأردني النبطي، والمساهمة في بناء المملكة الاردنية النبطية، وصنع الحضارة التي صارت اليوم من عجائب الدنيا العشرة إيجابيا وحضاريا. كانت الملكتان خالدة وشقيلة يحملن مواصفات المرأة الأردنية الحقيقية، وهي مواصفات عالية وسامية وراقية واصيلة وليست دخيلة.

الملكة ماريا النبطية الأردنية اخر ملكة للأنباط في القرن الثالث الميلادي، وهي ملكة عظيمة وداهية وسياسية وفارسة وصاحبة حكمة ورأي وعفة وبعد نظر، مثلما هو حال من سبقها من الملكات الاردنيات وهن: بلقيس وخالدة وشقيلة.

المجاهدة خولة بنت الازور الأردنية التي كانت تشارك في المعارك ببسالة فاقت بسالة الفرسان الصناديد، وهي من كندة الأردن، وهي شقيقة الفارس المجاهد ضرار الازور المدفون في غور ابي عبيدة.

وضحا فلاح السبيلة زوجة الأمير الشاعر نمر ابن عدوان، وملهمة زوجها العبقرية الشعرية، التي جعلته امير شعراء البادية العربية برمتها، الى الان، وبدون منازع، كانت وضحى من قبيلة بني صخر الأردنية الجذامية المعروفة، وبالتحديد من عشيرة السبيلة. وبقيت مفجر عبقريته الشعرية غزلا او رثاء، فقال قصائد الرثاء فيها، ولا مجال لذكرها هنا في مقال.

       كانت وضحا رحمها الله، تتمتع بصفات ومزايا تشكل مدرسة في السمو والأجلال والرقي والأخلاق والسلوك الذي يجسد الأردنية الحقيقية، قل نظيرها بين الناس والنساء من سمو الاخلاق وحسن الخلق، والتهذيب والاحتشام وطاعة الزوج ورقي التصرف، والعفة، ممثلة للأردنية بأكمل مواصفاتها ومعانيها، بل وبمواصفات عز نظيرها في غير الاردنيات من النساء، فلم تعبس بوجه زوجها ابداً، ولم يجدها يوماً نائمة مهما طالت سهرته

ولا تمارس مهمة الوساوس الخناس من نقل الفتنة والعلوم والثرثرة، ولم تُدر ظهرها له او لغيره عند انصرافها بل كانت ترجع الى الوراء. كان مهر وضحا 85 ناقة بعضها معاشير، والآخر معها حوارها، و190 نعجة وفرس اصيل من فصيلة العبيات، وعبد يرعى الغنم حيث يقول شاعرنا:

ما سقت بيها غير خمسة وثمانين    بيهن ابكار والبعض يدرج ولدها

وما سقت بيها غير مية وتسعين     معهن اعبية وعبد يرعى جلدها

توفيت وضحى بمرض الكوليرا (ابو هريرة او الهوا الأصفر او الوروار)، وقد أنجبت منه عقاب.

هام نمر على وجهه بعد وفاة وضحى. وقد قال في رثائها أجمل القصائد وارقها وأكثرها حزنا،

الشيخة علياء الضمور الغساسنة التي ضحت بولديها (السيد وعلي) دفاعا عن شرف الأردن والكرك، عندما هدد الالباني إبراهيم باشا بحرقهما او تسليم الكرك (عام 1832)، وأرسل الى الشيخ إبراهيم الضمور الغساسنة (وكان شيخ الكرك في حينها) ان يسلم الكرك والا احرق ولديه، عندها استشار الشيخ إبراهيم زوجته الشيخة عليا ( أم الأولاد ) التي قالت له بملء الفم "ابناء الكرك كلهم ابناؤنا أرسل له وقل، ان نقص عليك الحطب اعطيناك من الكرك ما يلزمك، يا ابراهيم "المنية ولا الدنية “، وتم حرق ولديها امام ناظريها وهي تزغرد للأردن والكرك.

عليا بنت ذياب العدوان أخت الشيخ علي بن عدوان، زوجة الشيخ سطام فندي الفايز، التي قالت له ان يكون مع ربعه بني صخر، وتراجع عن مخططه، في التحالف مع ابن شعلان والرولة ضد بني صخر، بسبب تمردهم عليه في موضوع الشيخة، الا ان الشيخة عليا العدوان رفضت هذا الامر، في قصة سنأتي عليها عند الحديث عن الشيخ سطام ان شاء الله تعالى، واقتنع برأيها وعمل به فتغير وجه التاريخ في هذا الشأن تحديدا.

الشيختان الشقيقتان: مشخص فارس المجالي زوجة الشيخ قدر المجالي، وبندر فارس المجالي زوجة الشيخ رفيفان المجالي، تم القبض على بندر ومشخص في ثورة الكرك العربية الأردنية الكبرى عام 1910، وتم الزج بهما في سجن معان، فكانتا أول من سجن من نساء العرب بعامة في البلاد العربية، والأردن بخاصة، من أجل قضية وطنية قومية عادلة ومشرفة، وبالتالي كن أول سجينتين سياسيتين عربيتين.

    وكانت الشيخة مشخص اتخذت موقفاً وطنياً متقدماً، عندما أنقسم رجال الكرك  بين رأيين,  أحدهما مع الثورة ضد الاتراك والظلم، واخر يرى أن المواجهة ليست في مقدورهم، وأنها غير متكافئة، وكان موقف مشخص , هو الذي غير مسار التاريخ نحو قيام الثورة، فقد شحذت همة زوجها الشيخ قدر زعيم الكرك في حينه ، ورفضت السماح له الى فراشها، حتى يعلن موقفه الحازم , ضد ما يقوم به عسكر الأتراك ضد الأردنيين في الكرك، وكانت مشخص ذات حظوة كبيرة عند زوجها الشيخ قدر، وبذلك اندلعت الثورة بتأييد ودعم الشيخ قدر، بتأثير من زوجته الشيخة مشخص. وكان شعار ثورة الكرك

 يا سامي باشا لا نطيع = ولا نعد رجالنا

 لعيون مشخص والبنات= ذبح العساكر كارنا

وبذلك فان مشخص وبندر هن البقية الباقية من الاردنيات العظيمات الكريمات المكرمات، ومسك الختام اللواتي صنعن التاريخ الأردني الناصع، وجاء ذلك بشكل عفوي، دون ان يكلف الأردنيين فلسا واحدا، ودونما حملة اعتقالات ووجبات تعذيب، من اجل ان يصنعن التاريخ، بل هن من عانى من اجل رفع المعاناة عن الأردنيين، وصنعن تاريخ وطن ونسجن ثوبه من اناتهن وجراحاتهن، رحمهن الله جميعا.

   لقد ضحين من اجل الأردن، ولم يضحين به من اجل ذاتهن او شلتهن، او متعتهن او متاعهن، او المدح بما لم يفعلن، حيث كانت تنظر كل واحدة من هاته الاردنيات العظيمات الى الأردن انه بلدها وبيتها وشرفها الذي تشرف (بضم الراء) به، وان اهله هم أهلها وابناؤه هم أبناؤها، من هنا صنعن التاريخ الذي لا يصنع الا بالتضحيات من اجل الأردن وأهله، وليس بالتضحية بهم من اجل ذات سرابية مفقودة، تبحث عن المنعة في بيت العنكبوت، وبحث عن تضخيم الانا البالونية المنفوخة. ولولا القول انني أناني او متحيز لذكرت من صنع التاريخ المعاصر من الاردنيات، ولكن الانسان بحق نفسه ضعيف، وبخاصة عندما يتعلق الامر بعظمة الأم البدوية التي صنعت المعجزات من لا شيء ومن الفاقة، وهي ذات العقل العبقري الذي يفوق من يدعي العبقرية، وبين يديه كل ما يتمنى ويطلب، وسنكتب عنها في غير موضع بإذن الله، رحمها الله، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

ثم نأتي الى جمال الاردنيات الذي وصفه المتنبي (303هـ -354هـ) (915م -965م) قبل أكثر من ألف عام، جاء ذلك في قصيدة من أجمل ما قيل في الشعر العربي الغزلي، بعد ان أشاد بأخلاق الأردنيين انها رفيعة بقوله

خذوا الخلق الرفيع من الصحاري   فإن النفس يفسدها الزحامُ

وكم فقدتْ جلالتها قصور            ولم تفقد مروءتها الخيام

راح يمتدح جمال الاردنيات ويصف ملابسهن المزينة باللون الأحمر ويشير الى ان الاردنيات كن يرتدين الشماغ أيضا (قبل أكثر من ألف عام)، ولم يعرفن مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب، (ولا برزن من الحمام ماثلة اوراكهن صقيلات العراقيب)، كما يقول المتنبي:

مَــنِ الجــاذِرُ فـي زِيِّ الأَعـارِيبِ ** حُــمرَ الحِـلَى والمَطايـا والجَـلابِيب

إنْ كُـنتَ تَسـأَلُ شَـكّاً فـي مَعارِفِهـا ** فمَــنْ بَــلاكَ بِتَسْــهِيدٍ وتَعْــذِيبِ

فؤادُ كــلِّ مُحــبًّ فـي بُيُـوتهِمِ ** ومــالُ كُـلِّ أخِـيذ المـالِ مَحـروبِ

مـا أوجُـهُ الحَـضَرِ المُسْتحسَـناتُ بهِ ** كأوجُـــهِ البَدَويَّـــاتِ الرَعــابيبِ

حُسْــنَ الحِضـارةِ مَجـلُوبٌ بِتَطْرِيٍـة ** وفـي البِـداوةِ حُسْـنٌ غَـيرُ مَجـلُوبِ

أَيْــنَ المَعِــيزُ مِــنَ الآرامِ نـاظِرَةً ** وغَـيْرَ نـاظِرةٍ فـي الحُسْـنِ والطِّيـبِ

أَفـدِي ظِبـاءَ فَـلاةٍ مـا عَـرَفْنَ بِهـا ** مَضْـغَ الكَـلامِ ولا صَبْـغَ الحَواجِـيبِ

وَلا بَــرَزْنَ مِــنَ الحَمَّــامِ ماثِلــةً ** أَوراكُـــهُنَّ صَقِيــلاتِ العَــراقِيبِ



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد