حقوق الناس وأموالهم .. ‎

mainThumb

23-05-2015 10:55 PM

 قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرا    ـ   صدق الله العظيم .


      إن  الغيبة والنميمة والخوض في أعراض الناس ، وترديد القيل والقال وقذف الغافلين والغافلات من دون دليل وبينة   ... كلها أفعال محرمة ومشينة وقبيحة عند الله وستقذف بصاحبها على وجهه في النار يوم القيامة ؛ وهذا الشيء كان قد أخبرنا به رسولنا صلى الله عليه وسلم ، عندما تعجب من سؤال الصحابي معاذ بن جبل رضي الله عنه  : ...  وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال له الرسول  صلى الله عليه وسلم :  ثكلتك أمك يا معاذ  ! وهل يكب الناس في النار ؛ على وجوههم ؛ أو على مناخرهم ؛ إلا حصائد ألسنتهم !!!

           فأخطار الغيبة والنميمة عظيمة ولا جدال بشأن حرمتها  ؛ ولكنها تبقى أخطار معلومة لكثير من الناس بالرغم من وقوعهم اليومي فيها !!!  ولكن الخطر الأعظم يكمن في بعض الافعال الملتبسة على عقول وعيون العامة من الناس ، بعد أن عاشوها وعايشوها وبعد ألفتهم لها  ، حتى أصبحت واقعا” لا ينكرونه ولا يسمحون بأن ينكره  عليهم أحد ؛ وتحولت هذه الأفعال ومع مرور الزمن لممارسات شبه يومية وروتينية وتتحكم بتعاملات غالبية الناس فيما بينهم ؛ وتجري كل هذه الأموروالأفعال على الرغم من تحذيرات رب العالمين للناس من الوقوع فبها ؛ وتجري على الرغم من كونها كبيرة من الكبائر في كتاب الله ؛ ونجدها شائعة ورائجة  بينتا ونلمسها في كل يوم„ في حياتنا تقريبا” رغم حرمتها الشديدة  ؛ وكمثال على مثل هذه الأفعال نجد  : الخداع والتحايل والغش والتخجيل والتلاعب بالالفاظ وبالكلمات وبالحروف ..... خلال سعي البعض للإلتفاف على حقوق وأموال الآخرين بعد إغراءهم لشراء أو بيع سلعة معينة بسعرهم الذي يلبي طمعهم وجشعهم   ؛ ودائما يبقى هدف هؤلاء محصورا”  : بقضم حقوق الآخرين وبإبتلاع أموالهم بالباطل ودون وجه حق ؛ بيعا” وشراء” !!!    قال تعالى : وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ .

           ورغم أن هذه الممارسات القبيحة ستجلب لهم غضب الرحمن ؛ لا محالة ؛ وستقذف بهم  في نيران جهنم اللاهبة يوم القيامة ، فلا زال البعض منهم يراها شكلا” من أشكال الدهاء والذكاء والفطنة والحنكة” و ( الفهلوة ) التجارية  ...   .

            أمر طبيعي إن إنحرفت معايير الناس وإن إلتبست عليهم كثير من التوصيفات للأمور وللأشياء في هذه الحياة الدنيا ؛ فأنفسهم تبقى أمارة” بالسوء ،  وهم أصحاب هوى” وغايات  ؛ ولكن توصيفات ومعايير  رب العالمين للأمور ثابتة ولا تقبل التبديل والتغيير ؛ فالغش والاحتيال وإيهام الناس والإيقاع بهم وأكل أموالهم بالباطل وقضم حقوقهم  دون وجه حق ... كلها أفعال قبيحة ومحرمة في شريعة رب العالمين ؛ وستقود صاحبها في نهاية الأمر لأشد أنواع العذاب يوم القيامة ... قال تعالى :

ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ....

          وأكل أموال الناس بالباطل له صوره وأشكاله العديدة والتي لا حصر لها ... فاستيراد وبيع الغذاء الفاسد والدواء الفاسد واستيراد وبيع البضاعة المنتهية الصلاحية ؛ كلها أفعال محرمة في شريعة الله ؛  والتلاعب بتواريخ الصلاحيات للمواد والسلع ، وبيع الرديء للناس بإدعاء أنه الأجود والأفضل في الأسواق هو حرام  ؛ كما أن خلط الرديء بالجيد لمحاولة التمويه على المشتري ولتصريف السلعة الراكدة ؛ هي أفعال محرمة في شريعة الله ؛ وتوجيه صناديق الفواكه والخضروات لمحاولة غش الناس وخداعهم والايقاع بهم ؛ ومحاولة إخفاء عيوب السلع الخافية لتصريفها على الناس وبأعلى الأسعار كلها كبيرة من الكبائر ومحرمة  شرعا”  ؛ كما أن عدم ارجاع السائق لبقية أجرة الركاب مستخدما” أسلوب التخجيل مثال قوله مثلا”  : مين بده قرشين ؟ أو مين بده شلن ؟؟ أو بالتطنيش عن الكلام أو ما شابه ذلك  ....  ؛  كلها أفعال تؤدي بالانسان في النهاية لأكل أموال الناس بالباطل ودون وجه حق ؛ وهي أفعال محرمة شرعا” وكبيرة من الكبائر ؛ ولا يسوق لاباحة الحرام شيوعه بين الناس ولا يسوق له سكوت المجتمعات عليه ولا ألفة الناس له  ...

               يحلف التاجر لك بأن سلعته أصيلة أو أصلية 100 ٪ وبعد الشراء تتفاجأ بأنها رديئة وليست كما قال وأكد   ؛ ويوهمك البائع بأن سيارته ناجحة بكل الفحوصات المطلوبة ؛ وبأن صفاتها كذا وكذا وكذا  ... ثم تكتشف لاحقا” بأنها : مصدومة وتعاني من مشاكل ميكانيكية وغير مكانيكية كثيرة  ...

        وغالبا” ما  تشتري سلعة معينة من إحدى المحلات التجارية ، ثم تتفاجأ بأن ثمنها في المحل المجاور هو أقل بكثير من الثمن الذي دفعته للمحل الأول  ؛ وإن فمت بمراجعة البائع الأول ؛ فسيحاول إقناعك كالقول : أن بضاعته قديمة واشتراها بالسعر القديم  ، وقد يبرر لك ما حدث بأعذار كاذبة ويتفنن بعض التجار بصياغتها وفي سردها عبر مشوارهم الطويل في خداع الناس ونهب أموالهم ؛ وهي الممارسات التي عدوها : فن وتجارة وذكاء وشطارة  وفهلوة ...  والمصيبة العظمى ستحدث إن تفاجئت بأن غيرك من الناس ، كان قد إشرى نفس سلعتك ومن نفس المحل الذي استريت منه ولكن بسعر أقل من السعر الذي دفعته أنت بكثير  ، والسبب وراء ذلك بأن  ذلك المشتري قام بمجادلة صاحب المحل وبمحاورته لخفض سعر السلعة  ؛  إو أنه مطلع على السعر الحقيقي لتلك السلعة  ؛ فجادل البائع ... بينما قمت أنت بدفع كل ما طلبه التاجر من ثمن بحسن نية ودون جدال أونقاش حتى وقعت ضحية   ...

           المراقب لمعاملتنا التجارية والحياتية وحتى الإنسانية منها ؛ سيجد تلك المعاملات وفي غالبيتها العظمى ؛ لا تشتمل على حدها الأدنى من الصدق والأمانة والمصداقية  ... وسيجد بأن الصفة الغالبة على معاملاتنا الحياتية المختلفة اليوم هي : الغش والتدليس والتزوير والمراوغة والخداع والتسويف والكذب ... ولا ننسى قصة البورصات الوهمية والتي أوقعت عشرات الآلآف من المواطنين الأردنيين ضحية” للخداع وللوهم والدجل ؛ وقامت مجموعات جشعة بأكل أموال الناس بالباطل ودون حق ،  وهي نوعيات من البشر لا يعنيها في هذه الحياة الدنيا ،  أكنز  من كنز وتجميع الأموال وبشتى الطرق  والسبل ؛ ولو كانت هذه الطريقة باستغلال الآخرين وبنهب أموالهم بأية وسيلة وطريقة  ...

         ولكثرة هذه النوعيات المقززة في مجتمعاتنا العربية ؛ فقد أصبح الشك هو المسيطر على كل معاملاتنا التحارية والحياتية  ؛ وأصبح سوء الظن هو الحكم الصادر مسبقا” على معاملاتنا المختلفة  ... فإن حدث وتعامل بعض الناس  بحسن نية مع الآخرين  فسيقع ضحية”  للغشاشين وللجشعين وللفاسدين وللدجالين في قادم الأيام ؛ لا محالة ...

      وعند وقوع شخص حسن النية فريسة ببد هذه الفئات الجشعة ؛ فستتوجه سهام لوم  الناس على الضحية والمغدور  !  وبدلا”  من توجيه  الملامة والتقريع للمحتالين وللغشاشين وللطماعقن ولعديمي الضمير والذمة  ؛ فسيلوم الناس المغدور ـ حسن النية ـ  بالقول  :  يا مسكين ؛ لماذا  تسرعت ! لماذا لم تتفحص سلعتك جيدا” ؟  لماذا لم تسأل غيرك ؟ لماذا لم تجادل البائع وتتأنى  ؟ ولماذا  دفعت له بسرعة ؟ ولماذا ؟ ولماذا  ... ؟؟؟ .

       وللأسف يوجد بينتا الكثير ممن إعتادوا على أكل أموال وحقوق الناس بالباطل ودون وجه حق ؛ ونجد بعضا” من هؤلاء متصدرا” لصفوف المصلين في المساجد ؛ ونجده يتكلم في جلسات الناس بكل لباقة وبراعة عن  المثاليات الحياتية ؛ وعن حرمة التعدي على حقوق وأموال الآخرين وعن النار والجنة   ... ولكن مثل هذه الفئات من البشر لم تعي في حياتها ؛ بأنها تتعامل مع إله قوي ويرى ويسمع ؛ إله عادل توعد الطغاة والظالمين بالعذاب ، إله غفار وقد يغفر كل شيء بإستثناء أكل أموال وحقوق الغير مهما صغرت في نظر البعض  ... قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  : أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ ، فَقَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار .
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد